مقاطع عن بعد لحرب على مقربة 2 (هدى سويد)
هدى سويد ـ الحوارنيوز – إيطاليا
ـ المقطع 11
*صور مدينة البحار
يا ابنة الألف الثالث قبل الميلاد
ابنة حيرام، قدموس وأوروبا
الأبجدية، المعابد، الأروقة والخان
وكل الحقبات الحضارية
بساتينك ورمل شاطئك
أذكر كيف يمر الموج العاشق بشفافية منصهرا في مائك،
أذكر كيف كنا نتأمل سطح البحر، يتجلى للعين من خلاله الإرث الإنساني الثقافي:
كهوف وآثارات.
الحقد يدمر الإنسان والحجر.
عندما يعلن بلد الإفلاس من سنين
وعندما يكون الحجرهو الإرث والشاهد، الذكريات والتاريخ.
يصبح الحجر أغلى من إنسان.
يصبح وطن.
*بعلبك مدينة الشمس
كل الآلهة فيك
لا جوبيتير وباخوس وحسب ..
كم تردّدنا ولهونا وأحببنا بين أعمدتك
كم قصدنا وقضينا مستعيدين أجمل هنيهات الزمن.
الحقد يدمر الإنسان والحجر.
عندما يعلن بلد الإفلاس من سنين
وعندما يكون الحجر هو الإرث والشاهد ، الذكريات والتاريخ.
يصبح الحجر أغلى من إنسان.
يصبح وطن.
***
المقطع 12
لست وحدك وإن كانت الصور التي تصلنا في غباش.
وإن كانت الصور التي تصلنا سريعة كالخراب.
الصور في غباش:
تُعدّد نشرات الأخبار المحليّة أسماء القرى ، المدن والبلدات.
نركّزعلّنا نسينا الأسماء !
تُعدّد نشرات الأخبار العالمية أسماء لم تعتد على لفظها :
الضاحية ،النبطية ، الخيام ، ميس الجبل،بنت جبيل، كفركلا ، بعلبك ، البقاع ، الهرمل و..
وأجدني أصحح الأسماء
أقرأ كل منها في ذاكرة لأيام كانت.
نشرات الأخبار إحصاء يومي للقتلى والجرحى ، المجازر
تأوه المتألمين ، الدفن وجمع الأشلاء .
الصمت غربة لا يستحق الأنسنة.
نشرات الأخبار تحليلات وتوقعات الأستديوهات
ومن هم هناك على الأرض
لا يصلهم الصوت.
وحدك !
***
المقطع 13
بداعي عملي آنذاك كثيرا ما زرت قراه والمخيمات
هناك حيث التقيت ممن احتفظوا بمفاتيح بيت
ما زالت تتراءى لهم غرفها وضوؤها ، الباب والعتبة.
ليس ولم يكن لي بيت في الجنوب
إلاّ أن بيوت أصدقاء استضافتني دوما عند هدأة الأحوال.
ما زلت أستشعر نسمة كانت تلفح وجهي في الصباح وغروبه ومسائه
وتلك النزهات.
لكل أرض نسمته،
لكن لنسمة الجنوب في لبنان دفئها المنساب.
ليس ولم يكن لي بيت في الجنوب ولا البقاع ولا بضاحية بيروت
لكن وصول الصور الممزقة للبيت والمكان،
ونزوح الإنسان عن ذكرياته ،
يمزق قلبي ورئتاي.
***
المقطع 14
كان لجدي مكان في الخيام
كان هناك مقهى وبركة ماء
حمل أمتعته منتقلا لبيروت موعودا بالمستقبل الدراسي والمهني للأبناء.
كما حنينه للتبغ والزرع وطريقة إشراقة الشمس وهطول المطر.
في بيروت اختار بيتا يسقفه القرميد وشجرة سنديان،
في فيئها يحلو له الغفوة صيفا.
حالفني الحظ أن أنمو في هذا البيت
أغفو وألهو وأدور حول بئر الماء
أتخيله بيتا خياميّا .
لم أعرف الخيام إلا بعد زوال الاحتلال عنها .
عرفت البركة والشجرة ، البيوت والطرقات.
أستعيد الصور ولا أتمكن إلاّ من رؤية ساحات مفتوحة للخراب .
ما تبقى جدران، شبابيك مقصوفة كأنها كانت لبيت كان.
***
المقطع 15
عرفت أشجار الزيتون في دير ميماس
نقلني إليها صديق كان.
في الجنوب جبال وديعة
قمم الجبال شاهدة على سحق الذكريات
أي غناء يمكن في هذا البعد وهول التجربة؟
لم يبق سوى وحشة المسيّرات ، الرصاص ،
الطائرات والقصف ليلا وفي وضح النهار للسراب !
ألا يخجل هذا القصف من رجولته ؟
لم يبق بيتا ولا شجرة ،
لا نسمة أو زقزقة لعصفور.
لم يبق شيء يتماشى مع الذكريات
نفدت كل الأشياءالتي تهز فضولي أو ولعي .
لا شيء يتماشى مع قلقي وروعي.