عن “إغتيال سليم عياش”: دليل براءة أم تثبيت لوقائع محتملة(حسن علوش)
حسن علوش – الحوارنيوز خاص
أول ما يتبادر الى الذهن قول نائب لبناني مغمور تعليقا على اغتيال جيش الاحتلال الاسرائيلي للمواطن اللبناني سليم عياش المُدان بحكم صادر عن المحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بأن “عدالة السماء قد تحققت”!
ولا شك أن النائب المذكور يدرك بأن موقفه هذا يتجاوز التعليق على عملية اغتيال عياش، فهو يؤلّه جيش الاحتلال، ويضع وحدة قياس يمكن الاستنتاج من خلالها بأن العدالة السماوية هي هي من تقتل شعبنا في غزة وتقتل شعبنا في لبنان، ويبرر للعدو جرائمه.. وأن ما تقوم به اسرائيل هو حق إلهي بتفويض إلهي.
العيب في كلام النائب المغمور أنه يصدر عن شخص وظيفته كنائب هي التشريع، والتشريع يعني القانون، والقانون يعني أن تقرأ الأبعاد المختلفة لأي موقف أو أي حكم أو أي حدث ولا تقف عند حدود الحدث بذاته.
وهذا ما ينطبق على جريمة اغتيال عياش من قبل العدو.
إن اغتيال عياش هو محاولة لتثبيت وقائع حكم غيابي، كان يمكن أن تتغير بوجوده ومثوله أمام قضاء نزيه وغير مسيس.
وهي جريمة متعمدة من قبل جهة، تعتبر الجهة الوحيدة التي استفادت من اغتيال الرئيس الحريري، وهي التي أسست ومهدت لإغتياله من خلال ما أثارته من مناخات فتنوية مذهبية في لبنان والدول المجاورة، بهدف شيطنة المقاومة والإستثمار السياسي لاحقا لقلب النظام في سورية، بدعم وتمويل خارجي، وبالتالي قلب النظام في لبنان أيضاً لمصلحة حلفائه، وربما غاب عن النائب المغمور بأن غرفة البداية لدى المحكمة الخاصة بلبنان في حكمها الصادر في 18 آب من العام 2020 قد حسمت بأن القرار 1559 (حل الميليشيات في لبنان ونزع سلاحها) لم يكن للرئيس رفيق الحريري علاقة بصياغته أو إقراره أو تأييده، بل أشار الحكم الى أن وزير خارجية اسرائيل سيلفان شالوم كان قد أعلن ان الاسرائيليين يقفون خلف هذا القرار (الصفحة 168 الفقرة 564)، وبالتالي أقرت المحكمة أن هذا القرار لم يكن من دوافع هجوم 14 شباط 2005 كما كان شائعا”.
ومن العوامل الأخرى التي تزيد في القناعة بتورط العدو الاسرائيلي بإغتيال الحريري:
- هشاشة دليل الاتصالات، وهذا الدليل قد يكون كافيا للشك، لكنه غير كاف للإدانة. وتزيد هذه الهشاشة ما أظهره العدو راهناً من خروقات للشبكات الأرضية والخلوية والقدرة على التلاعب التقني، وتغيير داتا الاتصالات بكاملها، ومن المعلوم بأن حكم البداية استند على أدلة ظرفية ناتجة عن تحليل داتا الاتصالات، معطوفة على روايات سياسية أحادية وتزامن مكاني أثبتت المعطيات التقنية بأن لا قيمة مادية لها ولا موثوقية.
- أن إفادة مستشار الرئيس الحريري مصطفى ناصر نقضت الروايات المنقولة لبعض شهود الادعاء، وأسقطها حيث اعتبرت شهادة ناصر الأعلى قيمة جنائياً والأصدق، بإعتباره كان حاضراً خلال الإجتماعات بين الرئيس الحريري والسيد حسن نصرالله، وكانت تعقد لقاءات تقييم لاحقة في منزل الحريري. ومن الأقوال التي أدلى بها ناصر أمام الغرفة بأن الحريري أكد مرارا بأنه متمسك بورقة المقاومة في مواجهة العدو وأنه يرفض المس بها قبل بلوغ الحلول النهائية للصراع العربي الاسرائيلي. غرفة البداية حسمت في حكمها بأن المدعي العام ” لم يقدم أي دليل يدل على أن أي عضو في حزب الله أو قيادي فيه، وبشكل خاص السيد نصرالله، كان له أي دافع لقتل الحريري” (الصفحة 233 الفقرة 765) وإن كان الحكم اعاد فألمح الى مصلحة معينة لسورية وحزب الله وجاء ذلك وفقا لتقديرات سياسية، مع العلم أن إختصاص المحكمة القضائي ينحصر بالمسؤولية الجنائية للأفراد لا الجماعات!
- إن ملاحقة العدو لعياش، هو دليل إضافي على تورط العدو في اغتيال الحريري، ومحاولة لإستدرار عاطفة فئة من اللبنانيين لتجديد مناخات فتنة لن تحصل، لأن اهداف العدو باتت مكشوفة ولن تلقى محاولات استثارة فتنة جديدة على خلفية اغتيال عياش إهتماما أكثر من الإهتمام الذي لاقاه وثائقي أعد من سنوات طويلة، وبثته منذ شهر تقريبا احدى محطات التلفزة “العربية” في توقيت غريب!
إن إدانة عياش لم ترتكز على أدلة ذات موثوقية بل كانت موضع شك كبير، إذ أن المدعي العام لم يؤكد عدم وجود عياش في المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج مع زوجته في العام 2005، خلافا للسجلات الرسمية الأمنية السعودية واللبنانية! فيما استندت المحكمة في تثبيت واقعة عدم مغادرة عياش لبنان في تلك الحقبة على افادة مسؤول الشؤون الدينية في تيار المستقبل ابراهيم عيتاني بأن احتمال أن يكون شخص آخر انتحل شخصية عياش وسافر مكانه أمرا واردا!!
إن السياق العام لإغتيال الرئيس الحريري في لحظة توترات اقليمية أوجدتها اسرائيل بالتنسيق مع عدد من دول المنطقة، لإحداث إنقلاب سياسي كبير ولتغيير وجه وجغرافيا الشرق الأوسط، تزيد من القناعة بأن ما يجري اليوم من حرب على غزة ولبنان، هو حلقة من ضمن حلقات المسلسل، دون أن نغفل حرب 2006 والكلام الصريح للإدارة الأميركية ممثة بوزيرة خارجيتها آنذاك كونداليزا رايس، بأن تلك الحرب التي أعقبت اغتيال الحريري، كانت تهدف أيضاً لتغيير وجه وجغرافيا الشرق الأوسط!