تغيير العقيدة النووية وخيارات موسكو(فلاح حسن)
د. فلاح الحسن – الحوارنيوز
اجرت موسكو تغييرات مهمة جداً على عقيدتها النووية لجعلها أكثر فاعلية ومرونة، ولتكون مواكبة للتطورات العسكرية والسياسية مع ظهور مصادر تهديد جديدة ومخاطر تحدق بروسيا وحلفائها، بحسب ما يعتقد صانع القرار في الكرملن.
ومن هذه التغييرات تستخدم روسيا الأسلحة النووية في حال تعرضت وحليفتها جمهورية روسيا البيضاء لعدوان خارجي، ولم تك الحليفة ضمن العقيدة القديمة. عدوان أي دولة غير نووية تساندها دولة نووية ستعتبره موسكو عدوانا مشتركا ضدها، وفي العقيدة السابقة لم يتم التطرق الى دور الدولة المساندة.
يحق لموسكو استخدام الأسلحة النووية إذا تعرضت لعدوان من دولة أخرى بأسلحة تقليدية وشكلت خطراً وجوديا حقيقياً عليها.استخدام موسكو لسلاحها النووي دون انتظار عدوان نووي عليها خلاف ما جاء في عقيدتها السابقة. التغييرات التي اجرتها موسكو على عقيدتها النووية انعطافة خطيرة في سياستها النووية ولجوئها لهذا الخيار ناتج عن شعورها انها تتعرض هي وحليفتها مينسك لخطر وجودي يهددهما او كل منها على انفراد.
ومن اهم الأسباب الكامنة خلف هذه الخطوة كما نعتقد: وجود مؤشرات لدى موسكو بإمكانية دخول طرف ثالث بشكل مباشر للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
محاولة ردع حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة من السماح لأوكرانيا(ATACMS, Storm Shadow Scalp ) باستخدام الصواريخ الغربية فائقة الدقة لضرب اهداف داخل العمق الروسي تطال معظم الأجزاء الأوروبية بضمنها مدينة سان بيترسبورغ. كما يعتقد الخبراء الروس أن العاصمة كييف لا تمتلك الخبرة او القدرة على استخدام هذه الصواريخ دون الاعتماد على العنصر البشري الغربي بسبب أنظمة الملاحة المتطورة المستخدمة فيها.
ومن نافلة القول ان هذه الصواريخ ستهدد بشكل مباشر المواقع الروسية الاستراتيجية في الجزء الأوربي منها وبضمنها المواقع النووية، وهذا ما لا يمكن ان تسمح به موسكو باي شكل من الاشكال. ويعتقد الكرملن ان الغرب في نهاية المطاف سيعطي كييف الضوء الأخضر لاستخدام هذه الأسلحة، كما عبر عن ذلك الرئيس فلاديمير بوتين في معرض رده على سؤال لاحد الصحفيين، لذلك فان هذه الخطوة استباقية لمنع الناتو من تجاوز الخطوط الحمر الروسية.
رغبة موسكو في إيقاف تمادي الحلف الأطلسي بتسليح كييف بأسلحة نوعية مؤثرة جديدة مع ارسال خبراء وجنود متطوعين، لإيقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوف الجيش الروسي، فضلا عن انتشار انباء بإمكانية تزويد كييف بقنابل فسفورية. الاستعداد للمتغيرات التي يمكن ان تطرأ على ساحة الميدان من خلال تزويد أوكرانيا بتقنيات تصنيع الصواريخ الغربية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي ليتخلص الحلف من عواقب استخدام كييف لهذه الأسلحة من خلال الادعاء انها اوكرانية الصنع. انقطاع الغرب عن الحوار مع موسكو، من الأسباب التي أدت لمثل هذه التغييرات الخطيرة، رغم انتشار بعض الاخبار عن بوادر للتواصل بين الرئيس الروسي والمستشار الألماني هاتفيا لكنها غير مؤكدة. مطالبة كييف السماح لها بامتلاك السلاح النووي او انضمامها الى حلف الناتو، كما ذكر الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، وهذا لا ينفي امتلاك كييف للقنبلة القذرة التي يمكن تصنيعها من مخلفات المحطات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية.
ان ما يقوم به الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الإصرار على قيادة العالم بشكل منفرد وفرض ارادتها السياسية والاقتصادية على دول العالم والذي سيقود في النهاية الى ابتعاد الدول التي تحاول الحفاظ على سيادتها وقرارها السياسي المستقل بعيدا عن الفلك الأمريكي. لذلك ينقسم حلفاء واشنطن الى دول تخاف العصا الامريكية التي تستخدمها لتغيير الأنظمة والحكومات من خلال العقوبات الاقتصادية او الثورات الملونة، والصنف الثاني هو الدول التي تسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدات المالية والسياسية نتيجة لوقوفها وتنفيذها لكل ما تريده واشنطن، ودول لا تمتلك القدرة العسكرية للدفاع عن نفسها لذلك تلجأ للمظلة الامريكية.
روسيا من طرفها تحاول جاهدة كبح سرعة تزويد كييف بالأسلحة المؤثرة وايقاف ارسال المزيد من خبراء وجنود حلف الناتو للقتال الى الجانب الأوكراني تحت عنوان المتطوعين، عن طريق التهديد بالعصا النووية.
خيارات موسكو قليلة قياساً بما يمتلكه حلف الناتو، واخر ما صرح به سيد الكرملين هو تزويد أعداء أمريكا في المناطق الساخنة في قارتي آسيا وافريقيا بأسلحة متطورة تشكل خطراً حقيقياً على الاساطيل الامريكية التي تجوب العالم. خلق تحالفات جديدة عسكرية أو اقتصادية أو الاثنين معاً لفتح رئة أخرى بعيداً عن الغرب، أو اللجوء إلى الخيار النووي وهو بعيد جداً في الوقت الحالي لكنه وارد ضمن الخيارات المتاحة، وكذلك إمكانية زج جنود من كوريا الشمالية، بحسب بعض المصادر، وهو تطور خطير جدا يوسع رقعة الصراع وامتداداته الدولية.
ومن الجدير بالذكر ان موسكو تحقق انتصارات متلاحقة في الميدان حيث سيطرت خلال المدة القصيرة الماضية على المزيد من المناطق السكنية الجديدة في إقليمي دونيتسك ولوغانسك، بالإضافة الى تحريرها اغلب الأراضي التي كانت تحتلها أوكرانيا في إقليم كورسك الروسي.
رغم استنزاف الكثير من قدراتها العسكرية والاقتصادية والحصار الغربي الذي شمل كل شيء تقريبا، مازالت موسكو تتقدم في ميدان القتال، ومن الصعب جدا على كييف ان الانتصار سيكون حليف من يتحمل عبء هذه الحرب الضروس لمدة أطول، ولديه قدرة تجاريها حتى لو ازدادت وتيرة المساعدات العسكرية والمالية الغربية للأخيرة على المطاولة والصبر.