المعاناة بين الشماتة والانتصار(حيدر شومان)
كتب حيدر شومان – الحوارنيوز
من اللافت للنظر في هذه الأيام أن شريحة كبرى من اللبنانيين مع اختلاف أطيافهم الحزبية والدينية والمناطقية، يعتبرون أن الواقع الذي يعيشه لبنان في هذا العدوان ينبئ بأن بداية النهاية قد بدأ يعيشها حزب الله، ومنهم من هو أكثر تصلباً يعتبر أن زمان قوة الشيعة وتحكّمها قد انتهى، وآن الأوان للبدء بالشروع للمرحلة الجديدة ما بعد ذلك.
فطموحهم ليس قرار 1701 ولا انسحاب المقاومة إلى ما بعد الليطاني، وإنما استسلام الحزب وتسليم سلاحه بالكامل للدولة، بغض النظر عن الاستراتيجية الدفاعية وكيفية مواجهة لبنان للإسرائيلي الكامن على حدوده ووحشيته وأطماعه التي لا تخفى طبيعتها وأبعادها على أحد.
القضية هي وبكل بساطة بسط الدولة سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية ليكون الجيش هو المولج بحماية البلاد والعباد. فالقضية عند هؤلاء ومن مثلهم هي فرصة سانحة لاستغلال ضعف الحزب ثم القضاء عليه بغض النظر عن كيفية حصول ذلك، ومن الذي حقق أو سيحقق لهم أحلامهم التي تراودهم منذ عقود من الزمن. وليس هذا من المستغرب في بلد يعيش على التناقضات السافرة التي تقسم الناس بين سالب وموجب تحددها في كثير من الأوقات الكيدية والسفالة والانتماء الفاضح لجهة تعادي هذا الفريق أو ذلك، وتعمل على القضاء عليه ولو سحقاً وتدميراً وإزالة وجوده بمؤازرة الفريق الداخلي وتعامله الأعمى معه.
لا حاجة للخوض في سرديات قديمة جديدة عن عدم قدرة الجيش اللبناني الممنوع دولياً من التسلح ومواجهة العدو لأسباب يعرفها الجميع، خصوصاً وأن لبنان يعاني منذ قيام هذا الكيان سنة 1948، ولا عن عدم توافق اللبنانيين على المقاومة أثناء الاحتلال ودورها في التحرير، إذ أن الاعتراض عليها وعلى سيرورتها لم يتوقف يوماً واتهامها بالتسبب بإيذاء الجنوب وأهله، ولا عن الادعاء بتسلط الطائفة الشيعية منذ تفوقها عسكرياً في الميدان اللبناني.
لا شك أن ما تعرضت له المقاومة آلمها بشدة كما آلم بيئتها الحاضنة، خصوصاً وأن ذلك حدث قبل العدوان الفعلي ما أضعف تحركها بشدة، لكن ذلك لا يعني أن المقاومة قد انتهت، والمعارك في الميدان على اختلاف توجهاتها تثبت ذلك، وإسرائيل لم تفعل شيئاً سوى القتل والتدمير والاغتيال. وهذا في علم الحروب لا يشكل انتصاراً حقيقياً إن لم يصاحبه تحقيق الأهداف المرسومة والغايات المنشودة. وإسرائيل لم تستطع تحقيق أي من أهدافها في غزة أو لبنان، مع الاعتراف بالخسائر البشرية والمادية المختلفة التي تسببت بها. واستمرار المقاومة بمواجهتها الضارية للعدو بعد كل النكبات التي ألمت بها من أقوى الأدلة على سقوط خطته وفشله في تحقيق غاية الحرب التي بدأها لأجلها.
إن الخسائر التي يعيشها العدو لا يُسمح بنشرها حيث التعتيم الإعلامي قائم بكل قوة لكيلا تهتز المعنويات في الميدان وعند المجتمع الإسرائيلي، وهذا ما يدل على أن العدو يتكبد خسائر بشرية ومادية كبيرة، فضلاً عن الملايين الملازمين للملاجئ عند كل صاروخ ومسيّرة والتي تجلب للقيادة هماً مضاعفاً، بالإضافة إلى عشرات الآلاف الذين تركوا بيوتهم والذين تزداد أعدادهم في كل يوم.
لو كنا نعيش في بلد طبيعي عادي لتحالف الجميع في هذا الوقت العصيب ولتركوا اللوم وإلقاء التهم إلى ما بعد الحرب والانتصار الذي لا بد آت، لكننا نعيش في مجتمع متلون مختلف الانتماءات لا يربط بين مكوناته شيء ولا توحد بين اختلافاتهم المصائب.
إن أكثر ما نحتاجه في هذه الأيام الصعبة الالتفاف حول المدافعين عن الأرض، الصابرين في العراء، المجاهدين في سبيل الله والوطن وأهله، وكلمة الخير يجب أن تقال لرفع المعنويات وإراحة النفوس وهدأة القلوب. فالعدو واحد، وسوف يُهزم الجميع دون استثناء لو انتصر، وسيعم الانتصار الجميع فيما لو انهزم، وانتصار 2006 دليل على ما ذلك. ونقول أخيراً كما قال طاغور من قبل: “خير للإنسان أن يشعل شمعة حب من أن يلعن لون العتمة”.