بقلم د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
تتجه قوافل المقاومين المهجّرين ،عائدة الى قراها او تنتظر على أبوابها ،مُعلنة إنتهاء جلجلتها على درب كربلاء، وهي تفتقد “السيد الشهيد” والشهداء والأسرى ومفقودي الأثر وتزحف بإتجاه “مقابر الوديعة” لتسترد ودائعها الحبيبة المدفونة في تراب الجنوب بعدما قاتلت من أجل حفظ الأرض والدين والوطن.
انتهت “الحرب الرابعة ” ولم تنهزم المقاومة ولم يرفع أهلها رايات الإستسلام او الإنقلاب على المقاومين، ولم يستطع العدو اجبارهم على الركوع وهم يرون أبناءهم شهداء وجرحى ويرون تدمير بيوتهم وتفجير قراهم ومدنهم ،أمام أعينهم ،لكنهم لم ينهزموا!
انتهت الحرب الشيعية- الإسرائيلية في لبنان ،بإتفاق” هدنة” وليس إتفاق استسلام ولا إتفاقية “سلام” كما أعتاد أهل الشرف في لبنان من المقاومين ان لا يكونوا كباقي العرب الذين وقّعوا اتفاقيات سلام واستسلام ووقفوا في طابور التطبيع واعلان الولاء والخضوع للعدو الاسرائيلي .
للمرة الثالثة لم تنهزم المقاومة وأهلها في لبنان ،ففي الأولى انتصرت عام 2000 وحرّرت الأرض بدون قيد او شرط، وفي المرة الثانية في تموز 2006 هزمت العدو ولم يصل لليطاني ولم يُسقط بنت جبيل، وفي المرة الثالثة بقيت المقاومة على قيد الحياة ووقّعت اتفاق الهدنة بيدها اليمنى وهي تمسك سلاحها باليد الأخرى ولم تنهزم!
قاتل المقاومون في الجنوب 50 ألف جندي وأقوى جيش في المنطقة ومنعوه من إحتلال الجنوب أو بعضه، وألزموه بتوقيع وقف الحرب التي شنّها بعد شهرين فقط، وهو الذي امتنع ولا يزال عن توقيع اتفاق وقف للنار مع غزة مع انها تمسكه برقبته وتحتجز 100 أسير بعد التبادل الاول والثاني !
استطاعت قوى المقاومة في لبنان وحيدة على مدى 60 يوما ان تقاتل وتفاوض وتصبر على تشتّتها ونزوحها والطعن في ظهرها، لأنها اعتادت النصر ولا تعرف الهزيمة وكما كان شعار (لن تُسبى زينب مرّتين) كان الشعار (لن يُحتل الجنوب مرتين )!
قدم أهل المقاومة 20000 شهيد وجريح و100 ألف وحدة سكنية وتجارية ومليون نازح، لكنهم لم يستسلموا واستطاعت المقاومة ان تقدم نموذجا رسالياً وإعجازياً واسطورياً، فقاتلت بعدما فقدت سيّدها وقياداتها الأصيلة والبديلة ومخزونها الصاروخي وآليات الاتصال، فقاتلت 60 يوما ولم يستطع العدو التقدم لأكثر من كيلومترات معدودات دون الثبات او الاحتلال.
الخزي لأهل الغدر وللشامتين الذين استعجلوا دفن المقاومة وأهلها وأرادوا توزيع “التركة”، كوارثين للمقاومين،عندما أفترضوا من الأيام الأولى، ان العدو استطاع قطع رأس المقاومة وان اللحظة مؤاتية،للتشفي والانتقام وإلغاء طائفة المقاومين من الحياة السياسية في لبنان وربما من الجغرافيا، لكنهم خسروا مع اسيادهم من الأعداء وربما سيحاسبهم لأنهم لم يستطيعوا إشعال الفتنة والنار وراء ظهور المقاومين.
انتهت معارك الميدان العسكري وعلى قوى المقاومة ان تبدأ معركة الإعمار ،بإعادة البناء وبلسمة الجروح وان تُكرم أهلها ،الركن الأساس في الصمود والانتصار وعدم الإنهزام.
دمّر العدو عشرات الاف الوحدات السكنية، وعلى المقاومة الا تتأخر بإعادة بنائها وايواء اهلها الشرفاء واحترام انفعالاتهم وحزنهم ودموعهم على ابنائهم الشهداء او على ارزاقهم .
كما كانت المقاومة النموذج المشرّف ومدعاة للفخر في الميدان على المقاومة ان تكون نموذجاً في اعاده البناء، وان تطهّر نفسها من الفاسدين والانتهازيين والوصوليين، وان تتعامل مع الطائفة انها طائفه مقاومة، سواء انتسبت تنظيمياً او لم تنتسب، وعلى المقاومة ان تحترم أهلها وان تطرد من صفوفها كل “اولاد القصعة” من اعلاميين وسياسيين وهيئات إجتماعية او تجارية والذين تركوها عند الضربة الاولى وانقلبوا عليها!
على المقاومة ان تقوم بعملية نقد ذاتي ومراجعة سلوكياتها وخطابها وتعاملها مع الناس بواقعية وموضوعية ومودة، وان تتقبل النقاش ونقد أهلها دون تكفير او تخوين .فالحرب لم تنته ،بل هدنة ربما تطول او تقصر ولا بد من الاستفادة من التجربة القاسية حتى لا تتكرر.
سلاماً للشهداء ودعاء للجرحى والاسرى والتحية لعوائل الشهداء والتوفيق للمهجرين بالعودة الى ديارهم وقراهم.
لم ننهزم في الحرب الرابعة …وقاتلنا مع غزه حتى الرمق الأخير..