إقتصادمصارف

مصرف لبنان على قياس النظام ..(عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

يحكم لبنان اليوم مجلس وزراء وليس القانون . ففي لبنان مجلس وزراء له صلاحيات تنفيذية مطلقة يستطيع ان يصدر اي قرار دون وجود قانون يحمي عدم الغلو في عمله . فله ان يعيّن من يشاء ، يفصل من يشاء ، يتعاقد مع من يشاء ، يلزم الصفقات لمن يشاء ، يوزع المغانم على من يشاء ، يعفي من الضرائب والرسوم من يشاء . وفي نظام طائفي كالنظام اللبناني لا بد لكل المؤسسات المرتبطة به ان تكون على شاكلته، ومنها مصرف لبنان والمجلس المركزي الذي يقوم بتسيير هذا المرفق .

في لبنان ووفقا لقانون النقد والتسليف يتألف المجلس المركزي وبحسب المادة 28 ،من الحاكم رئيسا ، نواب الحاكم الاربعة ، مدير عام وزارة المالية ، مدير عام وزارة الاقتصاد الوطني . ويظهر من هذا التعيين الذي يتم كله بقرار عن مجلس الوزراء بأن التوزيعة الطائفية والحزبية يتم أخذها في الاعتبار عند تعيين هذا المجلس .

أما بخصوص مهام هذا المجلس، فوفقا للمادة 33 فإن المجلس ، ضمن نطاق الصلاحيات المعطاة للمصرف بمقتضى هذا القانون ، يتمتع خاصة بالصلاحيات التالية ، دون ان يكون لهذا التعداد طابع حصري :

– يحدد سياسة المصرف النقدية والتسليفية ، ويضع انظمة تطبيق هذا القانون على ضوء الاوضاع الاقتصادية بعض السياسات النقدية ومنها  معدل الحسم ومعدل فوائد تسليفات المصرف.

 – يتذاكر في جميع التدابير المتعلقة بالمصارف  وفي انشاء غرف المقاصة وتنظيمها ، ويتذاكر في الامور المتعلقة بالاصدار ، ويتذاكر في طلبات القروض المقدمة من القطاع العام ، ويضع سائر الانظمة المتعلقة بعمليات المصرف ، ويتذاكر في الشؤون المتعلقة بعقارات المصرف، او بحقوقه العقارية، كما يتذاكر في رفع الحجوزات العقارية او الاعتراضات او التأمينات العقارية وفي التنازل عن الامتيازات او الحقوق وفي مشاريع التحكيمات والمصالحات المتعلقة بمصالح المصرف .

 – يضع النظام الخاص المتعلق بالحاكم وبنائبي الحاكم المنصوص عليه في المادة 22 والنظام العام لموظفي المصرف ، ويعين موظفي المصرف وفق نظام القانون الخاص، الا انه يحظر عليهم الانضمام الى الاحزاب السياسية والجمع بين العمل في المصرف والوظائف الانتخابية النيابية والبلدية والاختيارية، كما يحظر عليهم تولي مركز اعضاء مجالس الادارة في الشركات ، يمنع دفع أي اجر او اية مخصصات باي شكل من اشكال العمولة او المخصصات النسبية على اساس مداخيل المصرف او ارباحه .

– يقر المجلس موازنة نفقات المصرف ويدخل عليها، خلال السنة، التعديلات اللازمة ، يقطع ايضا حسابات السنة المالية ، ويوافق على مشروع التقرير السنوي الذي على الحاكم توجيهه الى وزير المالية وفقا لاحكام المادة 117.

وفقا” لهذه المادة فإن المجلس المركزي له صلاحيات مطلقة في المصرف المركزي، وبالتالي لا شيء يقيده وفقا لهذا القانون ، مع احتفاظ الحكومة من خلال المادة 41 و 42 بوظيفة مفوض حكومة لديه يقوم بأعمال الرقابة على أعمال المجلس،من دون حق التدخل بسير العمل . ويستطيع هذا المفوض رفع تقارير لوزارة المالية والتي يمكن بدورها رفعها الى مجلس الوزراء للبت بها دون حق فرض اي تعديل بها على المجلس المركزي .

بهذه الصلاحيات المطلقة للمجلس المركزي يصبح صورة مصغرة عن مجلس وزراء لبنان، بحيث يستطيع ان يفعل اي شيء في مصرف لبنان، وهذا ما فعله خلال أكثر من ثلاثين عاما من تعيين الموظفين ، الهندسات المالية ، تمويل الدولة ، أعطاء القروض للمصارف بدون فوائد ، قروض الدعم للمؤسسات وحتى للأفراد ، تشكيل اللجان الاستشارية ، تثبيت سعر الصرف ، انشاء منصة صيرفة ، دعم السلع . وكل هذه القرارات هي قرارات جرى تبنيها من قبل مجلس الوزراء المالي وبتغطية من مجلس الوزراء السياسي ، فكما كان التحاصص يجري بشكل طبيعي في مجلس الوزراء السياسي ، كان يحصل شبيه له، لكن كارثي في مجلس الوزراء المالي .

تتفاقم المشكلة عندما نرى انه حتى لجنة الرقابة على المصارف ، هيئة التحقيق الخاصة ، والهيئة المصرفية العليا ، كلها يتم تشكيلها وفق نفس القاعدة ، وهذه الهيئات والتي من المفترض ان تكون مستقلة في تعيينها وفي عملها، نراها وفقا لقانون النقد والتسليف تعمل وفق سياسة مرسومة لها من قبل المجلس المركزي من جهة ، ووفق نفس الخطة الموضوعة لها من قبل مجلس الوزراء .

ان وضع ضوابط على عمل المصرف المركزي أصبح ضرورة للتأكيد على عدم استخدام بعض الطموحات الشخصية او تأثير لبعض الاطراف الخارجيين او الداخليين على عمل هذا المصرف، ومن هذه الضوابط :

-     ما ورد في المادة 76 بإمكانية الطلب من المصارف ان تودع لديه ودائع ودون تحديد سقف لهذه الودائع .

-     ما ورد في المادة 79 بأنه يمكن للمصرف المركزي ان يعمل ايضا على التأثير في اوضاع التسليف العامة، وذلك بتحديد حجم التسليف من انواع معينة او الممنوح لأغراض معينة او لقطاعات معينة، وبتنظيم شروط هذا التسليف ودون حدود .

-     ما ورد في المادة 91 والتي تسمح وفي ظروف استثنائية ان يقوم المصرف المركزي بإقراض الدولة دون سقوف ودون شروط ودون حدود واضحة، وليس كما تم ذكره في المادة 94 ، اي لا يمكن ان تمنح القروض المشار اليها بالمادتين 91و 92 لمدة اطول من عشر سنوات والتي اساسا لم يتم الالتزام بها .

-     العمل على وضع حدود للقروض الممكن اعطاؤها للمصارف التجارية وفق ما نصت عليه المادة 99  .

-     تعديل المادة 110 والتي تسمح للمصرف ببيع وشراء العقارات من دون ضوابط في عملية البيع والشراء، وبالتالي الغاء انجاز هذه العمليات بالتراضي ، ووضع حدود قصوى لنسب مساهمة المصرف المركزي في اي شركة او هيئة عامة بحيث لا تتجاوز  عشرة بالمئة من رأسمال هذه الشركات او الهيئات .

أما بالنسبة لهيئات الرقابة في المصرف المركزي وخاصة لجنة الرقابة على المصارف، فمن الخطأ ان يكون تكوين هذه اللجنة من موظفين سابقين لدى المصارف ، خاصة في مراكز قيادية وتنفيذية لدى هذه المصارف ، ولا يجوز تعيين أعضاء بتوصية من جمعية المصارف ، ولا بد من وضع شروط ونظام خاص بالتعيين في هذه الوظائف تراعي الكفاءة ، العدالة ، والبعد عن المحسوبيات . كما يجب ان تكون علاقة هذه اللجنة مباشرة بالمجلس المركزي ومفوض الحكومة لدى المصرف المركزي .

بالنسبة لهيئة التحقيق الخاصة والتي تم انشاؤها وفق القانون 318 لعام 2001 والمتعلقة بمكافحة تبييض الأموال، فلا بد ان تكون مستقلة ايضا عن مصرف لبنان، على اعتبار انها يمكن ان تتناول أعمالا خاصة بكل الموظفين أيضا لدى المصرف المركزي، فكيف يمكن لمن يمكن ان يكون خاضعا للرقابة ان يكون حكما في نفس الوقت ، وخاصة الحاكم ونوابه .

وأخيرا الهيئة المصرفية العليا والتي من المفترض ان تنظر في مخالفات وارتكابات المصارف واتخاذ الاجراءات المناسبة ، هذه الهيئة يتم تعيينها وفقا للقانون 67/28 من خمسة أعضاء، ولا يوجد اي نظام خاص بتعيينها، وانما وفقا لقرارات استنسابية عن حاكم مصرف لبنان ومجلس الوزراء ما يجعلها خاضعة لرغبات الحاكم ومجلس الوزراء .

لقد طالعتنا بعض الصحف بمشروع تعديل لبعض بنود قانون النقد والتسليف من قبل مجلس الوزراء ، وهذه التعديلات المقترحة هي مجرد اجراءات لا تعكس الحاجة الضرورية لحماية هذا القطاع، وقد شملت وبحسب نصّ قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 كانون الأول 2024،  إعادة النظر في قانون النقد والتسليف من دون المساس بالهيكلية الأساسية التي تمنح مصرف لبنان صلاحيات واستقلالية وضمانات لكي يمارس مهامه في إطار قواعد الحوكمة والشفافية، وتم تحديد نطاق وإطار التعديلات المنشودة على الشكل الآتي:

تعزيز الشفافية والاستقلالية والمراقبة في المصرف المركزي ، تعزيز الحوكمة في مهام الحاكم والمجلس المركزي، وتوسيع إطار الشفافية لجهة نشر المحاضر والقرارات ،  تعزيز استقلالية المجلس المركزي وصلاحياته ، تعزيز الرقابة على أجهزة المصرف المركزي وتفعيلها ، تشديد الضوابط على تمويل مصرف لبنان للدولة والقطاع العام ، تحديد دور المصرف المركزي في التعامل بالودائع الأجنبية ، تحديد بعض المواد القانونية التي مرّ عليها الزمن».

ومن أبرز التعديلات التي يقترحها المشروع، أن يتم تحديد سعر الصرف القانوني لليرة اللبنانية وفق العرض والطلب في الأسواق، بالإضافة إلى «توضيح» مواصفات تعيين الحاكم ونوابه وشروط التمانع والتضارب، فضلاً عن «التشديد على وجوب تنفيذ قرارات المجلس المركزي ونشر قراراته ومحاضره ضمن حدود القانون».

انطلاقا من كل ما تقدم نرى انه لا يكفي ما ورد في مشروع الحكومة ، ومن الضروري أعادة النظر بكل هذه القوانين لعدم تكرار ظاهرة رياض سلامة في المستقبل ، ولعدم تكرار نفس الاخطاء المصرفية من قبل المصارف التجارية ، ولمزيد من الشفافية في عمل الهيئات والاجهزة وابعادها عن سيطرة الجهات السياسية ، فهل ستقوم الحكومة بتعديل هذه القوانين لخدمة لبنان وخاصة قطاعه المصرفي ولحماية المودعين القدماء والجدد ، أم ان اللعبة الطائفية ستتجدد ولن تسمح بهذه التعديلات انطلاقا من مصالح ضيقة ؟!

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى