الاقتصاد الاسرائيلي نحو المجهول: مستقبل مظلم في المدى القريب والمتوسط (عماد عكوش)
بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
مرت سنة وشهر تقريبا على بداية عملية طوفان الأقصى، وأكثر من شهر على بداية الحرب على لبنان والتي بدأها العدو الاسرائيلي بعملية الاغارة التي نفذها على حارة حريك واستهدفت اغتيال سماحة الامين العام السابق للحزب السيد حسن نصر الله .
منذ ذلك التاريخ والكيان الاسرائيلي يتكبد خسائر كبيرة، سواء بالارواح من خلال المواجهات في العمليات البرية والتي تصدت لها المقاومة الاسلامية على معظم حدود قرى الشريط الحدودي ، او بالاقتصاد من خلال تعاظم الانفاق العسكري والخسائر التي يتكبدها في الضربات الموجعة للآلة العسكرية وخاصة دبابات الميركافا ، او من خلال تراجع اداء الاقتصاد وعلى كل المستويات ولكل القطاعات الاقتصادية ، سواء القطاع الزراعي ، الصناعي ، السياحي، والخدمات .
يعاني الاقتصاد الاسرائيلي اليوم من جوانب متعددة تؤدي الى ضعف أدائه وتراجعه ، وتسهم بعض هذه العوامل في أعادة تصنيفه الائتماني من قبل الكثير من وكالات التصنيف العالمية . من هذه العوامل ، الإنفاق الدفاعي ، الضرائب ، معدلات النمو ، الديون ، الاستثمار ، هجرة العقول ، ووضع القطاع العقاري .
الإنفاق الدفاعي وزيادة الضرائب
في الإنفاق الدفاعي المتزايد: إسرائيل تخصص جزءًا كبيرًا من ميزانيتها للإنفاق الدفاعي بسبب التحديات الأمنية التي تواجهها. ومع تزايد التوترات الأمنية في المنطقة، من المتوقع زيادة هذا الإنفاق، وقد بلغ حجم هذا الانفاق حوالي 27.5 مليار دولار في موازنة العام 2025 ، أما بخصوص العام 2024 فلا زالت الارقام غير واضحة وعرضة للتعديل بسبب استمرار الحرب ، هذا الامر سيؤثر حتما سلبًا على كل الموازنة .
في زيادة الضرائب وتخفيض النفقات: للحفاظ على استقرار الميزانية، لجأت الحكومة في موازنة العام 2025 والتي جرى تقديمها، الى زيادة الضرائب، وخاصة الضريبة على القيمة المضافة والتي تم رفعها من 17 الى 18 بالمئة ، والضريبة على القطاع المصرفي ، وتخفيض النفقات في القطاعات المدنية والاجتماعية . إلا أن زيادة الضرائب قد تؤثر سلبًا على الاستهلاك والنمو الاقتصادي ، حيث يشعر المستوطنون بثقل العبء الضريبي على قدرتهم الشرائية.
النمو الاقتصادي المتوقع وحجم التراجع
التباطؤ في النمو : تتوقع التقديرات بأن النمو الاقتصادي سيشهد تراجعًا مقارنة بالسنوات السابقة ، وقد يبلغ معدل النمو خلال العام 2024 تقريبا 0.4 بالمئة ، حيث تشير التوقعات إلى نمو بطيء بسبب عوامل محلية وخارجية ، كما يتوقع ان يبلغ هذا المعدل عام 2025 في حال انتهت الحرب حوالي 4.3 بالمئة .
تأثيرات التراجع الاقتصادي : التباطؤ الاقتصادي سيؤثر على النشاطات الاقتصادية ، وقد يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وهذا ما حصل. لكن استبعاد الذين استدعوا من الاحتياط الى الخدمة العسكرية جعل نسبة البطالة غير واقعية وغير شفافة ، كما كان التأثير واضحا في قطاعي التجارة والصناعة ، وهو ما سيشكل تحديات اقتصادية كبيرة للحكومة والمجتمع.
حجم العجز في الموازنات المتوقعة لعامي 2024 و2025 :
تشير التوقعات إلى عجز متزايد في الميزانية للعامين المقبلين ، حيث تزيد الأعباء المالية على الحكومة نتيجة تزايد النفقات وتقليل الإيرادات. ومن المتوقع ان تصل نسبة العجز في نهاية العام الحالي الى 9 بالمئة من الناتج القومي، وهذا رقم كبير يصل الى حوالي 45 مليار دولار اميركي . هذا العجز المرتفع في الميزانية سيؤدي بالتأكيد إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد ، ما قد يتطلب تمويلًا إضافيًا.
زيادة الدين العام وتكاليفه على الاقتصاد
من الطبيعي ان يؤدي العجز في الموازنة الى زيادة في الدين العام ، وهذا الامر سيؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع في تكلفة الدين مع ازدياد معدلات الفائدة. وقد تجاوز الدين العام الاسرائيلي 345 مليار دولار بتكلفة سنوية تصل الى حدود 17 مليار دولار . ان تكلفة الدين العالية تعني أن جزءًا كبيرًا من الميزانية سيوجه لسداد الفوائد ، مما يقلل من القدرة على الإنفاق في القطاعات التنموية. ان ارتفاع تكاليف الدين يضعف من قدرة الاقتصاد على تمويل المشاريع الحيوية ويزيد من احتمالات تأثر الاقتصاد سلبًا على المدى الطويل.
تراجع الاستثمار في القطاع التكنولوجي
يعتبر قطاع “الهايتك” من أهم ركائز الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أنه يشهد تراجعًا في حجم الاستثمارات نتيجة الظروف الاقتصادية. وكان ابرز هذا التراجع هو تراجع شركة “انتل” عن استثمار بقيمة 25 مليار دولار لانشاء مصنع للرقائق الحديثة ، وتراجع شركة “نفيديا” عن انشاء مركز للابحاث في الذكاء الاصطناعي بقيمة 1.5 مليار دولار . هذا التراجع يؤثر على الابتكار والتنافسية، وقد يحد من نمو الاقتصاد ويؤثر على الإيرادات الحكومية.
هجرة العقول وأصحاب الكفاءات
إن زيادة الضرائب ، تراجع الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا ، والوضع الاقتصادي العام، قد يدفع العديد من الكفاءات للهجرة بحثًا عن فرص أفضل . ان هجرة العقول تؤثر سلبًا على الاقتصاد ، حيث يتم فقدان الخبرات والمهارات التي تسهم في تطوير الأعمال والابتكار ، وإن عدم الشعور بالأمان جعل من فكرة الهجرة هاجسا لدى كل المستوطنين، وهذا يفقد ميزة هذا الكيان ويجعل أركانه تهتز مع كل حدث أمني كبير .
قروض القطاع العقاري ومخاطر عدم القدرة على السداد
يشهد القطاع العقاري تضخمًا في القروض ، ما يزيد من مخاطر عدم القدرة على السداد. وقد بلغت قيمة محفظة القروض العقارية للمصارف الخمس الكبرى 242 مليار دولار، وهو رقم يوازي حوالي 47 بالمئة من الناتج القومي ، وفي حال استمرار التباطؤ الاقتصادي أو ارتفاع معدلات الفائدة ، قد يعاني القطاع العقاري من أزمة سيولة، ما يزيد من مخاطر تأثيره السلبي على الاقتصاد بشكل عام.
في النهاية ومع استمرار هذه الضغوط المتزايدة على الاقتصاد الإسرائيلي ، يصبح الحفاظ على الاستقرار تحديًا كبيرًا ، خاصة مع تراجع معظم المؤشرات الاقتصادية التي ذكرناها ، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع القدرة على تمويل المشاريع الجديدة وتقليل فرص الاستثمار في القطاعات الحيوية ، وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن الاقتصاد الإسرائيلي قد يواجه صعوبات كبيرة في الصمود على المدى المتوسط ، وربما يكون في حاجة ماسة إلى سياسات مالية مرنة وإصلاحات اقتصادية تساعد في التخفيف من وطأة الضغوط والتحديات المطروحة ، هذه الاصلاحات والتحديات لا يمكن تنفيذها بمعزل عن الواقع العسكري الذي تشهده المنطقة، وبالتالي ما لم يتم العمل على معالجة هذا الواقع فإن مستقبلا مظلما ينتظر هذا الكيان على المدى القريب والمتوسط .