رأي

الآمال الحكومية والأوهام ..والميدان!(ميلاد السبعلي)

 

كتب د. ميلاد السبعلي – الحوارنيوز

 

كنا كتبنا منذ 22 أكتوبر، مقالاً بعنوان “هوكستاين، وداعاً”، قلنا فيه أن نتنياهو لن يقدم هدية الى الإدارة الديمقراطية في أميركا، تستفيد منها في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 5 نوفمبر، لاستمالة أصوات الاميركيين من أصل عربي وإسلامي، والشباب والطلبة الأميركيين، وتيار اليسار في الحزب الديمقراطي، الا إذا تأكد في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات، من فوز هاريس على صديقه ترامب. وهذا ما لم يحصل حتى الآن، إذ تشير الإحصاءات المتخصصة بالانتخابات الرئاسية الأميركية الى تقارب كبير بين هاريس وترامب. وعليه، قال الرئيس بري لهوكستاين، ما معناه: وداعاً، ونلقاك بعد انتخاباتكم، إن كنت ما زلت في موقعك.

 

وأتبعنا ذلك المقال، بمقالين حول اليوم التالي وضربة إيران، حللنا فيهما سيناريوهات تطور الأحداث، واستنتجنا أن الأمور ذاهبة الى استمرار العدوان الى ما بعد الانتخابات الأميركية، والأرجح، الى ما بعد استلام الرئيس الأميركي الجديد لمهامه. فإن فاز ترامب، سيعطي نتنياهو فترة سماح حتى ما بعد استلامه، أي حتى شباط 2025. وإن فازت هاريس، ستقوم بمتابعة المحاولات لإقناع نتنياهو بقبول صفقة لوقف إطلاق النار، خاصة وأن الخسائر التي يتكبدها كيان العدو من استمرار العدوان، برغم التدمير الشامل والجرائم المتمادية، تزيد مع استمرار الحرب، ليس فقط عسكريا، بل أيضاً اقتصادياً واجتماعياً. ويترافق ذلك حالياً، مع جهود عربية وإقليمية، تقودها السعودية، التي حسمت أن لا تطبيع مع إسرائيل سوى بتحقيق دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بشكل مطلق. وهذا ما يحرم الإدارة الديمقراطية أيضاً من الإغراء الذي قدمته الى نتنياهو مقابل قبوله لوقف اطلاق النار في غزة ولبنان، أي التطبيع مع السعودية بدون شروط.

 

بالتالي، على الدولة في لبنان، عدم الانخداع مجدداً بسراب وعود الإدارة الأميركية الحالية، بتحقيق وقف إطلاق نار في لبنان، قبل الانتخابات الأميركية، بناء على شروط نتنياهو، الذي يريد فرض شروط المنتصر في الحرب في وقت الميدان ينبئ بعكس ذلك. فما لم تستطع أن تحققه كونداليزا (رايس) وإدارتها، بالتهويل والضغط، في 2006، لن تستطيع أن تحققه ليزا (جونسون) وإدارتها في 2024.

 

وبالتالي، يجب أن تكون الخطط الدبلوماسية والإغاثية في لبنان مبنية على حقائق الواقع السياسي والعسكري، لا على الوهم والتمني. وهنا يبرز ضعف كبير في حكومة تصريف الأعمال، التي هي أقرب الى إدارة بلدية تتلقى التوجيهات والمساعدات، وتشرف على توزيعها، دون أي فكر سياسي أو خبرة أبعد من كون أعضائها رجال أعمال أو إداريين مهنيين أو وزراء بالصدفة الطائفية.

 

وقد بدا رئيس الحكومة في مقابلته التلفزيونية البارحة، مغتبطاً بأنه تحدث للتو مع هوكستاين، القادم الى كيان العدو في محاولة تحسين شروط المعركة الرئاسية لإدارته في أميركا، وليس شفقة أو دعماً للبنان، ووقف العدوان الإجرامي المتمادي. وأشاع حديث رئيس الحكومة آمالاً زائفة بقرب التوصل الى وقف لإطلاق النار، وبذلك كشف عن ضحالة في فهم التعقيدات السياسية الدولية، وظروف الحرب القائمة، وتمنيات قائمة على نجاح الموفد الرئاسي الأميركي، وغير مرتكزة الى نقاط قوة أو خبرة تفاوضية. واستقوى بذلك للحديث عن سحب سلاح حزب الله الى شمال الليطاني وتطبيق القرار 1701، مقابل وقف إطلاق النار في لبنان، شأنه شأن نواب الصدفة وبعض الأطراف اللبنانية، التي كانت تتمنى منذ 4 أسابيع أن ينجح الإسرائيلي بالوصول الى نهر الليطاني أو حتى نهر الأولى في غضون أيام قليلة، وفرض رؤية السفيرة الأميركية لحكم في لبنان لا وجود فيه لحزب الله، أو رؤية نتنياهو لشرق أوسط جديد، كنسخة طبق الأصل لرؤية كونداليزا رايس في 2006. وكذلك هي مواقف هيئة الطوارئ والوزارات المعنية، مثل وزارة التربية، التي تعتمد في خططها لإطلاق العام الدراسي، على تمنيات وفرضية وقف اطلاق النار خلال أيام.

 

جاء هوكستاين، والتقى نتنياهو، الذي صرّح بأنه يقدّر الدعم الأميركي، ويقول لأميركا نعم عندما يكون ذلك ممكنا، ويقول لا عند الضرورة!

إذاً، علينا أن نتجهز لمرحلة من التصعيد والتدمير، قد تستمر لبضعة أشهر، ونعدّل خططنا الدبلوماسية والإغاثية على هذا الأساس، بعيداً عن التفكير الاستمنائي والركون الى الوعود الأميركية واعتبارها قدراً محتوماً، وبعيداً عن ضحالة الفكر السياسي السائدة في بعض أوساط الحكومة والمجلس النيابي وعدد كبير من السياسيين عندنا.

 

ويبقى التأثير الأعلى خلال هذه المرحلة هو للميدان، الذي يواكب ما يحصل في المنطقة من تحضيرات للمرحلة القادمة، بعيداً عن حملات التهويل وإشاعة الهزيمة وأوهام التغيير بالدبابة الإسرائيلية، التي بالكاد تستطيع أن تغيّر الواقع السياسي اللبناني إذا وصلت الى بيروت، كما حاولت في 1982، فكيف إن كانت ما تزال عالقة في قرى الحافة الأمامية عند الحدود؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى