اجتماعياتمنوعات

مبادرات فردية من إيطاليا: توضيب دفء مُعد لنازح في لبنان (هدى سويد)

 

هدى سويد – إيطاليا – الحوارنيوز

لا أدري ما يمكن القول أمام مصاب وقهر العائلات اللبنانية التي يطال عددها أكثر من المليون والتي، اضطرت قسرا لمغادرة بيوتها ونزوحها إلى مناطق أخرى تحت وطأة بربرية  القصف الاسرائيلي المستمر في كل المناطق اللبنانية،و  ينتمي معظمها تحديدا إلى الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت،الجنوب والبقاع .

البعيد مثلي لا يمكنه سوى تتبع الخبر والتقاط ما يصل من الصور لما تم انجازه من دمار ومجازر .

البعيد مثلي لا يسعه سوى المتابعة والاستماع إلى شجون من تركناهم هنا.  الاستماع إلى هدير المسيّرات ” الدرون”المستمرة  وما يحدثه نفسيا من رعب ليلا ونهارا، أتلقفه عبر هاتف شقيقة لي، هو الهدير الذي يُعد أهداف جرائم  قصفه الليلي والنهاري على حد سواء .

عشت الحرب في لبنان على مدى عشرين عاما وشهدت ما شهدته انسانيا ومهنيا، مغامرة في التغطية في معظم المناطق اللبنانية حينذاك كأي زميل ، يغمرني ويوجهني عشق الوقوف كشاهد في نقل ما تراه عيناي للقلم .

أليوم يتحكم بي البعد الجغرافي ولا  أدري ان كنت في المكان سأقدر على التحرك كما كنت عليه بالأمس  أم لا بحكم عجلة المجازر وخارطتها.

هالني النزوح ورؤية أبناء بلدي ينزحون .لا أنسى القتلى والجرحى  ، وأن اللبنانيين يفترشون شواطئ البحر عراة بانتظار إيوائهم ، وهي مشاهد ربما اعتدنا على آلام مشاهدتها ومعاناة نازحيها  في الضفة وغزة .

أعلم أن علينا العمل على جميع الأصعدة لتأريخ ما يحصل كصحافيين بالكلمة والصورة ، وأعلم أيضا أن علينا عن بعد المساهمة ولو ببساطتها .

وضعني النازحون  في قيود لم أشهده ، أود أن أفعل شيئا ، ووجدتني مدعوة على عجل للإتصال بكلاوديا الصديقة المتطوعة الإيطالية ، سألتها عما إذا كان بوسعي التحرك والعمل لمساعدة النازحين . اتصلت كلاوديا بالجهة المسؤولة الممثلة بجان كارلو روفاتي في مدينة “بريشا” وجاءت الموافقة . في اتصالي هذا علمت أن الرهبانية المارونية اللبنانية تنسق عبر موفدين، منهم  الأب شربل خوري الذي يعمل في إيطاليا على جمع مساهمات إنسانية  منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في لبنان وفي مقدمها الأدوية والمواد الغذائية .

اتصلت بصديقات لي سارعن للمساعدة منذ لحظة تواصلي معهن،   وانتهز المناسبة هنا معبرة عن امتناني وشكري لكل من الدكتورة الجامعية باولا، بربارة ،  جوفانا، كريستينا ، الطبيبة المتقاعدة  مارا وزوجها نيدو الذي عمل ككولونيل صيدلي في اليونيفيل أثناء حرب العشرين عاما في لبنان . ماري  وصديق لبناني عزيز هو الجراح علاء الدين الذي قام بكل وسعه لتأمين حاجيات كثيرة بالتنسيق مع زملاء له في مستشفى بونتريمولي حيث يعمل ما يقتضي شكره وشكر المستشفى ، ولا بد من ذكر أن البعض  لم يتوان في المجيء لنقل ما أمكن من مساعدات، يدقون بابي مساء بعد انتهائهم من أعمالهم  وانشغالهم. 

تحول رقم الأصدقاء أشبه بقرية ، إذا ما نظرنا إلى حجم المساعدة الإنسانية التي تلقيتها للبنان من مواد غذائية عبارة عن حبوب جاهزة من حمص ، فول وعدس  ، عصير بندورة ، سكر ، معكرونة ،  أرز ، حليب ، بسكوت ، خبز ، حفاضات وألعاب لأطفال ، ملابس ، بطانيات ، مناشف أغطية .

كانت فرصة حميمية برؤية التحرك الإنساني السريع الذي تحوّل معه بيتي إلى حالة طوارئ ، انتابني خلالها شعور متشابك :

البكاء من الألم على توضيب معد للتوجه إلى لبنان متمنية من التوضيب المعد هذا أن يوضبني وينقلني معه !

متمنية في الآونة نفسها أن تلقى  هذه التجربة نفعا ومؤازرة لدى النازح وما يلقاه من ألم وقلق  بعيدا عن سقف بيته.

 بمسافة تبعد عن بيتي حوالي الثلاث ساعات ، قدم في الصباح الباكر كل من المتطوعين جوفاني ، كلاوديا وإليزابيتا، شحنوا الصناديق وأصبح البيت فارغا من كل ما أضفى عليه من حركة تضامن ودفء على مدى أيام .

وبانتظار اكتمال الكمية والوزن الكفيل من متبرعين آخرين أفرادا ومؤسسات ، في ما يتعلق تحديدا بالمواد الغذائية كي يتم شحنها بحرا نحو مرفأ بيروت ،وبالتالي نحو رعية مار مرقس في جبيل ، فمن المعلوم كما أفادني الأب شربل ان في جبيل حوالي العشرة آلاف نازح وتقوم الرعية بتوزيع المساعدات الإنسانية دوريا لحوالي 1300 عائلة شهريا ،اضافة لكل من يدق بابها ، هذا وأكد لي من جهة أخرى بأن نقل الأدوية لا يعترضه اجمالا هذا التأخير.

  من ناحية أخرى تجدر الاشارة كما أكد  جان كارلو روفاتي وكلاوديا  أن جمع التبرعات والهبات لا يتوقف عند هذا الحد،  وانما يتطلب الامر وقتا لتوضيبها هنا في إيطاليا  وتوزيعها كعينات لكل محتاج قبل نقلها إلى لبنان . وأوضح لي  الاب شربل ان تكلفة  الكونتينر قد ارتفعت في الفترة الأخيرة ،فبينما  كانت عبارة عن 1500 يورو عند بدء الحرب في غزة تصل اليوم إلى ما بين أربعة وسبعة آلاف يورو.

أرجو وصول المساعدات هذه مع غيرها من المساهمات الإنسانية الموضبة   في بريشا – بالسرعة  الممكنة إلى مختلف النازحين مكرمين معنويا نفسيا ووطنيا . يتبادر للذهن للأسف ما تفعله إسرائيل من اذلال للشعب الفلسطيني سواء بمنعها للمساعدات أو بقتلها للنازحين عند سماحها بدخولها ، تعطيهم كي تقتلهم مرتين .

المساعدات نقطة في بحر النازحين ،  نقطة في بحر مأساتنا.                          .

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى