وقف النار..وسيناريو مفاوضات غزة !(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط -الحوارنيوز
بعد خمسين يوماً من بدء “الحرب الرابعة” على لبنان والتي يعتمد فيها التحالف الأميركي-الاسرائيلي هجوما شاملا على محورين :
- المحور العسكري حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بالتدمير الشامل، وتفجير القرى والمنشآت المدنية والإنسانية والصحية في الجنوب والضاحية والبقاع ومطاردة المهجّرين النازحين.
- محور التفاوض الخبيث ،لوقف النار و المماطلة والتلاعب وتغيير المطالب الإسرائيلية القاسية والغريبة ، لوضع المفاوض اللبناني امام خيارين ،إما الاستسلام والقبول بالشروط الإسرائيلية كاملة ودون نقاش، او رفض الشروط وتحمّل مسؤولية فشل المفاوضات وإستمرار العمليات العسكرية وما ينتج عنها من ضحايا وتدمير وخسائر !
يمارس العدو خطته الخبيثة والتي ليس لها سقف زمني او قيود قانونية او أخلاقية، لإنهاك المقاومة ومجتمعها، بالتلازم مع ممارسة الالهاء بالتفاوض واعطاء الأمل الموهوم ،لإنتهاء الحرب والضغط الميداني والنفسي على المقاومة وأهلها ،خاصة وأن الحرب محصورة بالطائفة الشيعية وجغرافيتها ،بطريقة لم يمارسها العدو في كل حروبه وإجتياحاته ضد لبنان او احتلاله الذي دام أكثر من 20 عاماً.
والسؤال هل يريد التحالف الأميركي-الإسرائيلي وقف النار؟
ان المؤشرات الواضحة ميدانياً وسياسياً، لا توحي بالنوايا الطيبة والحسنة ، فبالتلازم مع المفاوضات التي تحيطها الضبابية وعدم الوضوح والتأويلات والتخمينات تحت ضغط القصف الجوي والاجتياح البري، بدأت أميركا بالتأسيس لمرحلة ما بعد الثنائية” في الإدارة السياسية والأمنية للبنان وتثبيت ركائزها اعلامياً وميدانياً ،حيث بدأت السفيرة الأميركية في لبنان ،تمارس دور الحاكم العسكري الأميركي في العراق “بريمر” بعد الغزو الأمريكي، وبدأت “سفارة عوكر” في بيروت تمارس دور ومهام “المنطقة الخضراء” في بغداد، وتحتاج بعض الوقت لتثبيت ركائزها وثقافتها ومفاتيحها ورجالها من المسؤولين اللبنانيين الأمنيين والسياسيين والإعلاميين، وتعتبر اميركا أنها نجحت خلال شهر واحد بعد اغتيال “السيد الشهيد” على استعادة الدولة والقرار اللبناني العام وتحتاج ميدانيا الى وقت اطول لتثبيت هذه المعادلة!
استفاد التحالف الأميركي-الإسرائيلي من تجربته في غزة على المستويين العسكري والسياسي ومنهجية التفاوض التي انتجت تدميراً لغزة وحصاراً سياسياً ل”حماس” وافشالاً للمفاوضات وإيصال حماس للقبول بعودة السلطة الفلسطينية الى غزه والتفتيش عن إقامة لمكتبها السياسي المُهدّد بالطرد من قطر، بناء لطلب أميركي، وإبقاء أهل غزة في العراء ،لسنة او سنتين، لصناعة مجتمع “غزّاوي” ضد حماس ومنهج الكفاح المسلح والاستسلام والقبول بأي سلطة او قرار سياسي او أمني يؤمن مسكناً ورغيف خبز وعدم البقاء في العراء للعام الثاني او الثالث او الرابع مستقبلاً، وربما يصل أهل غزة وحماس لمبادلة الأسرى بأكياس الطحين وتأمين إقامة لقيادتها!
بدأت اميركا “عشرية” القضاء على حركات المقاومة ودولها وثقافتها بعد التمهيد لها ب”عشرية الربيع العربي”، وقد دخلنا السنة الثانية من هذه العشرية واميركا لم تخسر دولاراً او جندياً ولم تقم بأي غزو او إحتلال، ويمكنها الاستمرار في هذه “العشرية” التي تصيب حركات المقاومة ومجتمعاتها ودولها بالإنهاك والحصار والتشتت، وهي التي عاشت سابقاً الحصار الاقتصادي والإنهاك العسكري في الربيع العربي.
لا بد من الحذر في مسألة التفاوض والمماطلة الإسرائيلية الأميركية والخداع والآمال الوهمية بوقف النار التي توفر الوقت اللازم للضغط العسكري المتوحش ودراسة المواقف السياسية والإجابات، لتحقيق هدف واحد هو حفظ الوجود والمقاومة وتقليل الخسائر وحفظ الانجازات وحماية المستقبل.
لا شك ان الوضع في التفاوض معقّد وصعب ويَلزمه الحكمة والهدوء والموضوعية والواقعية، حتى لا نصل الى القبول بما رفضناه كما حصل في غزة !
لا بد من التفاوض على اساس أننا ساحة مُستفردة ووحيدة في الميدان العسكري، سواء داخل لبنان أو على مستوى العالم العربي والإسلامي، وأننا ساحة أستنزفها الربيع العربي و “الحرب الرابعة” التي تتزايد فيها وتيرة التوحش والقتل والتدمير.
لا بد من التفاوض بهدف تقليل الخسائر وإستيعاب الصدمات وإعادة تجميع القوى، وبناء على ان التحالف الأميركي-الاسرائيلي لا يريد وقف النار، وانما يريد فرض الشروط وتثبيت واقع المنطقة العازلة الخالية من السكان والسلاح والمسلحين وكل مظاهر الحياة جنوبي الليطاني.
انهم لا يريدون وقفاً للنار، بل الإستمرار كما في غزة، وعلينا ان نقاتل ونفاوض ونؤمن متطلبات الصمود على جبهات القتال وجبهات النازحين وفق هذا الواقع وتحسّباً لحرب طويلة، وأنه لن يُوقف النار، لا الضغط الأميركي ولا وعود المطاعم ،بل رجال الميدان وقدرتهم على إنزال ضربات نوعية واستثنائية ،تُوقف الوحش الإسرائيلي.