المنطلقات والثوابت في ظل المتغيرات الداخلية والإقليمية(خالد حدادة)
كتب خالد حدادة* – الحوارنيوز
بعد عام ٢٠٠٦،وفي توضيح لموقفنا حينها، قلت أن علاقتنا مع حزب الله،تنطلق من معادلة (تقاطع دون التحاق،واختلاف دون صدام)، وكان واضحا هنا ان التقاطع مجاله مقاومة العدو الصهيوني،أي وظيفة المقاومة، والاختلاف ميدانه السياسة الداخلية،أي البنية الطائفية..
وفي الموقف من “طوفان الأقصى”، أوضحت ان الموقف لا يحدده الانتماء الأيديولوجي لأي حركة سياسية،اسلامية،قومية أو يسارية،بل موقفها من ثابتين:
الأول، قضية فلسطين،والمشروع الأميركي-الصهيوني في المنطقة.
الثاني، هو الموقف من الأنظمة العربية، وبالتالي الانحياز الكامل للتغيير الديمقراطي ولاقتصاد اشتراكي، وللتصدي للفساد والظلم.
الأساس هنا تأكيدي، على العلاقة الجدلية (وليس التراتبية)، بين الثابتين. اذ لا يمكن وضع مهمة التغيير في الثلاجة بانتظار التحرير، وأيضا العكس،تأجيل المقاومة بانتظار تغيير الأنظمة.
هي علاقة جدلية بين المعيارين، اذ لا يمكن لأنظمة الرأسمالية الفساد (والطائفية) أن تكون جزءا من عملية التحرير أو داعمة لها، بل هي دوما في موقع التآمر عليها والمساومة على حسابها.
ولا يمكن، تغيير الأنظمة بدون رؤية مقاومة، اذ أن الانتظار يعكس سياسة خضوع (مباشر أو غير مباشر)، للمشروع الأميركي-الصهيوني، وانتصار العدو في مشروعه للشرق الأوسط،يترك قضية التحرير عبأ على أجيالا القادمة،عوض أن تكون مقاومتنا ممهدا لأنتصارها.
بعد، تحديد المعايير والثوابت، لا بد من تحديد القضايا الأساسية التي يواجهها، عالمنا العربي.
وبسرعة أؤكد على مفهوم “العالم العربي”، الذي اخترع له الغرب،مفهوما بديلا هو الشرق الأوسط وأحيانا الأدنى، لمحو المفهوم الأول.وهذا ليس فذلكة لغوية، بل توجيه لمحو مفاهيم شكلت أساس تحديد،الاطار الجيو سياسي، لقضايانا.
طبعا هذه القضاايا ليست حصرية.هنالك قضايا أخرى عامة، وقضايا خاصة، تعود للبنية الديموغرافية في بعضها، ولأكثر من قرن غلبت فيه التجزئة والسيطرة الامبريالية من جهة أخرى،وتحديدا بعد سايكس-بيكو.
القضية الأولى(ليس بالأهمية، بل للحاجة الدراسية)، هي قضية مصير “العالم العربي”، موحدا أو مجزءا، في ظل شعار الشرق الأوسط الجديد، الذي على حساب سايكس-بيكو المنهار،وعلى حساب مشروع (او مشاريع التحرر الوطني،المأزومة والمهزومة)، حقق نجاحات كارثية هذه السنة والسنوات الماضية.
هل سنحتمي،بسايكس-بيكو، خوفا من الأسوأ، أو ستطرح مشروعا يتجاوز الاثنين، باتجاه فك التبعية والتحرر الوطني، بأبعاد عربية واضحة.وهنا طبعا اطار برنامجي،غير محصور بالوحدات الاندماجية أو الحفاظ على الراهن،مترافقا مع أطر نضالية وحدوية.
القضية الثانية،هي قضية فلسطين، العدو الصهيوني،رأس حربة المشروع الامبريالي،بصيغته القديمة واليوم.بالنسخة الأوروبية الراحلة، وبنسخته الاميركية المتقدمة اليوم.
واذا كانت “اسرائيل”، رأس حربة المشروع المعادي، فحتما، لا يمكن لأي مشروع عربي تحرري، الا اعتماد، قضية فلسطين محور في نضالنا من أجل الاستقلال والتحرر والتقدم.وأيضا معيارا للفرز بين مصلحة شعوبنا وفقراء عالمنا بتحرير فلسطين،وبين مشروع الرأسمالية العربية والرجعيات بالتطبيع وتنصيب العدو قائدا للمنطقة.
القضية الثالثة، هي حتما النظام الاقتصادي الاجتماعي،الذي كان ويبقى أحد محاور الفرز في القضية الوطنية نفسها.
قضية رابعة امام اليسار هي التعامل مع الراهن من في فلسطين ولبنان وسوريا.وهنا لا بد من تسجيل صريح لبعض الوقائع :
ان قوى المقاومة، تعرضت لهزيمة مؤقتة يخفف من سلبيتها مستوى التضحيات والصمود، يجب ان تدفعها النقاش صريح،لامكاناتها وأسلوبها واستقلالية مشروعها، كأساس لإعادة تكوين مشروع الخروج من واقع الأزمة وبلورة مشروع جديد للمقاومة،أكثر وضوحا،وأكثر تنوعا،في بنيته وتحالفاته.
ولا بد من ما جرى في سوريا، والذي أكد فيما أكده،الطبيعة المساومة للأنظمة،التي أصبحت استمراريتها أهم بالنسبة لها من مصير الشعب والوطن.وما تطرحه تطورات سوريا أيضا لا بد ان يحدث فيها (والأرجح في لبنان وفلسطين والأردن والعراق…)، تداعيات على مستوى المستقبل وافاقه، وطبيعة القوى المسيطرة وتحالفاتها الاقليمية وهل ستبقى واحدة أو أن سيلا جديدا من الدماء استشهدت شعوبنا.
القضية الخامسة(وليست الأخيرة)، أما وقد تبين أن أطراف “المحور”، بنت وتبني علاقاتها على أساس المصالح المباشرة لأنظمتها (وليس لشعوبها)، فكيف نستبدل العلاقة مع محور مكون من هذه الأنظمة،رتطوير العلاقة المباشرة مع الشعوب وقواها التحررية ،المواجهة الامبريالية في بلدانها وعلى مستوى التضامن العالمي.هذا لا يعني قطع العلاقة مع الدول التي تتقاطع معها قضيتنا ولو مؤقتا،بل يعني عدم الاعتماد المفرط عليها وعلى دعمها.
يتبع.
*الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني.