قالت الصحف: عون رئيساً بشبه إجماع داخلي ومباركة عربية ودولية
الحوارنيوز – صحف
أفردت صحف اليوم افتتاحياتها لمتابعة خبر انتخاب قائد الجيش السابق العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية.
وجاءت الافتتاحيات على النحو التالي:
- صحيفة النهار عنونت: جوزف عون في بعبدا منهياً فراغ السنتين والشهرين
خطاب القسم: ليسمع العالم إنّ مرحلة جديدة بدأت
وكتبت تقول: عصر أمس الخميس في التاسع من كانون الثاني 2025 وضع انتخاب العماد جوزف عون حداً لأزمة الفراغ الرئاسي المتمادية منذ سنتين وشهرين وتسعة أيام فيما صار الرئيس المنتخب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية وخامس قائد للجيش يُنتخب رئيساً والرابع منهم على التوالي بعد الرؤساء اميل لحود وميشال سليمان وميشال عون. وإذا كان انتخاب الرئيس جوزف عون بأكثرية 99 نائباً حال دون نشوء مشكلة تتصل بدستورية انتخابه بلا تعديل دستوري، فإن الجانب الأكثر دلالة في إتمام الاستحقاق الدستوري أمس تمثل أولاً في ضخامة قياسية للدعم الداخلي والخارجي الذي تكوكب حوله ووفر له قوة الدفع لانتخابه، وثانياً في تجاوز مطب اساسي تمثل في استقطاب تأييد الثنائي الشيعي لانتخابه بعد “رسالة” إخفاق الدورة الأولى في انتخابه لكي يجري وضع اللمسات الأخيرة على مظلة التوافق الواسع حوله بما أبقى واقعياً “التيار الوطني الحر” وحده ككتلة نيابية مع عدد محدود من النواب في موقع المعارضة للعهد الجديد.
ولا مغالاة في القول إن اللبنانيين الذين ترقبوا الإطلالة الرئاسية الأولى للرئيس جوزف عون سمعوا منه خطاب قسم ينطبق عليه وصف “أجمل من يصدق”، ولكن الرئيس المنتخب بدا أكثر من صادق وحازم ومصمم في خطاب الدولة واسترداد الدولة بل وعهد الدولة. ذلك إن خطاب القسم تميّز باستثنائية عالية في التعهدات المتصلة بـ”المرحلة الجديدة” لبناء الدولة وتوزعت عبره الرؤية لهذه الدولة من منطلقي الالتزام الصارم بالقانون والإصلاح على أساس العدالة والتوازن بين مطالب الفئات اللبنانية على اختلافها. وإذ يعدّ الرئيس المنتخب لأول محطات مسؤولياته في إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف الشخصية التي ستشكل الحكومة الجديدة جاء خطاب القسم الذي دوت قاعة الجلسات في مجلس النواب طوال إلقائه بالتصفيق الحار ليطلق مجموعة تعهدات قياسية في إعادة النصاب إلى مفهوم الدولة. قال إن “لبنان هو من عمر التاريخ وصفتنا الشجاعة وقوتنا التأقلم ومهما اختلفنا فإننا عند الشدة نحضن بعضنا البعض وإذا انكسر أحدنا انكسرنا جميعا”. وشدد على أنه “يجب تغيير الأداء السياسي في لبنان، وعهدي إلى اللبنانيين أينما كانوا وليسمع العالم كله أن اليوم بدأت مرحلة جديدة من تاريخ لبنان وسأكون الخادم الأول للحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني وأن أمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحكم عادل بين المؤسسات”. وتتلخص أبرز تعهداته بـ: “إذا أردنا أن نبني وطناً فإن علينا أن نكون جميعاً تحت سقف القانون والقضاء، التدخل في القضاء ممنوع ولا حصانات لمجرم أو فاسد ولا وجود للمافيات ولتهريب المخدرات وتبييض الأموال، عهدي هو التعاون مع الحكومة الجديدة لإقرار مشروع قانون استقلالية القضاء، وأن أطعن بأي قانون يخالف الدستور، وعهدي هو الدعوة لإجراء استشارات نيابية في أسرع وقت لاختيار رئيس حكومة يكون شريكاً وليس خصماً، سأعمل على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح، سنستثمر في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً ومحاربة الإرهاب ويطبق القرارات الدولية ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، سنناقش استراتيجية دفاعية كاملة على المستويات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكن الدولة اللبنانية من إزالة الإحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه، عهدي أن نعيد ما دمره العدو الإسرائيلي في الجنوب والضاحية والبقاع وفي كل أنحاء لبنان، آن الأوان لنراهن على استثمار لبنان في علاقاتنا الخارجية لا أن نراهن على الخارج للاستقواء على بعضنا البعض، سنمارس سياسة الحياد الإيجابي ولن نصدر للدول إلا أفضل المنتجات والصناعات ونستقطب السياح”.
وللمرة الاولى منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون استعاد قصر بعبدا عصر أمس حركته الناشطة باستقبال رسمي للرئيس جوزف عون على أن يبدأ الاقامة الثابتة فيه بدءاً من اليوم. ويُتوقع أن تحدد دوائر القصر مواعيد الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة الجديدة في مطلع الاسبوع المقبل.
وأثار انتخاب عون ترحيباً خارجياً عارماً، فأعربت فرنسا “عن سعادتها البالغة بانتخابه وتقدمت بالتهاني الحارة منه، وأكد الناطق باسم الخارجية الفرنسية أن “هذا الانتخاب يُنهي فراغًا رئاسيًا دام عامين، أضعف البلاد، ويفتح صفحة جديدة للبنانيين. يجب أن يكون مصدر أمل لهم ولكل شركاء وأصدقاء لبنان الذين وقفوا إلى جانبه لسنوات. كما يُعد تشجيعًا لفرنسا التي بذلت جهودًا كبيرة لإعادة تفعيل المؤسسات اللبنانية”. ودعت فرنسا جميع المسؤولين السياسيين والسلطات اللبنانية إلى “الالتزام العاجل بالعمل على النهوض الدائم بالبلاد. ويجب أن يتبع هذا الانتخاب تشكيل حكومة قوية تدعم رئيس الجمهورية”. وتلقى الرئيس المنتخب اتصالاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هناه فيه بانتخابه.
لماذا دعموه؟
وبدوره أكد الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين أن “انتخاب جوزف عون خطوة نحو السلام والاستقرار في لبنان”.
وقالت السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون إنها “سعيدة للغاية” بانتخاب عون، وأكدت السفارة التزامها العمل “بشكل وثيق مع الرئيس عون مع بدئه جهود توحيد البلاد، وتنفيذ الإصلاحات وتأمين مستقبل مزدهر للبنان”.
وقال سفير بريطانيا هاميش كويل “إنها بادرة أمل للبنان بعد العديد من التحديات. الخطوة الرئيسية التالية تحت قيادته هي التشكيل السريع للحكومة الملتزمة بالمضي قدماً في الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. بريطانيا على استعداد لدعمه”.
وقالت سفيرة الاتحاد الأوروبي ساندرا دو وال: “مبروك للبنان انتخاب رئيس . تصريحات مشجعة جداً للرئيس جوزف عون. المسؤولية تجاه الأجيال المستقبلية، والوحدة بين الطوائف، والإصلاحات واحتكار الدولة للسلاح. نتطلع إلى تشكيل سريع للحكومة كخطوة تالية. إن الاتحاد الأوروبي مستعد لتقديم الدعم”.
