خطاب القسم: تقليدي بلغة جديدة .. ذكر شيئاً وغابت عنه أشياء!(حسن علوش)
حسن علوش – الحوارنيوز
إسوة بالغالبية المطلقة من اللبنانيين، شعرنا بنافذة أمل جراء انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية.
لأنه آت من خارج المجموعات السياسية الحاكمة، فهو رجل دولة وليس رجل سياسة في الحكم.
ولأن تجربته في المؤسسة العسكرية تثبت نزاهته وحرصه على تحصين المؤسسة من التدخلات السياسية بدءا من الإمتحانات للدخول إلى المدرسة الحربية وصولا الى التعيينات والتشكيلات الخ.
ولأنه حرص على محاكاة القضايا الوطنية بنفس وطني لا طائفي، وثبًت العقيدة الوطنية للمؤسسة العسكرية ولم يفقد البوصلة لجهة إدراكه لأطماع العدو جنوباً والمجموعات الارهابية المرتبطة به شرقا وشمالا (فجر الجرود).
كل ذلك، يزيد من حجم التحديات التي سيواجهها بدءا من نهار الإثنين المقبل وكباش تكليف رئيس للحكومة المقبلة قادر على مواكبة العناوين العامة لخطاب القسم وتحويله الى برنامج حقيقي قابل للتنفيذ، والبرنامج يقتضي بطبيعة الحال أن نضع له مهلا لا أن يبقى مفتوحاً من ولاية رئاسية إلى أخرى!
فمقارنة بسيطة بين مجمل خطابات القسم تكشف أن العناوين التي طرحت في خطاب الرئيس جوزاف عون ،تكاد تكون مطابقة لخطابي القسم للرئيسين السابقين ميشال سليمان وميشال عون. وإذا كان عهد الأول سقط بإنقلاب الرئيس على خطابه بالكامل، فإن عهد الثاني راح ضحية الحصار الدولي والعربي على خلفية الصراعات الإقليمية، إلى عدة أسباب داخلية أبرزها ممارسة الحكم كرجل سياسي يعمل لمجموعته أكثر من العمل للوطن بكليته (إسوة بالآخرين).
ومع الرئيس الحالي، نأمل ألا يستنسخ تجربة الأول وأن يستفيد من الإنفتاح العربي والدولي لخدمة لبنان و”وحدة الوطن والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه”.
لقد ذكر الرئيس عون عناوين حكّت على الجراح: تطبيق وثيقة الوفاق الوطي، التزام موجبات الدستور، استقلالية القضاء، وكلها عناوين مكررة.
ولعل ما جاء في الخطاب من توصيف لأزمة لبنان كونها “أزمة حكم” تستدعي اعادة النظر في بنية الحكم ومؤسساته، وتفرض على الرئاسة البدء بالإصلاحات السياسية التي نصت عليها “وثيقة الوفاق الوطني” المعروفة بإتفاق الطائف، دون إبطاء.
لقد تضمن الخطاب كماً من العناويين والتفاصيل في أماكن وأهملها في أماكن أخرى، كعدم ذكر أهمية إقرار قانون انتخاب “على أساس وطني لا طائفي”، سنداً للمادة 22 من الدستور، رغم الإشارة السريعة الى قانون يعكس صحة التمثيل.. لكن أي تمثيل؟
وكذلك تجاهل المادة 95 والتي تنص على “اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية…”
ومن المعلوم أن اقتراح قانون خارج القيد الطائفي قد قدمته كتلة التنمية والتحرير قبل الانتخابات الأخيرة، لكن تحالف الثنائي المسيحي (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) قد أجهض كل محاولة لمناقشة الاقتراح في اللجان النيابية المشتركة!
أما لجنة دراسة الغاء الطائفية فكانت “بكركي” أول من رفض قيامها!!
في العودة الى خطاب القسم، فقد ذكر الرئيس عون بأنه مع مجلسي النواب الوزراء سيعمل لإعادة هيكلة الادارة العامة ” وأن نقوم بالمداورة في وظائف الفئة الأولى في الإدارات والمؤسسات العامة”..
فهل سيشمل هذا العهد أو التعهد المؤسسات الأمنية وفي مقدمها مؤسسة الجيش اللبناني؟
هل ستشمل المداورة حاكمية مصرف لبنان؟
إذا كانت ستشمل هذه المؤسسات فإننا أمام خطوات ثورية لا إصلاحية، وإذا لم يشملهم فإننا أمام إجراء إداري لا قيمة إصلاحية بنيوية له..
ثم عاب أو غاب عن الخطاب وهو الغارق بتفاصيل جيدة.. غاب عنه الاشارة الى وجوب وضع حد لإستباحة الأملاك البحرية والنهرية لمخالفتها القوانين أولا، ولكونها من الأبواب التي يمكن من خلالها تأمين سيولة نقدية كبيرة لخزينة دولة مفلسة.. فهل سنتمكن من ذلك؟
ما عرضناه أعلاه هو بعض الملاحظات العابرة، على خطاب عهد نتمناه أن يكون فاتحة خير، وأملنا كبير بذلك، رغم ما تعدّه القوى السياسية التي تناوبت على الحكم (8 و14) من أبناء النظام الطائفي والأحزاب الطائفية، من خطط لإفشال هذا العهد وكل عهد يعمل لنقل لبنان من نظام الغنائمية الى دولة المواطنة والقانون كما يحلم الرئيس العماد جوزاف عون.