بين إتفاق 17 أيار و”اقتراح تشرين”(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
تضمّن اتفاق 17 أيار عام 1983 الذي وقّعته الحكومة اللبنانية والمجلس النيابي مع العدو الإسرائيلي(تحت الإحتلال)، بند الترتيبات الأمنية المشتركة بين لبنان وإسرائيل، والذي تعّهد فيه الطرفان بعدم الإعتداء وعدم السّماح باستخدام أراضيهما لأي تواجد مسلّح من الميليشيات او الدول وتشكيل لجنة أمنية مشتركة للمراقبة، وهذا البند لصالح العدو ،فلبنان لم يُهاجم إسرائيل يوماً وليس له أي مجموعة مسلحة داخل فلسطين. ويتضمن الاتفاق إقامة علاقات دبلوماسية وتوقيع معاهدة سلام وإقامة منطقة امنية ،كما نص فيما بعد (القرار 1701) ومع ذلك أسقطته المقاومة وأهلها ميدانياً وأجبرت اسرائيل على الإنسحاب بعد 18 عاما من الاحتلال وأعقبه انتفاضة 6 شباط 1984وإنقسام الجيش والحكومة وسبقه تفجير المارينز والمتعدّدة الجنسيات !
بعد 41 عاماً، يعود العدو الإسرائيلي وبدعم أميركي وتحت ضغط الاجتياح البري والجوي ،للضغط على لبنان ،لتوقيع إتفاق “تشرين 2024 ” والذي تتجاوز المطالب الإسرائيلية فيه “إتفاق 17 ايار والقرار 1701 “حيث يُطلب من لبنان منح إسرائيل الحق ، بحرية العمل الأمني داخل الأراضي والأجواء والمياه اللبنانية ،من دون إبلاغ او تنسيق مع لبنان وفق ما تراه مناسبا لحفظ أمنها ،وبإشراف أميركي – فرنس- بريطاني (متعددة الجنسيات بصيغة ملّطفة) ما يعني تنازل لبنان عن سيادته وإنكشافه أمنياً ،خاصة وأن حق التدخل العسكري او الأمني تعبير فضفاض يمكن ان يتمثّل بكتابة مقال او منهج تربوي او آية قرآنية او زراعة شجرة على الحدود..!
ان العروض الإسرائيلية التي تؤيدها أميركا،أسوأ من إتفاقيات السلام التي تم توقيعها مع الدول العربية. فالإتفاق المعروض هو إتفاق بين” السيّد الإسرائيلي والعبد اللبناني”. ويعتقد التحالف الأميركي-الإسرائيلي ان الوقت مناسب لربح هذه الجائزة تحت ضغط الميدان والمجازر وتدمير القرى والمدن والإنقسام الداخلي والصمت العربي والاسلامي وتردّد بعض العاقلين الذين لا يريدون حرباً مع إسرائيل … !
إستعجل التحالف الأميركي-الإسرائيلي وبعض اللبنانيين، نعي المقاومة ويريدون كسب ثمار الحرب ،سياسياً قبل أن ينتصروا فيها عسكريا، ونقول أن الأمور بخواتيمها والتي ستكون لصالح المقاومة وأهلها، لأن العدو الاسرائيلي قد وصل الى قمة المكاسب التي استطاع تحقيقها ضد المقاومة واهلها بإغتيال”السيد الشهيد” وقيادات المقاومة، ولم يبق أمامه من نقاط ربح سوى ارتكاب المجازر، بحق النساء والأطفال النازحين او تدمير البيوت والمقابر، وهذه لا يستطيع صرفها عسكرياً وسياسياً ،سوى أنه يهدف لتحريض أهل المقاومة على ابنائهم وإلحاق الخسائر بهم، وهذا لن يكون لأن “الأم والأب” اللّذين انجبا المقاوم،لا يمكن ان يطعناه ، وبالتالي فإن سلّة المكاسب عند العدو الإسرائيلي قد انتهت، والآن جاء دور المقاومة التي تستطيع بعد ترميم تشكيلاتها واستيعابها للصدمات ،أن تُلحق الخسائر بالعدو وتُجبره على التراجع عن مطالبه الأمنية والسياسية، فلا يمكن للمقاومة وأهلها، القبول بالشروط الإسرائيلية-الأميركية التي تصادر كل الانتصارات وكل التضحيات .
لكن السؤال الذي يطرحه أهل المقاومة: هل نستطيع الصمود منفردين وتغيير المعادلات لصالحنا مع كل هذا التوحش والقصف الاسرائيلي ؟
الجواب أننا وصلنا لنقطة “اللاعودة” ولا خيار أمامنا الا الصمود المادي والمعنوي والصبر والميدان، بانتظار نتائج الميدان، لكن لا يمكن الصمود في الميدان ، دون إلتفات لجبهة النازحين التي ما زال دعمها ضعيفاً بعد شهرين من الحرب ونفاذ المدّخرات المالية عند أهلنا (بعد سرقة ودائعهم في المصارف وتدمير مؤسساتهم وحقولهم)، وسيُصبح الصمود صعباً ومرتفع الكلفة من الشهداء والخسائر المادية،إذا لم يتم تغيير استراتيجية المواجهة وعناصرها، خاصة “وحدة السّاحات”. فطالما ان العدو الإسرائيلي يفوز بالإسناد الاميركي والغربي وبعض العرب مع قوته التدميرية الهائلة، فليس من مصلحة محور المقاومة، القتال بساحات منفردة مع قواه غير المتكافئة مع التحالف الأميركي-الإسرائيلي-الغربي!
إن الهروب من الحرب الإقليمية الشاملة ،هروب خاطىء ،لأن امريكا في عهد “ترامب” القادم ستواصل هجومها الشامل ضد حركات ودول المقاومة، للقضاء عليها واحدة تلو الأخرى، ولن تستثني أحداً وعلى محور المقاومة العمل ،بإستراتيجية شاملة وفق المنهج القرآني (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا…) وعنوانها الميداني (قاتلوا في سبيل الله جميعا ولا تفرّقوا…) وإلا ستسقط ساحات المقاومة بالتسلسل، وصولا الى رأسها كما جرى مع الكتلة الاشتراكية العالمية ورأسها الإتحاد السوفياتي ، والتي كانت اكثر عدداً وقوة من محور المقاومة!
مجاهدونا يقاتلون بشجاعة وإخلاص، فلا تتركوهم وحدهم في كربلاء جبل عامل، فيصيبكم ما أصاب أهل المدينة في غزوة “الحرّة”…!