- صحيفة الأخبار عنونت: الثنائي يثبت حضوره السياسي وفعّالية أصواته والأحزاب المسيحية تترقّب: تفاهم داخلي لتمرير قرار الخارج تعيين القائد رئيساً
وكتبت تقول: السّاعة الحادية عشرة صباحاً. رنّ الجرس في قاعة الهيئة العامة في مجلس النواب. جرس الإيذان بطي صفحة الفراغ في رئاسة الجمهورية المُعلّقة منذ 31 تشرين الأول 2022. هو «خميس الانتصار» بالنسبة إلى الفريق الذي اعتبر العماد جوزيف عون خياره لمواجهة حزب الله، و«خميس الهزيمة» لقوى رفضت التصويت له وعلى رأسها التيار الوطني الحر. بينما كان هناك «خميس التفاهم» الذي يخص الثنائي حزب الله وحركة أمل. وهو تفاهُم تُرجم في صندوقة الاقتراع الزجاجية التي سقطت فيها 99 «نعم» من أصل 128 لانتخاب قائد الجيش، كخطوة على طريق ترجمة التعهدات المتبادلة.
الغالبية غير المريحة نالها العسكري الخامس الذي ينتقل من اليزرة إلى قصر بعبدا، وجاءت في دورة الاقتراع الثانية، قبل إعلان عون رئيساً للجمهورية بحضور كامل أعضاء البرلمان الـ 128. في حضور نحو 100 شخصية من المدعوّين (سفراء وقادة أمنيين وقضاة وكبار موظفي الدولة وإعلاميين)، شهدوا إسدال الستار على عامين وشهرين وبضعة أيام عاشَ فيها لبنان تطورات غير عادية وغير مسبوقة على المستوى الداخلي والخارجي، مِن ضمنهم سفراء «الخماسية» الذين توزّعوا على المقاعد يُراقبون من كل الجهات حصيلة ضغوطهم، ويشرفون على التزام النواب بالتصويت للمرشح «الأممي» الذي أمرت به واشنطن والرياض وسارَت به باريس.
جلست السفيرة الأميركية ليزا جونسون، وإلى جانبها السفيران المصري علاء موسى والفرنسي هيرفيه ماغرو، وفي جهة أخرى جلس السفير السعودي وليد البخاري وخلفه في المقعد الآخر جلس السفير القطري سعود آل ثاني. وعلى صف آخر «تربّع» المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، وتولّوا جميعهم «حراسة» الاتفاق المُسبق الذي عبّد الطريق لعون وعيّنه رئيساً قبل تصويت النواب له.
لم تشهَد الجلسة أي تطور غير عادي، بل سارت كما هو مخطّط لها بعدَ اكتمال المعطيات السياسية، وكل ما تلا ذلك كانَ مجرد «تمثيليات» في عرض مسرحي برّر فيه عدد من النواب في تنظيرات وشتائم وتبادل الاتهامات بعدَ سماح الرئيس نبيه بري للنواب الاستفاضة بشرح خطورة تعديل الدستور.
فعلياً، لم يكُن المشهد الفعلي داخل القاعة العامة. بل كان قائماً قبل الجلسة بـ 48 ساعة، تخلّلها إدارة لمحركات الاتصالات الداخلية والخارجية بأقصى قوة واتّخذت أبعاداً فوقَ العادة مع زيارات الأمير يزيد بن فرحان، المكلّف بالملف اللبناني في الخارجية السعودية، والموفد الأميركي عاموس هوكشتين ولودريان.
ويُمكن القول إن صياغة الإخراج، أتت بعد مفاوضات قيل إنها كانت «شاقّة» مع حزب الله وحركة أمل اللذين تقصّدا تمرير رسالة واضحة إلى الداخل والخارج، بأن لا رئيس بالفرض من دون الاتفاق معهما، وبأن جوزيف عون لا يمكن أن يكون رئيساً من دون أصوات الثنائي، وأنه لا يُمكن صناعة الرؤساء بمعزل عنهما، وعلى الجميع أن لا يُخطئ في الحسابات ويتعامل مع حزب الله تحديداً باعتباره من الماضي. وقد جاءت الرسالة في الدورة الأولى التي نالَ فيها عون 71 صوتاً، بعدَ أن اقترع نواب كتلتي «الوفاء للمقاومة» و«التنمية والتحرير» بأوراق بيض، رغمَ أن التسوية معهما كانت قد أُنجزت في ساعات الليل. وهي رسالة معنوية بأن «الدور الأخير والحاسم في إكمال النصاب العددي والسياسي هو للمكوّن الشيعي».
ما بينَ الدورتين الأولى والثانية، كانَ الجميع يعلَم بأن «الحفلة» انتهت، وما تبقّى ليس سوى لمسات أُنجزت في اللقاء الذي عُقِد بين عون والنائبين محمد رعد وعلي حسن خليل وتسرّبت عنه أجواء إيجابية، وسبقه لقاء آخر ليل الخميس، حيث قالت مصادر مطّلعة إن «عون أكّد أمامهما أن التفاهم مع الثنائي هو أولوية لديه وأنه غير مهتم لمن يحاول اعتبار وصوله إلى سدة الرئاسة انتصاراً سياسياً له». وتقول المصادر إن عون «بدّد هواجس الثنائي أمنياً وسياسياً وعسكرياً وإعمارياً، وهذا ما أفضى إلى منحه أصوات نواب الثنائي في البرلمان»، وذلك خلال مشاورات وصفتها مصادر الرئيس الجديد بأنها «لتعزيز عوامل الثقة والاطمئنان»، علماً أن الجزء الأساسي والأهم من التفاهم أنجزه من جهة الرئيس بري مع الأميركيين والسعوديين، ومن جهة أخرى حزب الله مع الفرنسيين.
ورغمَ التكتّم الكبير حول ما جرى الاتفاق عليه، لكنّ الرواية السياسية لما حصل، تُشير إلى أن التفاهم بين عون والثنائي وضعَ ضوابط للتعامل بين الطرفين في المرحلة المقبلة تتصل بأجندة العهد الجديد، بدءاً من إعادة الإعمار، وشكل الحكومة (قيل إنه جرى الاتفاق على بقاء الرئيس نجيب ميقاتي حتى الانتخابات النيابية المقبلة) وصولاً إلى مسألة المقاومة ودورها وحمايتها، تثبيتاً للاتفاق الذي أُنجز مع الخماسية.
لكن ثمة ما لا يُمكن إغفاله، وهو أن ما حصل هو استجابة، على مضض، لواقع عنيد تمثّل في الضغط غير المسبوق الذي مارسه الخارج لانتخاب جوزيف عون رئيساً، الأمر الذي أرغمَ فريق المقاومة على التراجع عن مرشحه الأساسي سليمان فرنجية، وكل المرشحين الآخرين الذين جرى التداول في أسمائهم، من دون أن يمنعه ذلك من فرض حضوره السياسي الذي أرغمَ الخارج أيضاً على إبرام «صفقة» معه ستتضح معالمها في الأشهر المقبلة.
وفي المقلب الآخر، كانت الأنظار تتجه صوب مواقف الأحزاب المسيحية الرئيسية، وإذا كان التيار الوطني الحر ظل منسجماً مع موقفه الرافض لانتخاب عون، ليس فقط لأنه بحاجة إلى تعديل دستوري بل لأنه لا يمثّل صورة الرئيس حسب التيار، فإن موقف حزبَي الكتائب والقوات اللبنانية بدا غير مقنع حتى لأنصارهما. ذلك أن حزب الكتائب ظهر مرة جديدة أنه في موقع من «يبصم» على أي اتفاق يُعد له خارجياً، بينما لم ينجح قائد القوات سمير جعجع حتى في التقاط صورة له مع قائد الجيش قبل حصول الانتخابات، علماً أن باسيل كان يراهن على أخطاء ستمارسها القوات، ما يعطّل انتخاب عون، فيما كان جعجع يراهن على إقناع باسيل للثنائي بعدم السير بانتخاب قائد الجيش. وحده البطريرك الماروني بشارة الراعي تصرّف كمن وصله حقه، ولو أنه كان يفضّل شخصية أخرى لهذا المنصب، لكنه مهتم أكثر بعودة الحضور المسيحي إلى الموقع الأول في الدولة.
وعبرت السفيرة الأميركية في بيروت بأنها «سعيدة للغاية» بانتخاب جوزيف عون رئيساً. وكتبت السفارة الأميركية في منشور على موقع «إكس»: «نحن ملتزمون العمل بشكل وثيق مع الرئيس عون مع بدئه جهود توحيد البلاد، وتنفيذ الإصلاحات وتأمين مستقبل مزدهر للبنان». واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي سيزور لبنان قريباً كما أعلن «الإليزيه»، أنّ «هذه الانتخابات الحاسمة تمهّد الطريق للإصلاحات والترميم والسيادة والازدهار في لبنان»، مضيفاً: «أيّها اللبنانيون، فرنسا إلى جانبكم». وأعرب الاتحاد الأوروبي عن تطلعه إلى تشكيل حكومة إصلاح في لبنان «من دون تأخير».
من جهتها رحّبت السعودية وقطر ومصر بانتخاب العماد عون، ويجري الحديث عن زيارات مرتقبة لمسؤولين كبار من دول الخليج إلى بيروت في وقت قريب جداً، وعن توجيه الدعوات إلى عون لزيارة السعودية.
«أمن الجلسة» على حساب الإعلاميين
لم يسبق أن اتّسمت أي جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية بالإجراءات والبهورات الأمنية والعسكرية التي حصلت يوم أمس. ولم يكتف الجيش بإغلاق مداخل مجلس النواب كما كان يحصل في كل السنوات بل وسّع الدائرة لتشمل منافذ العاصمة. ولمزيد من الإذلال، جرى وضع آلة سكانر قرب مبنى جريدة «النهار» حيث تمت عملية تفتيش الصحافيين بشكل دقيق حتى كادوا يطلبون من مراسلي وسائل الإعلام خلع ثيابهم، بينما كانت الطرقات مفتوحة بالكامل أمام مواكب السفراء والدبلوماسيين وسياراتهم الداكنة الزجاج!
لكنّ الأمر لم يقف على ذلك، إذ فرضت إجراءات الأمس على الصحافي، أن يعبر عدة «حواجز» قبيل بلوغه مجلس النواب حيث يصرّح عن اسمه ولا يدخل إلى القاعة من المدخل المعتاد بل يتّم جرّه عبر مدخل جانبي. كان يمكن لكل ذلك أن يمرّ لولا أن من مُنحوا بطاقات للدخول إلى القاعة العامة، مُنعوا من دخولها بحجة أن لا مكان مخصصاً لهم بينما احتلّ السفراء والدبلوماسيون الكراسي المخصّصة عادة للإعلام. وهو ما تسبّب باعتراض الصحافيين، بعدما تبيّن أن المقاعد المخصّصة لهم لم تتعدَّ الـ12 مقعداً، دون أن يهتم أي مسؤول بتبرير ما حصل. فيما كان عناصر الجيش الواقفون على مدخل القاعة، يتصرّفون بعنجهية غير مسبوقة، وكانوا يصرخون، لا يتحدثون مع الإعلاميين، والطلب إليهم الانتقال إلى الطابق السفلي أو المكتبة العامة أو إلى خارج البرلمان. ولسخرية القدر حتى اسم مراسلة «تلفزيون لبنان» الرسمي لم يكن وارداً على اللائحة. ليتكرر المشهد نفسه خارج مبنى المجلس، حيث واصل عناصر الجيش الصراخ على الإعلاميين وممثلي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، دافعين معظمهم إلى التكدّس، بعضهم فوق بعض، في مسافة لا تتعدّى الثلاثة أمتار!.
- صحيفة الديار عنونت: «القائد» رئيساً: خطاب جامع وطموح
الحكومة والجنوب اول الاختبارات
وكتبت تقول: اخيرا، خرج «الدخان الابيض» من ساحة النجمة، وبعد شغور استمر عامين وشهرين وتسعة ايام، انتخب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية، وهو الرابع عشر، والخامس الذي ينتقل من اليرزة الى بعبدا، والاول من الجنوب. مع هذا الانتخاب دخلت البلاد مرحلة جديدة مع رئيس قدم في خطاب القسم تعهدات اصلاحية انقاذية طموحة جدا، لكنه يحتاج لتنفيذها، اولا ان تترجم الوعود الدولية والاقليمية بمساعدته افعالا لا اقوالا، فيما لم يعرف بعد ما اذا كان «دفتر الشروط» محصورا بالرئاسة او يمتد الى الحكومة وما بعدها من قضايا اساسية. اما الامر الثاني، فهو تعاون القوى السياسية الداخلية معه لإعادة بناء الدولة، وسيكون اول الاختبارات، الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة، وتنفيذ بنود اتفاق وقف النار حيث واكبت قوات الاحتلال «جلسة الانتخاب برا بالمزيد بالتفجير والتدمير في القرى الحدودية، وواكبت وصول الرئيس الى بعبدا بتحليق مكثف «للمسيرات» في اجواء بيروت.
اخراج متقن للجلسة
وكانت مجريات جلسة الانتخابات، منسقة وباخراج متقن من جانب الرئيس نبيه بري بالتنسيق مع حزب الله، حيث حرصا على تحقيق انتصار تكتيكي من خلال اظهار ان المعبر الرئيسي لانتخاب الرئيس سيكون حكما بالتفاهم مع «الثنائي»، الذي اختار حماية «الوفاق الوطني»، كما كان حاميا للسيادة، كما قال النائب محمد رعد. بدأت الجلسة بدورة اولى لم تمنح عون الاصوات الـ86 المُلزِمة، بعدما عمد «الثنائي» سيناريو الى وضع الاوراق البيضاء، فعلقها بري لساعتين، افساحا في المجال امام النائبين علي حسن خليل، ومحمد رعد لزيارة اليرزة، والاتفاق مع القائد على المرحلة المقبلة.
وهكذا انتخب عون بـ99 صوتا قاطعا الطريق على الطعن الدستوري في رئاسته، والقى خطاب رجل دولة يطمح الى بناء دولة عصرية وقوية. وحدد عناوين المرحلة بما تستوجبه من تحولات. التزم أمام الشعب اللبناني ببسط الدولة سيطرتها وحقها في احتكار حمل السلاح، بالاستثمار في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً ومحاربة الإرهاب وتطبيق القرارات الدولية ومنع الاعتداءات الإسرائيلية… تعهد بمنع التدخل في القضاء والتمسك بالاقتصاد الحر والحاجة إلى مصارف لا يكون الحاكم فيها إلا القانون. وأكدّ عدم التهاون في حماية أموال المودعين، واعادة ما دمره العدو الإسرائيلي في كل أنحاء لبنان.
لقاء «اليرزة» الحاسم
وكانت الاجتماعات تواصلت ليلة اول من امس، لتعبيد الطريق امام انتخاب الرئيس عون، ابرزها اللقاء بين النائب علي حسن خليل، مكلفا من الرئيس بري، والموفد السعودي يزيد بن فرحان في حضور السفير السعودي في مقر السفارة في اليرزة حيث استمر الاجتماع الى قرابة الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وانتهى على نحو ايجابي. ووفق المعلومات، بدد بن فرحان هواجس حزب الله وحركة امل حيال الاندفاعة السعودية تجاه انتخاب قائد الجيش، وكان تأكيد على ان الرياض ليست في صدد دعم اي اختلال في التوازنات الداخلية اللبنانية وانما موقفها ياتي على خلفية الحرص على تأمين الاستقرار الداخلي اللبناني في ظل المتغييرات الاقليمية والدولية وخصوصا في سورية، مع التزام المملكة بتشجيع الحوارات الداخلية حيال اي موضوع خلافي.
وقد لمس الخليل توجها سعوديا لالتقاط اللحظة السياسية الحالية في ظل وجود تنسيق ايجابي مع ادارة الرئيس جو بايدن، وفي ظل مخاوف من تعقيدات قد تطرأ مع دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب الى البيت الابيض في العشرين من الجاري. وقد ابلغ خليل السعوديين بان الثنائي سيتعامل بايجابية مع الاجماع شبه التام على عون ولن يكون حجرة عثرة امام تحقيق الاستقرار الداخلي، لكن تبقى بعض الامور التي يجب مناقشتها مع الرئيس المفترض قبل جلسة الانتخاب، وهو امر متروك تنسيقه للرئيس بري الذي يتعهد بان يكون للبنان رئيس يوم الخميس.
ماذا دار بين عون و «الثنائي»
وفي هذا السياق، عقد اجتماع صباحي بين كتلتي «الوفاء للمقاومة» «وكتلة التحرير والتنمية»، وتم استعراض الموقف من عملية الانتخاب وتم التوافق على الاقتراع «بورقة بيضاء» في الدورة الاولى، على ان يلتقي كل من النائب علي حسن خليل والنائب محمد رعد قائد الجيش بين الجلستين، وقد تم تنسيق الموعد معه قبل الجلسة. ووفق مصادر مطلعة، كان اللقاء ايجابيا جدا بين الطرفين حيث تم التاكيد على متانة العلاقة التي كانت خلال توليه قيادة الجيش، وجرى استعراض التحديات المقبلة التي ستواجه العهد، وكان الحديث صريحا وشفافا لجهة كل الهواجس المنطقية بعدما اندفع الخارج بطريقة غير مسبوقة للتسويق لعملية الانتخاب، فكان عون واضحا بانه لم يقدم اي التزامات لاحد سواء في الداخل او الخارج، وهو كما كان حريصا في قيادة الجيش على حماية لبنان واللبنانيين ستكون مسؤوليته اكبر في الرئاسة الاولى للتعامل مع المرحلة الصعبة والدقيقة وفق منطلقات وطنية تعزز اللحمة الداخلية في مواجهة التطورات الاقليمة والدولية المتسارعة، متمنيا كل تعاون في هذا السياق. وكان رد وفد «الثنائي» واضحا لجهة التعاون في كل ما يخدم الاستقرار الداخلي وبناء المؤسسات وحماية البلد من المخاطر الاسرائيلية، وانتهى اللقاء «بمباركة» مبكرة والتمني له بالنجاح في مهمته. اما كل ما ذكر عن حصول تفاهم حول اعادة الاعمار، والحكومة، ورئيسها، مع تزكية عودة الرئيس ميقاتي، وتوزيع الحقائب، وكيفية التعامل مع ملف الجنوب والخروق الاسرائيلية، والاستراتيجية الدفاعية، فلم تؤكدها مصادر الطرفين، وكان تاكيد على ان اللقاء ركز على الخطوط العامة ولم يدخل في اي تفاصيل محددة، اما الاتفاق الوحيد الذي انجز فهو التفاهم على اعادة اعمار سريعة برعاية الدولة.
«الوطني الحر» اول الخاسرين
في هذا الوقت، يمكن اعتبار «التيار الوطني الحر» اول الخاسرين سياسيا بعدما تمسك بموقفه بعدم انتخاب عون رئيسا، وخاض النائب جبران باسيل حربا خاسرة حتى اللحظات الاخيرة، بعدما «احرقت المراكب» مع اليرزة دون ان يتم حفظ خط الرجعة، واعلن خلال الجلسة ان الاملاءات الخارجية واضحة، رافضا الاعتداء على الدستور، متمسكا بموقفه المعارض لوصول قائد الجيش الى بعبدا. لكنه وجد نفسه وحيدا في مواجهة مد داخلي وخارجي لا يمكن وقفه، ولم يتمكن من استدراك الموقف اقله لتقليل الخسائر.
«القوات» والحسابات الخاطئة
واذا كان النائب السابق وليد جنبلاط اول من التقط «التعليمة» الخارجية واطلق حملة ترشيح الرئيس عون، ولحق به معظم النواب السنة، ومعظم النواب «التغييريين»، فان الخاسر الثاني، الذي يعيش حالة من الانكار، وحسبها «غلط»، برأي مصادر مطلعة، رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يحاول الادعاء انه «ام الصبي» في وصول القائد الى قصر بعبدا، مع العلم ان «معراب» كانت وراء الترويج لفكرة «تطيير» الجلسة في سياق تحضير الارضية لاعلان جعجع ترشيح نفسه للرئاسة او يكون صانعا رئيسيا للرئيس الجديد، لانه يعتقد ان صلاحية ترشيح عون انتهت، فهو كان منطقيا قبل الحرب الاسرائيلية، واضعاف حزب الله، وسقوط النظام السوري، والتطورات المنتظرة التي تشير الى ضربة لايران، والان حان الوقت لرئيس «سيادي» لا «وسطي»، لكنه لم يلق التجاوب السعودي المطلوب وتم ابلاغ مبعوثه النائب بيار بوعاصي ان الظروف غير ملائمة لهذا الترشيح، كما لم يتعامل الاميركيون بجدية مع هذا الطرح، فاقترح حينئذ ان تمر الرئاسة «بمعراب» طارحا اسمين من خارج الاسماء المتداولة، فجاء الجواب سلبيا، وحضر الموفد السعودي يزيد بن فرحان، ولم يمنح «الحكيم» حق المناقشة وابلغه ان عون هو مرشح المملكة والقوى الدولية «ونقطة على السطر»، وهكذا كان..!
خطاب قسم طموح… وعودة ميقاتي
واذا كانت الاستشارات النيابية ستنطلق الاسبوع المقبل، رجحت مصادر مطلعة اعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة «كفاءات»، فان الرئيس لم يمكث في القصر ليلة امس، واختار العودة الى منزله، على ان تبدأ مواعيده الرسمية في بعبدا عند ال9 والنصف صباح اليوم. وكان قائد الجيش انتخب رئيساً للجمهورية بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعدما حصل على 99 صوتًا. وعقب تلاوته يمين القسم، ألقى عون كلمة توجّه فيها للشعب اللبناني وللمسؤولين اللبنانيين، تعهد فيها بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وضبط الحدود وفرض الأمن على الأراضي اللبنانية كافة. وأشار عون إلى «أننا سنستثمر في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً ومحاربة الإرهاب وتطبيق القرارات الدولية ومنع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان»، مؤكدا أهمية «تفعيل عمل القوى الأمنية كأداة أساسية لحفظ الأمن وتطبيق القوانين.
استراتيجية دفاعية وردع العدوان
وفيما أكد أننا «سنناقش استراتيجية دفاعية كاملة على المستويات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه»، تعهّد بالعمل «على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح. وأكد عون أن عهده سيكون مسؤولاً عن إعادة إعمار ما دمّره العدو في الجنوب والضاحية والبقاع وفي كل أنحاء لبنان، مشدداً على أن «شهداؤنا هم روح عزيمتنا وأسرانا هم أمانة في أعناقنا. وقال إنه «إذا أردنا أن نبني وطناً فإنه علينا أن نكون جميعاً تحت سقف القانون»، ورفض التدخل في القضاء مشيراً إلى أنه «لن يكون هناك حصانات لمجرم أو فاسد ولا وجود للمافيات ولتهريب المخدرات وتبييض الأموال. كذلك، رفض رئيس الجمهورية المُنتخب «توطين الفلسطينيين»، مؤكداً «عزمنا على تولي أمن المخيمات، وسنمارس سياسة الحياد الإيجابي ولن نصدّر للدول إلا أفضل المنتوجات والصناعات ونستقطب السياح، ودعا «لبدء حوار جدي وندّي مع الدولة السورية لمناقشة جميع العلاقات والملفات العالقة بيننا، لا سيما ملف المفقودين والنازحين السوريين. وكان النواب قد فشلوا في انتخاب عون رئيساً للجمهورية في الدورة الأولى إثر حصوله على 71 صوتاً، فيما تم التصويت بـ37 ورقة بيضاء، و2 لشبلي الملاط، و14 لـ «سيادة الدستور»، و4 ملغاة.