بقلم د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
قدّم العدو الاسرائيلي -دون قصد-، دليلاً ميدانياً وملموساً على وجوب بقاء المقاومة و سلاحها ،من بوابة توحّشه وحربه ، لتأمين الأمن الاسرائيلي والسلام للمستوطنين في الشمال ،بعدما بادر لقصف القوات الدولية التي لم ترفع سلاحاً بوجه إسرائيل، بل كانت شاهداً أعمى على كل إعتداءاته، وكانت في بعض أعمالها ،حامية لأمنه وغطاءً لتوحشه، ومع ذلك فقد قصف مراكزها ودمّر ابراجها، واكتفت القوات الدولية بإحصاء القتلى اللبنانيين وعدد القذائف، كما في اجتياح عام 1982 عندما أكتفت بتعداد الدبابات الإسرائيلية التي تدخل الى الجنوب، كما قال “تيمور غوكسيل” الناطق بإسمها!
لم تستطع القوات الدولية حماية المدنيين اللبنانيين منذ وصولها الى لبنان عام 1978 وما زالت مجزرة “قانا” التي ارتكبها “شمعون بيريز” في مقر القوات الدولية واحرقت المدنيين في عام 96 ، شاهداً صارخاً على هشاشة وضعف الحماية الدولية للجنوب.
أعطت اسرائيل دليلاً ثانياً، لوجوب بقاء المقاومة وسلاحها، عندما قصفت مراكز الجيش اللبناني الذي لم يتدخل في الحرب القائمة الآن بين المقاومة واسرائيل بالمعطى الميداني العسكري، من دون نسيان دوره في حماية السلم الأهلي المهدّد، وسقوط عشرات الشهداء والجرحى من جنوده وضباطه ،من دون أي رد، ومع تفهم واقع الجيش العسكري الذي لا يستطيع الرد الميداني المؤثر وإحتمال تعرّض مراكزه وثكناته للتدمير، وآخرها مركز العامرة على طريق الناقورة ،كما يدمّر البنايات السكنية والمنشآت الاقتصادية.
إن القصف الإسرائيلي للقوات الدولية والجيش اللبناني والصحفيين والدفاع المدني اللبناني الرسمي والأهلي ،أخرس وسخّف كل الاصوات النشاز الداعية للقضاء على المقاومة وتسليم سلاحها او نزعه بالقوة، فكل الذين قصفتهم إسرائيل، لم يقاتلوها بالسلاح ولم يعتدوا عليها، وليسوا مرتبطين بإيران ولم يساندوا غزة ولم يهدّدوا الأمن الإسرائيلي ولم يهجّروا المستوطنين ، بل كانوا يُخمدون الحرائق التي أشعلتها إسرائيل ويسعفون الجرحى ويجمعون او يدفنون جثامين الشهداء الذين قتلتهم، ويفتحون الطرقات، ومع ذلك قصفتهم الطائرات ودمّرت مركزهم وهم عزّل ،بلا سلاح ، لتقول إن كل من لا يساعدها او يتباطأ في العمل لتحقيق مصالحها ، هو هدف عسكري، سواء حمل السلاح او كان أعزل،وستقتله وربما قتلت حتى عملاءها بعد انتهاء مهمتهم او تركهم على “بوابة فاطمة” كما فعلت عام2000!
تقول اسرائيل برسائلها الدموية ، لكل المقاومين والوطنيين (دون قصد) “لا تتركوا السلاح لأنني سأقتلكم وأدمر بيوتكم واحرق حقولكم” .
إن الجرائم الإسرائيلية والقصف والعدوان على لبنان توجب على اللبنانيين المطالبين بنزع سلاح المقاومة، الصمت والتراجع عن مقولاتهم، لأنها صارت ضعيفة الدليل والحجّة وسخيفة وباطلة وغير واقعية ، بل شريكة بشكل غير مباشر بالعدوان، لأنها تطالب اخوتها اللبنانيين المظلومين ، بالتسليم للقدر الإسرائيلي والموت ذبحاً او اختناقاً تحت الأنقاض ، من دون إزعاج للقاتل الإسرائيلي ومقاومته ، فإسرائيل تقتل الاطفال والنساء والمسعفين غير المسلحين وكذلك القوات الدولية التي لم ترفع سلاحها ضد اسرائيل والجيش الذي لم يرفع سلاحه “معذوراً” ضدها!
ان اللبنانيين المقاومين، ولأنهم عرفوا التوحش الإسرائيلي منذ عام 1948 وعرفوا ان القرارات الدولية لا تحميهم وكذلك بيانات الاستنكار للقمم العربية ،وأن الدولة غير قادرة على حمايتهم ،بادروا لحماية أنفسهم مع كل الأثمان الكبيرة التي دفعوها منذ عام 1948 ، ولكن لسان حالهم يردد ان الموت في الميدان أفضل ألف مره من الموت تحت أسقف البيوت المدمرة ،ففي الميدان نؤلم العدو ونقتل جنوده وندمّر بيوته في حرب غير متكافئة في القوى والإمكانيات، لكن على الأقل، نُقتل أعزاء كرام ،بدل الإستسلام او الموت كجبناء أذلاء…
ستبقى المقاومة التي تقاتل ، بشكل أسطوري كربلائي ، وتمنع خمسين الف جندي إسرائيلي ومئات الطائرات والدبابات من الوصول الى الليطاني بعد ستين يوماً من القتال العنيف ، بينما وصل في إجتياح عام 82 الى بيروت خلال أربعة أيام، وانتصر على العرب في ستة أيام عام 1967وأحتل سيناء والجولان والضفة الغربية!
سيبقى السلاح ، لحماية أهل المقاومة ولبنان والشرف العربي، حتى زوال إسرائيل…فالموت واليد على الزناد، افضل من الموت رافعا يديك استسلاماً…
وسيبقى المفاوض اللبناني مقاوماً شجاعاً حكيماً وعاقلاً وصابراً ولن يستسلم ، طالما لم ينهزم في الميدان … ولن ينهزم!