سياسةصحف

مقبرة أميركيّة وتدعى الشرق الأوسط(نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

 

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:

 

…لنصل الى هذه النتيجة. الفارق بين المقبرة الأميركية ومقبرة الآخرين، أن الأميركيين يقتلوننا ثم يدفنوننا. الآخرون يدفنوننا، حتى داخل ثيابنا ونحن أحياء. هذا قبل أن ندخل في الحالة اللبنانية. المتاهة اللبنانية…

حتى لا تتحكم بنا الثقافة التوراتية، وهي ثقافة الكراهية، ونحن نحتفي بسقوط بشار الأسد، لأن ما يحدث في المنطقة يتعدانا جميعاً، بمن فيهم قادتنا الأجلاء، الذين ما زالوا يقيمون على تخوم القرن التاسع عشر. ربما على تخوم القرون الوسطى.

نحن عند مفترقات خطيرة. التغيير الذي حصل في سوريا لا يزال غامضاً ومخيفاً. حين تنتقل كهوف تورا بورا من “الجبال البيضاء” شرق أفغانستان الى حدودنا، وحتى الى داخل مدننا وقرانا، ما دمنا على تصدعنا وعلى غرائزيتنا، فيما هناك في مكان ما من هذا العالم، أو في مكان ما من هذا الجحيم، من يعيد تركيب الشرق الأوسط وفقاً للضرورة “الاسرائيلية”، ودون أي اعتبار لأي دولة من دولنا، ولأي شعب من شعوبنا.

نتوقف عند الضجيج الذي يثار حول لجوء بضعة آلاف من السوريين، الذين فروا من المذابح التي تطاول فئات محددة (حتى اغتيال العلماء على غرار ما جرى في العراق). هؤلاء الذين يصرخون الآن، اياهم الذين فتحوا الحدود أمام مليوني نازح، ظناً منهم أنهم مناوئون لبشار الأسد. الآن، نحن أمام قضية انسانية لا أمام قضية سياسية. هناك نظام (اسلامي) جديد في دمشق، وبمفاهيم للإسلام باتت معروفة للقاصي والداني، لتظهر هويته ولتظهر رؤيته السياسية، من خلال الصمت المطبق حيال احتلال “اسرائيل” للجزء السوري من جبل حرمون، وحيث بالإمكان حتى رصد صياح الباعة في سوق الحميدية، واقامة المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، ناهيك عن التدمير الهائل حتى لمطابخ الجيش السوري.

للمرة الأولى تبدو سوريا عارية، عارية تماماً الى هذا الحد. لا ندري اذا كانت بقيادة رجب طيب اردوغان أم بقيادة بنيامين نتنياهو، أم بقيادة الاثنين معاً، ودون أن يعني ذلك الدفاع عن النظام السابق، وقد انتهى الى أقصى حدود الهلهلة، بأجهزة أمنية عرفت بهمجيتها حيال كل من يرفع صوته، أو من يريد أن يشعر بكونه كائناً بشرياً على تلك الأرض.

اياهم الذين يصرخون في وجه النازحين الجدد، كانوا يفاخرون بأن مقهى الـ”هورس شو” في شارع الحمراء كان ملاذا لكل الساسة والعسكريين العرب الفارين من بلادهم. أحد العسكريين عوقب بالسجن المؤبد، بتهمة الاعداد لانقلاب عسكري. التهمة الحقيقية أنه لم يصفق لحاكم الدولة لدى زيارته المعسكر، اذ تمكن من الفرار استقر في بيروت، كونها واحة العرب، ويفترض أن تبقى واحة العرب. الشاعر العراقي بدر شاكر السياب كان يقول “لكأن الهواء هنا هواء الجنة”، ليضيف صاحب “انشودة المطر”: “لعلكم أنتم شعب الله المختار”!

هل يمكن للبناني أن يقفل باب منزله في وجه من يطلب الغوث، لأن ثمة من يلاحقه ولو بالعصا، وقد اعترانا الذهول لتعامل شاشات لبنانية مع الحدث السوري، لكأن جمهورية أفلاطون، لا جمهورية أسامة بن لادن قامت على حدودنا، وينبغي التمثل بها. هل نرى دولة الرئيس عماد الحوت، وهو بالتأكيد شخصية ومتزنة في السراي؟

لنبتعد قليلاً عن لحظة الثأر. ثمة من يتمنع من وسائل الاعلام عن تغطية الارتكابات والاعدامات الفظيعة، التي تحدث في أكثر من منطقة سورية، وان كنا قد لاحظنا أن مسؤولين من الفصائل نفسها تعاملوا وبشكل راق، مع مناطق ذات انتماءات طائفية مختلفة، ويتهمها الفقهاء بالهرطقة والزندقة. في كل الأحوال نأمل أن يدرك الحكام الجدد ما هي دمشق التي تستضيف ضريح أبي نصر الفارابي (قوة العقل)، وضريح محيي الدين بن عربي (قوة الروح).

في مقدمة نشرة الأخبار على احدى القنوات، صرخة مجلجلة خشية تسلل قيادات سياسية أو عسكرية من النظام “المخلوع”، كما وصفه رئيس الحكومة محمد البشير، الى لبنان ما قد يتسبب بأزمة خطيرة مع الحكام الجدد في سوريا. متى نتخلى عن عقدة الخوف. لسنا بالدولة التوتاليتارية، ونظامنا ليس النظام الأفغاني، وان كنا قد عودنا أي سلطة في سوريا أننا الطرف الضعيف، حتى لو تعلق الأمر بحصتنا في مياه العاصي، أو بترسيم حدودنا الشمالية والشرقية، لنتمثل بالرئيس كميل شمعون حين هدده الديكتاتور السوري أديب الشيشكلي بتدمير قصر بيت الدين على رأسه، إذا لم يطلق سراح شخص سوري متهم بجريمة اغتيال. كان جواب الرئيس الراحل بتلك الحركة المعروفة من اصبعه، مع شتيمة “ماركة زحلاوية”.

ابتهجنا من سقوط النظام الذي كان يخيفنا. تصوروا تنصيب ذلك الجلف البشري رستم غزالي حاكماً للبنان، الا إذا كان الخوف استكمالاً لتلك القاعدة الفلسفية (الفضيحة)” قوة لبنان في ضعفه”.

شاهدنا التكشيرة الايديولوجية على وجوه بعض الوزراء الجدد (نريد أن نتعرف على ضحكة وزير الاعلام محمد العمر). لم يعد محمد الماغوط هناك ليقول “لقد نسيت دمشق كيف تضحك”. على أمل ألا تقول، وهي مدينة الياسمين، “لا ياسمين يكفي لكل تلك القبور”. لكأن الأزهار في العالم العربي خلقت فقط لتوضع على القبور. دول هي مقابر للأحياء. هكذا قال الفقهاء اننا نولد في القبور، ونموت في القبور، والا كيف للآخرين أن يعيدوا بجثثنا تشكيل الشرق الأوسط؟؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى