كتب سيباستيان سايبت في فرانس 24 :
هل تشعر الصين بالقلق بعد عودة دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية؟
الرئيس الجمهوري المنتخب تعهد بتشديد الحرب التجارية مع بكين عبر زيادة الضرائب الجمركية المفروضة على السلع الصينية. لكن سياسيا ودبلوماسيا، يمكن للصين أن تجني بعض الأرباح في ظل رئاسة الجمهوريين التي ستبدأ في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
يدرك الرئيس الصيني شي جينبينغ أكثر من غيره التحديات التي يطرحها انتخاب دونالد ترامب للسلطة لأربع سنوات جديدة (بعد 2016-2020). ولفتح عهد جديد من العلاقات بين البلدين، كتب جينبينغ في رسالة التهنئة التي بعثها إلى الرئيس الأمريكي المنتخب: “علاقة متوترة بين الولايات المتحدة والصين ستضر بمصالح البلدين. بينما تعلمنا عبر التاريخ بأن الشراكة تعود دائما بالخير للبلدين”.
ففيما تستعد السلطات الصينية نفسها لعودة ترامب إلى الحكم في20 يناير/كانون الثاني، تتوقع أيضا أن تجني أرباحا في علاقاتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة على المستويين السياسي والدبلوماسي.
عودة الصقور؟
يتوقع ميكو هيوتاري، وهو نائب رئيس مركز بحوث “ميركاتور” البارز والمتخصص في السياسية الصينية، أن “السياسة التي ستتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء الصين ستكون أكثر تشددا”، حسب ما قال لفرانس24، معتبرا بأن الشراكة مع الصين ليست على طاولة الجمهوريين، لا سيما أولئك الذين يلقبون بـ”الصقور” بسبب موقفهم المتشدد إزاء الصين.
من جهتها، تشير جيوفانا دي مايو، المتخصصة في العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن والمدرسة في معهد العلوم السياسية بباريس إلى أن “المنحى الذي ستأخذه الإدارة الأمريكية إزاء الصين مرتبط بالرجال والمسؤولين المقربين الذين سيعملون مع دونالد ترامب“. أما زينو ليوني، المتخصص في العلاقات الصينية الأمريكية في المعهد الملكي بلندن، فيؤكد بأن “هناك عدة مناهضين للصين ضمن المقربين من الرئيس الأمريكي الجديد”.
ويتوقع أن يحتل عدد كبير من المسؤولين المناهضين للصين مناصب حساسة في الإدارة الأمريكية المقبلة، ومن بينهم مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق في 2018 وروبيرت لايتزييه الذي شغل منصب مستشار التجارة الخارجية خلال عهدة ترامب الأول. وتنظر بكين إلى الرجلين على أنهما أعداء لها.
ويمكن أن تتجلى سياسة التشديد الأمريكي إزاء الصين في البداية برفع الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية (+ 20 في المئة في 2016).
صراع تجاري شديد
تعهد دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية برفع هذه الرسوم إلى 60 بالمائة. وفي “حال تم تنفيذ هذا التهديد، سيكون بمثابة ضربة قوية وسيؤدي دون شك إلى تدهور كبير في العلاقات بين البلدين”، كما يقول مكتب الاستشارة ديزان شيرا.
لكن زينو ليوني يرى أن “مسألة رفع الرسوم الجمركية إلى 60 بالمائة ستكون ربما بمثابة اقتراح لبدء المحادثات بين البلدين”، مشيرا إلى أن “ترامب لن يذهب إلى هذا الحد على الرغم من أننا ندرك بأن نسبة الضرائب المفروضة على الصين سترتفع دون شك حتى وإن تسبب ذلك في رفع المواد للمستهلك الأمريكي”.
من جهته، قد يساند دونالد ترامب فكرة تشديد العقوبات التجارية على الصين “كونه يعتقد بأن تحفيض الضرائب على الشركات الأمريكية وعلى الأغنياء سيجعلهم يخفضون بدورهم أسعار المواد التي ينتجونها”، يضيف زينو ليوني.
بالمقابل، أشار ميكو هيوتاري أن “الصين هذه المرة هيأت نفسها لمثل هذه الإجراءات الأمريكية وسترد على واشنطن باستهداف بعض الشركات الخاصة”.
فعلى سبيل المثال، بإمكان بكين أن تضغط على رجل الأعمال إيلون ماسك [مالك منصة “إيكس”، تويتر سابقا]، أحد أصدقاء ترامب، وذلك عبر خلق مشاكل لشركة “تسلا” التي تنتج السيارات الكهربائية في الصين.
تايوان ملف قابل للتفاوض؟
إذا كانت الصين تنتظر أن تتلقى ضربات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة، بإمكانها “بالمقابل أن تغتنم فرصة عودة ترامب إلى السلطة لكي تزيد من ضغطها على تايوان وتبسط سيطرتها عليها بشكل أكبر”، حسب زينو ليوني.
من جهتها، أضافت جيوفانا دي مايو أن “جو بايدن كان قد وضع شبكة تحالفات مع العديد من الدول الأسيوية لكبح جماح الصين، وفي مقدمتها اليابان وكوريا الجنوبية وحتى أستراليا”.
وأردفت نفس المحللة: “هناك مسؤولون يعملون مع ترامب مثل ألبريج كولبي (أحد مستشاريه السابقين في مجال الدفاع) والذي يضغط من أجل رفع الاستثمارات العسكرية في آسيا على حساب أوروبا”.
لكن ثمة بعض الملفات التي قد تسمح للصين بأن تدافع عن نفسها، بدءا بملف تايوان، فمن “المستحيل معرفة ما هي الاستراتيجية التي سيتبعها دونالد ترامب إزاء هذا الملف، علما أنه خلال الحملة الانتخابية أدلى ببعض التصريحات أضفت نوعا من الشكوك إزاء التزامه بدعم الجزيرة”، حسب زينو ليوني.
وأضاف الأخير: “ترامب اشتكى من تايوان التي تعد أبرز منتجي رقائق الكومبيوتر في العالم” معتبرا بأنها استحوذت على سوق أشباه المواصلات في الولايات المتحدة، مؤكدا أن على تايوان “أن تدفع ثمن الحماية الأمريكية”.
وتابع ليوني قائلا إن “الاستراتيجية الأمريكية الثابتة إزاء تايوان لم تتغير وترامب ربما لن يكون في استطاعته القيام بشيء من أجل تغييرها”. أما الصين، فهي تدرك أيضا كيف يجب أن تتصرف مع ترامب. فهي مستعدة لمساعدته على الساحة الدولية مقابل التوقيع على بعض الصفقات.
فعلى سبيل المثال، بإمكان الصين أن تضغط على روسيا لكي تنهي حربها على أوكرانيا بمناسبة عودة الملياردير الأمريكي إلى الحكم. وهذا قد يساعد لتسويق “الرجل الذي يبني السلام”. بالمقابل، على واشنطن أن تغض النظر على أحد برامج بكين وهو “التوحيد السلمي” لتايوان مع الصين.
وأنهى زينو ليوني: “بكين ستتابع أيضا ردود فعل الدول الأوروبية إزاء فوز ترامب. وفي حال أدى هذا الفوز إلى انشقاقات في العلاقات الأمريكية الأوروبية، فالصين ستستغلها لمصالحها الخاصة – من خلال تعزيز شراكتها الاقتصادية مع بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي“.