الميلاد في ألمانيا.. والأسواق الفريدة أوروبيا 1(هدى سويد)
نوريمبورغا و"الطريق الرومانطيقية" الساحرة :جولة الشعور بالفرح والتخوفات.
هدى سويد ـ ألمانيا
لم يخطر على بالي يوما وتحديدا في هذه الظروف أن أختار ألمانيا أولا وأسواق الميلاد ثانيا كرحلة لي ،إلاّ أنه بعد أن تعذر عليّ إيجاد رحلة نحو بلدي لبنان، وجدتني من جهة أرغب الخروج من إيطاليا مع اقتراب أعياد الميلاد ومن جهة أخرى وجدتني أميل إليها (رغم اقتراحات سفر أخرى) لخاصيتها وما يُحكى عن أسواقها الفريدة هذه .
أنا التي أعيش في إيطاليا لم يتسن لي يوما سوى رؤية المحليّ وكذلك في بعض المدن الأوروبية أو أميركا اللاتينية،من دون انبهار يُروى عنه، لكن ألمانيا شدتني هذه المرة بعد ابتعادي عنها دون إدراجها يوما في قائمة رحلاتي أو أن تخطر على بالي من قبل، وفي الحقيقة لا أدري إن كان السبب له علاقة بهتلر مثلا (وإن كان لدي هنا في إيطاليا موسوليني) أو بسبب بردها القارس أو لأنني أجد السياح الألمان هنا بكثرة في إيطاليا أو إسبانيا يختارون السياحة بل السكن أيضا بعيدا عن بلادهم بسبب غياب الشمس كما تأكدت أكثر بزيارتي لها.
توجهت برا على مدى 11 ساعة تقريبا نحو الطريق الرومانطيقية، سالكة إيطاليا مرورا بالحدود السويسرية والنمساوية،حيث تتغير اللغة والطعام كما الأسعار ودرجة الحرارة ، ولا بد من القول إن معالم النظافة تتغير أيضا نحو الأفضل، تساهم أدوار شتّى فيها كالأنظمة ورؤيتها السياحيّة والصحيّة والضريبيّة وان كانت الضرائب مرتفعة في إيطاليا .
وكي لا تحزن إيطاليا فلنقل أنه مع خروجك من حدودها ، تلمس أبرز المتغيرات اللمّاعة، وان كانت عبارة عن دفع سنتيمات تصل لليورو الواحد، باستخدامك للخدمات الصحيّة المنتشرة على الطرقات الدوليّة والداخليّة، بينما هذا الاستخدام هو مجانا في إيطاليا إجمالا ، وبالتالي فإن التعريفة البسيطة إلى جانب السلوك والقيم والعقلية وما أشرت إليه، كفيلة في رد الفعل المباشر وتحويل واجهة البلد إلى لمّاعة .
الطريق الرومانطيقية (تقع في بافييرا) إنما هي طريق دولية لا خصوصية جمالية لها، وإنما سميت كذلك لما يتفرع منها من مدن وقرى رومانطيقية تبلغ مساحتها 350 كلم.
تلعب المناطق القروية السويسرية المحاذية للطريق الدوليّة دورا في سفر عينيك نحو الماشية وبيوت القرويين البسيطة القرميدية الجميلة. جبال الألب وأشجارها الشبيهة بأشجار الميلاد التي لا يزينها سوى الثلج، وفي نهاية المطاف محطة توقف قبالة قرية مانيفيلد جزء لا يتجزأ من كانتون غروبوندن ، موطن وسيرة الكاتبة السويسرية هايدي وما كتبته من أبرع قصص للأطفال.
تتفرع مدن وقرى تعود للقرون الوسطى تبدأ الكشف عن خصائصها الشبيهة المتكررة كصفحات كتاب أوحكايا الأطفال الخرافيّة بألوانها. هندسة بيوتها المتكئة كل على كتف الآخر، يفصل ما بينها زواريب هابطة وصاعدة، ساحات ودرجة الحرارة المنخفضة التي تتراوح ما بين الأربع والسبع درجات ما تحت الصفر، منذ أن تطأ القدم أولها ، أي مدينة “أولم” الواقعة على نهر الدانوب الأزرق وان كان الشتاء الرمادي هنا يدعو لتغييرالصفة ـ 128928 نسمة ومساحة 118 كم مربع تقريبا ـ حيث ولد ألبرت أنشتاين وعاش فيها مدة لا تزيد عن 15 شهرا، يسعى الالمان منذ زمن لتجهيز متحف باسمه دون تحقيق أمنيتهم، وان كانت الحرب هدمت بيت النشأة. ولعل نصيب المتحف كما تقول المرشدة السياحية سيكون كمشروع الراحلة ميركيل بتحويل ألمانيا الى خضراء عام 2030 .
يبدأ العيد هنا في الساحة الرئيسية حيث كاتدرائية المدينة غوتيكية الهندسة التي تعتبر الثانية في المانيا حجما وطولا بعد كولونيا، ويقال أن أول شجرة ميلاد تعود للمدينة تاريخيا التي تعتمد زينتها على أشكال الفواكه .
تمتد أكواخ الأعياد في “أولم” على شكلها الدائري تتوسطها طاولات مرتفعة يتجمع حولها الزائرون لتناول المقانق (لحم الخنزير) والنبيذ الساخن . هذا المشهد تراه في جميع الأوقات منذ الصباح ولغاية المساء سواء الألمان والزائرين السياح ، او يتمشون وبأيديهم سندويش المقانق وكوب النبيذ ، لذا أول ما يشمه الأنف في هذه الأسواق رائحة المقانق المشوية والمقلية وكأن الالمان لا يأكلون سواه .
الأكواخ تتوزع فيها الهدايا والتذكارات من جلديات ، قبعات وشالات. الحرفيون والطباخون وبائعو الحلوى التي تنتشر بصورة كبيرة وبأحجامها الضخمة وكل ما فيه الدسم لمحاربة البرد .
أنتقي الأقل دسما، ربما عندما وجدت ما يشبه رأس العبد في بلادي والتهمته كمن يلتهم الوطن بأكمله.
(يتبع)