بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
يكثر الحديث اليوم عن النصر ، ويتنطح الكثيرون لشرحه بحسب مصالحهم وبحسب فهمهم ، فاللغة العربية مطاطة كما السياسة، وكل طرف يبني تعريفه على قواعده الخاصة. ولكن هل هناك معايير وقواعد تحدد مفهوم النصر العسكري ، وما هي هذه المعايير والقواعد ؟ وما هو تعريف النصر باللغة العربية الصرف ؟
المنتصر يُعرف بشكل عام على أنه الطرف الذي يحقق أهدافه الاستراتيجية أو يُفرض إرادته على الطرف الآخر في نزاع أو حرب ، سواء عبر القوة العسكرية ، السياسة ، أو التأثير الثقافي . لكن هذا المفهوم “النصر” قد يكون نسبيًا ومثيرًا للجدل ، خاصة إذا اقترن بجرائم حرب أو تدمير شامل ، لأن هذه الأساليب قد تترك إرثًا من الكراهية وعدم الاستقرار، وبالتالي من غير المعلوم ان المنتصر في هذه الحالة يكون قد حقق أهدافه .
هل من يرتكب جرائم حرب منتصرا؟
ارتكاب جرائم حرب وتدمير شامل لا يعني تحقيق النصر بالمعنى الأخلاقي أو حتى الاستراتيجي . قد يعتبر طرف ما “منتصرًا” عسكريًا إذا تمكن من فرض سيطرته ، لكنه يخسر معنويًا أو سياسيًا إذا أدى ذلك إلى عزلته خاصة على المستوى الدولي، وهذا ما حصل مع الكيان الاسرائيلي الذي أصبح معزولا دوليا، ومستوطنوه يعانون من هذه العزلة ، يضاف لها طبعا ما حصل في المحكمة الجنائية الدولية من اصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء العدو ووزير دفاعه السابق، وبالتالي تصبح القيمة الحقيقية لهذه الخسارة تفوق بعض الاحيان ما تم انجازه على الصعيد العسكري .
أما لناحية المقاومة فتعتبر منتصرة عند تحقق أحد الأهداف الآتية :
– إحباط أهداف العدو: إذا فشلت القوة المحتلة أو المعتدية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية ، مثل السيطرة الكاملة على الارض والاستقرار فيها ، أو القضاء على المقاومة التي تواجهها .
– الصمود : القدرة على البقاء والاستمرار على الرغم من الفارق الكبير في القوى، هذا الامر يفشل اهداف الجيوش النظامية ويجعلها أسيرة العمل غير المجدي .
– تحقيق مكاسب سياسية أو معنوية : كتحفيز الدعم الداخلي والخارجي للمقاومة ، أو تغيير الرأي العام الداخلي والخارجي ضد العدو، وبالتالي الدفع باتجاه عزلته سياسيا ، ماليا ، واقتصاديا .
– إجبار العدو على التراجع أو الانسحاب : هذا الاجبار ان حصل فهو يعتبر نصرًا مباشرًا، وهو قد حصل في عدة مواقع مثل بلدة البياضة ، شمع ، والخيام .
من ناحية أخرى إذا ظلت المقاومة نشطة ولها تأثير في الحياة السياسية للطرف الاخر ، فمن الصعب اعتبار الطرف الآخر منتصرًا بشكل كامل ، لأن المقاومة تمثل تحديًا دائمًا لشرعية وقوة الطرف المسيطر ، والتاريخ مليء بالأمثلة التي أثبتت فيها المقاومة ، رغم ضعفها الظاهري ، قدرتها على تحقيق أهدافها على المدى البعيد ، مثل الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي أو فيتنام ضد الولايات المتحدة.
ان النصر الحقيقي يتوقف على قوة العوامل المستخدمة لتحقيقه ، فهل هو عسكري فقط ، أم يشمل أيضًا الجوانب السياسية ، الاجتماعية ، والأخلاقية ؟
ان الجهوزية في العسكر، النظام السياسي ، والاقتصاد تعد من العوامل الأساسية في صنع النصر في أي نزاع أو حرب . هذه العوامل مترابطة ، وكل منها يسهم بشكل حاسم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية. فالجهوزية العسكرية تعتمد بشكل أساسي القوة القتالية ووجود جيش مجهز ومدرب بشكل جيد قادر على الصمود في المعارك ، كما يعتمد على التكنولوجيا العسكرية والتفوق في التسليح والمعدات يضاف اليه التنظيم والانضباط ، فالقيادة الفعالة، التخطيط الاستراتيجي، وسرعة الاستجابة للمستجدات ، كما يعتمد على الروح المعنوية ، التحفيز والإيمان بعدالة القضية ، ما يرفع من أداء الجنود.
ان انتظام واستقرار النظام السياسي هو عامل أساسي ضروري ، كما ان وجود تأييد شعبي للنظام السياسي والقضية التي يخوض الحرب من أجلها ، كما ان القدرة على بناء شراكات وتحالفات إقليمية ودولية توفر الدعم السياسي والعسكري كلها عوامل مساعدة .
يضاف الى ما سبق العامل الاقتصادي القادر على تمويل الجيوش والحملات العسكرية ، والقدرة على تأمين الموارد (الطاقة، الغذاء، المواد الخام) اللازمة لاستمرار الحرب ، ووجود قاعدة صناعية قادرة على إنتاج الأسلحة والمعدات بشكل مستدام ، وهنا نشير إلى انه في حال كانت الدولة تواجه حصارًا أو عقوبات ، فإن اقتصادها يجب أن يكون قادرًا على الصمود.
ان العلاقة بين كل هذه العوامل هي علاقة تكاملية ولا يمكن تحقيق النصر العسكري وحده دون دعم من الاقتصاد والنظام السياسي. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الفشل الاقتصادي إلى انهيار معنويات الجيش، ويمكن أن يؤدي ضعف القيادة السياسية إلى سوء استخدام الموارد العسكرية.
من الأمثلة التاريخية والتي توضح الصورة عن هذا الواقع :
1- الحرب العالمية الثانية: انتصار الحلفاء اعتمد على الجمع بين التفوق العسكري (الأسلحة والتكتيكات) والاقتصادي (التصنيع الهائل)، بالإضافة إلى الوحدة السياسية بين الحلفاء.
2- فيتنام: رغم التفوق العسكري للولايات المتحدة، تمكنت فيتنام من تحقيق النصر بسبب صمودها السياسي والاقتصادي النسبي وتكتيكاتها غير التقليدية.
3- الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة: رغم قوته العسكرية، انهار بسبب ضعف اقتصادي ونظام سياسي غير مرن.
في الخلاصة،
الجهوزية في العسكر، النظام السياسي، والاقتصاد، هي الركائز الأساسية لصنع النصر، لكن النصر لا يتحقق بالاعتماد على أحدها فقط، بل عبر تحقيق توازن فعال بينها جميعًا . من هنا لا بد من العمل على تقوية كل هذه العوامل ، والاكتفاء بالشعب والجيش والمقاومة من دون العمل على تقوية هذه العوامل، ستوصلنا في النهاية الى الهزيمة النهائية، على اعتبار ان عدونا يعمل على قاعدة علمية تؤدي الى تمتين كافة هذه العوامل، وبالتالي سيصبح فارق التكنولوجيا كبيرا جدا، ولن نستطيع معها مضاهاة العدو والوقوف في وجهه، لأن خسائرنا ستكون كبيرة .