الميلاد في ألمانيا 2 : نوريمبرغ وجولة الفرح والتخوفات (هدى سويد)
هدى سويد ـ ألمانيا
تتقاطع أسواق الميلاد الألمانية في “بافييرا” مئات الكيلومترات كما أشرت آنفا . نستكمل الرحلة بعدما عرجنا على “أولم” ووسطها التاريخي ـ الاحتفال ومقصد السياح ، بينما يعتبرخارجها مدينة ككل المدن الكبرى، شاهقة بمبانيها، محلاتها المتنوعة كما ونوعا، مراكزها التجارية . اللغة الألمانية تسيطر على الكلام وان تجاوبت مع بعض مفردات لغات السياح الأخرى مما ينقذ عجز الحوار.
في زاوية مطعم تركي، أو مسلسل تركي كما طرأ تسميته على البال (ربما نظرا لانتشار المسلسلات هذه حتى في إيطاليا ) يعج بمحبي الشاورما والبقلاوة، وهذا مشهد يتكرر في إلمانيا نظرا للوجود التركي والكردي الكثيف الذي تلمسه في جميع المرافق حتى في الفنادق ، مقابله يركن حي الصيادين القديم الذي لم يبق منه سوى الاسم ، لتحل محله المطاعم والمحال على أنواعها، من حرفية وما شابه ، بينما تنتشر على مدخل المدينة صالات عرض سيارات “الفولسفاكن” التي تخطف بجمالها الأنظار .
تحملك الأيام المتتالية لزيارة ما تبقّى من الطريق الرومانطيقية وعلى رأسها نوريمبورغ، ثم أبرزها روثنبورغ وأوغوستا .
ولعل نوريمبورغ (13.000نسمة وحوالي 186كم مربعا) التي تعتبر المركز الاقتصادي والثقافي للمنطقة، الواقعة فوق نهر “توبر” شمالي “بافييرا” والبعيدة عن موناكو بحوالي 288 كلم ،هي جوهرة المدن الميلادية الأخرى، تدهشك منذ دخولك إليها من إحدى بواباتها ال42 التي تعلوها الأبراج ، نحو مساحة تعود للقرون الوسطى، خارجة بكل ما فيها عن الزمن والحاضر، ببلاط شوارعها الرمادية الداكنة ، بيوتها الملونة القرميدية التي تزين واجهاتها قطع خشبية بشكل فني لعلها أبرز ما يميز هذه الهندسة أي فن القرون الوسطى .
مدينة حيّة ترغب بالحياة ، تصطف المباني بارتفاعات سواسية ،المصطفة والملاصقة لبعضها البعض سواء السكنيّة والسياحيّة الفندقيّة الكثيفة المتضمنة بيوت الضيافة،تعلو مداخلها رموز الميلاد من أجراس ونجوم مميزة بحرفية الحديد، تتمنى عند رؤيتك لها الانتقال من فندقك الحديث، وان كان بأربع نجوم، إلى رحاب أحدها الذي يشدك بسحر بنائه الشبيه بخرافات الأطفال.. هذا إضافة للمطاعم التي استرحنا في إحداها على الأقل طلبا للدفء وتذوق “السترودل”، لتدعوك محال حلوياتها ومعجناتها من جديد مع استمرار المشي المديد إلى رشف كوب قهوة أو شاي إلى جانب تناول قطعة من حلوياتها الضخمة التي تزين واجهاتها .
كأن الشوارع لا نهاية لها،لذا تعتبر من بين أكبر مناطق المشاة في أوروبا. توقفك أكواخ الميلاد في ساحاتها التي تعج بالمأكولات وشي المقانق ،البيرة والنبيذ الساخن ، محلات معجناتها المشهورة بخبزها وحلوياتها المعجونة بالفلفل والبهارات، وللصدق أن الخبز الإلماني العادي إنما هو من أطيب الخبز في أوروبا وإن اشتهر الفرنسيون ب”الباغيت” !
توقفك هدايا ورموز(أبرزها الجندي أو كسارة الجوز جالب الحظ)، شجرة الميلاد المرتفعة الأسعار نظرا لفنها الحرفي. هذه الرموز هي سر مقصد الرحلات، إلا أن أبرز أماكنها هو متحفها الرائع الذي ابتكرته سيدة عام 1977 ، كما تم افتتاح متحف آخر في اليابان لإعجاب اليابانيين به وبالمدينة التي يقصدونها سنويا بأعداد كثيرة، ولعل الصورة الفيديو هي خير من ينقل المتحف وتفاصيله وفيه يتبضع السائح بشكل أفضل ويعود لتزيين شجرته قبيل العيد (في إيطاليا تتم الزينة والأضواء في الثامن من شهر ديسمبرعيد وعقيدة الحبل بلا دنس تكرست عام 1854 بواسطة البابا بيو التاسع).. محلات مجوهرات أنيقة وملابس تعكس بأزيائها وحجمها البرد وقامات الإلمان وان كان السائح يجد مبتغاه .
يبقى القول إنها مدينة تتوسطها كاتدرائية السيدة التي تعود للقرن الخامس عشر، وفيها لوحة العشاء الأخير(1523) للالماني ألبريخت دورر1471ـ1528(ممنوع التصوير)، إضافة لنافورتها بأشكال أشخاصها التي تعكس نفس المرحلة التاريخية ، إلا أن لطخة عار بقيت على جبينها لأنها كانت مقرا للنازيين .
لا يتسع الحديث لما تبقى ، أود القول أنني لم أشهد حشدا من الأجساد المتلاصقة كالحشود التي لمستها خلال هذه الرحلة تحديدا في وسط مدينة روثنبورغ (12.000نسمة ومساحة 41 كم مربع تقريبا) المشهورة بقصرها الأحمر، ولم أشهد تخوفا كما شهدته قبل الوصول إلى أسواقها وبعده ، حيث تم تقسيم ساحتها القديمة إلى عشرات الممرات المتوازية ذات اتجاهين في كل ممر من ممراتها،حيث يسعى السياح للمرور بصعوبة ذهابا وإيابا، لكن من دون مشاكل، بل متوقفين عند أكواخها التي تشارك فيها دول أخرى بمناسبة الأعياد، يُضاف إلى ذلك قامات الإلمان التي تحجب رؤيتك ومتابعتك لمن سبقوك من الرفاق في عجلة الجولة والخروج من الممرات ، وهذا ما حصل بالفعل ، لكن عندما تخرج تشعر بخروج المنتصر وان لم يتسن لك التبضع ، خاصة بعد سماعك في اليوم التالي ما حصل من هجمة في أسواق “ماغد يمبورغ”(عملية الدهس) وإن كان ما رأيته في المدن الرومانطيقية جدد اللمعان في المقلتين .