رأي

هل انتصر لبنان؟(حيدر شومان)

 

 بقلم حيدر شومان – الحوارنيوز

 

 

تعمقت خلافات اللبنانيين بعد اتفاق وقف إطلاق النار كما كان عليه الخلاف أثناء العدوان، عند من رفض جبهة إسناد غزة ودخول لبنان في الحرب، وبين من اعتبر أن القضية الفلسطينية يجب ألا يترك شعبها وحده، ليكون العنوان الرئيس: هل انتصر حزب الله وهُزمت إسرائيل، أم هزم الحزب وانتصرت إسرائيل. ولكل من الفريقين الدلائل والنقاشات التي غالباً ما تكون انفعالية مرتفعة تحركها العواطف ويقويها الوجدان.

أنصار المقاومة يعتبرون أن إسرائيل هزمت لأنها لم تحقق أهدافها المعلنة والمستترة في لبنان. فمستوطنوها لم يعودوا بالقوة، ولم تستطع القضاء على حزب الله، أفراداً وعتاداً، بل بقي يقاوم ويؤلم إسرائيل حتى الرمق الأخير، سواءً في المعارك البرية التي كبّدت العدو خسائر فادحة، أو الصواريخ والمسيرات التي وصلت إلى تل أبيب، وأدخلت الرعب في حياة المستوطنين التي طالما كانت آمنة مستقرة. لذا فإن نصر حزب الله والمقاومة ليس إلا نصراً كبيراً للبنان واللبنانيين.

الطرف الآخر يعتبر أن حزب الله لم يستطع الحفاظ على إسناد غزة وسقط هذا الإسناد بالقوة العسكرية الإسرائيلية، وهو المنطلق الأساس في اندلاع الحرب بين الطرفين. كما أن حزب الله أُجبر على التراجع إلى ما بعد الليطاني، ومُنع جواً وبراً وبحراً من العمل مستقبلاً على إعادة تسليحه واستعادة قوته، ما يعني أنها فترة مجيدة للبنان الذي سوف يتمتع بالسيادة الحقيقية أخيراً ومنع أي سلاح آخر غير سلاح  الدولة من البروز على الساحة المدنية الكاملة. وإن حدث أي تحرك مشبوه فإن على الجيش الإسرائيلي أن يتصرف بضربه في أي بقعة من لبنان. إن القضاء على حزب الله العسكري ولو من عدو متغطرس ليس إلا نصراً كبيراً للبنان واللبنانيين.

لقد انتصر لبنان واللبنانيون في كلتا الحالتين المتناقضتين في سردية كل من الطرفين، واحتفل كل منهما على طريقته، وهذا هو واقع اللبنانيين في كل مناسبة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو رياضية أو…. فالخلاف في الرأي هو السائد دوماً.

لكنّ هناك أمراً معيباً لا بد من الوقوف عنده في هذه العجالة، وهو حالة التشفي التي سيطرت على خطاب خصوم المقاومة (ولا نقول أعداءها) عند كل مفترق يرون فيه للعدو تقدماً، وإنكار أي إنجاز للمقاومة ولو كان واضحاً صريحاً. لقد كانت الشماتة علامة بارزة عند تعرض المقاومة لأي اهتزاز، وخصوصاً ما حدث في منتصف أيلول وما تلاه، ولم نجد التعاطف عند استعادة قوتها. مثل هذا الشواذ لا تجده في وطن يجتمع فيه مواطنوه ضد عدوهم الذي يجب أن يكون مشتركاً، خصوصاً عندما يبتلى الوطن بحرب ضروس من عدو متوحش قاتل. لقد كان الأمر أشبه بانحياز بعض اللبنانيين  ضد إخوتهم لصالح الكيان الصهيوني، وهذا الانحياز تجلى واضحاً منذ بدء العدوان ولما ينته إلى الآن. فالكثير يعتبر أن حزب الله قد انتهى دوره في المرحلة القادمة، إلا في دور له محدود في السياسة وتوابعها، وعليه أن يراجع أوراقه السابقة والرضوخ للسياسة اللبنانية العامة ووقف حالة الاستعلاء والتعالي التي كان عليها قبل هزيمته الأخيرة.

لا يمكن للبنان أن ينتصر إذا ما كان أهله ومواطنوه متفرقين مشتتين عند كل مفترق طريق أياً كانت طبيعته، وخصوصاً في توجه الخطاب نحو عدو واضحة معالمه الإجرامية التي بدأت منذ نشأة كيانه، والتعامل مع تحركه بما يفيد فريقاً لبنانياً ضد فريق آخر لبناني خصوصاً عندما يسقط شهداء وجرحى ويقع التدمير والخراب في ممتلكات للبنانيين. لن ينتصر لبنان إن لم يتحد مواطنوه وخصوصاً في المصائب والحروب، وإن انتخبوا رئيساً جديداً وكانت لهم حكومة جديدة ونواب جدد، لأنهم سيختلفون على هوية الرئيس وأعضاء الحكومة والبرلمان، ولن يكتب لهذا البلد الفوز أو النجاح أو النصر طالما القلوب متفرقة شتى لا تجتمع على شيء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى