لن نقول… وداعاً لبنان(نبيه البرجي)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
لن نقول وداعاً لمنازلنا، لأزهار الليلك أو لأزهار الخزامى، وهم الذين يقتلوننا لنقول… وداعاً لبنان!
أكثر من أن يكون درامياً مشهد مئات آلاف السيارات تقل الهاربين، وأنا منهم، من الجحيم الى نوع آخر من الجحيم أو الى نوع أخر من لبنان.
لبنان الكانتونات القبلية أو الطائفية، كواقع أزلي بالرغم من ذلك الدستور الرث، وبالرغم من كل ما يردده ببغاءات (وغربان) الشاشات.
للمرة الأولى أشعر أن قضيتي هي اللاقضية. أمة ميتة كيف لها أن تنتج قضية قابلة للحياة. الايرانيون الذين شغلوا أعصابنا بصرخاتهم وبتهديداتهم، يغازلون الأميركيين. اكتفوا حتى الآن على الأقل بالتنديد، ولا ندري إذا كانوا قد بدأوا بتوزيع أطباق الطعام على من لا يمدون يدهم الى أي كان، ولو قضوا جياعاً في العراء.
هؤلاء هم أهل الجنوب وأهل البقاع وأهل الضاحية، برؤوسهم التي لم تطأطأ يوماً في منطقة أو في عالم، قام على القهر وعلى العبودية، وعلى استنزاف أرواح الآخرين، لنسأل لماذا لم يمنع الله قايين من أن يقتل هابيل، الا إذا كان قد شرّع أبواب وقوانين الدم. ألا يقتل الجنرالات (“الحاخامات” بالملابس المرقطة)، وباسم الشريعة كل مَن يحاول أن يبحث له عن مكان في الهواء، ولا نقول عن مكان في التراب؟
لا نريد من العرب ولا نريد من الآخرين، البكاء من أجلنا (ضحايا الهباء). هؤلاء الذين لا ينظرون الينا الا كوننا الطحالب البشرية، دون أن يعنيني من يرون الله في القباب أو في المآذن، لا في القلب ولا في الرؤية (والرؤيا)، حتى لو قيل ان مَن يرفع بيديه القضية الفلسطينية كمن يرفع بيديه جثة ياسر عرفات.
كيف لا يجعلك الهروب، مثل أي فأر ضال، من منزلك، ومن صورة أمك وأبيك، كومة من العظام على أرصفة القبائل أو على أرصفة الأمم؟ لا أحد يجيبنا الآن لماذا نقتل ولماذا نهرب، ولماذا نضيع بين غرف الفنادق، أو بين جدران المدارس التي وجدت لتضيء أمامنا الطريق الى الحياة، لا الطريق الى الموت؟
لكننا ما زلنا نقف على اقدامنا، وان وقف العرب وان وقف العالم الى جانب القتلة، الآتين للتو من أقاصي جهنم، لا مع الضحايا الذي يبحثون بين أنقاض منازلهم عن الله، الذي طالما قيل لنا انه يوجد في كل شيء، وحتى في ضحكة عاشق وعاشقة.
كيف لنا أن نتصور، والقاذفات تسحق أعصابنا قبل أن تسحق أرواحنا، ما كان احساسنا في تلك اللحظات التي نبحث فيها عن جدار يمد لنا يده. أجل للجدار قلب. الآخر ان كان بالنص التوراتي أو بالنص الانجيلي أو كان بالنص القرآني، لا قلب له، كما لو أن الله لم يصنع قاماتنا ليحاول من نصّبوا أنفسهم ورثة الله، تحويلنا الى قردة. هل تصل الى السماء صلوات وأدعية القردة؟
أنا الآن نازح كالسوري، لاجئ كالفلسطيني. لا أرض ولا وطن ولا قضية. قضيتي هي الآخرون الذين يسقطون وأطفالهم أمام التسونامي التوراتي (تسونامي الهمجية). قضيتي الحياة، وقد أمضينا كل تلك القرون تحت أنقاض الأزمنة، وتحت أنقاض الآلهة. ما من مرة تمكنا من أن ندق على باب فلسطين، إذا كنتم قد تعرفتم على أبو الجماجم وأبو الهول وأبو الزعيم، وهم يكافحون تحت الثريات أو في ليل الغانيات.
لقد علمني الله، وعلمتني الأديان، بثقافتي المركبة وبديانتي المركبة، أن أكون الآخر، لا أن أكون الجثة. هل نزل الأنبياء ليدلونا على الانسان (وعلى الله) الذي فينا؟ أم ليدعونا للإقامة على تخوم العدم؟
أقبل أن أكون هابيل، والسماء تخجل من نظراتي العاتبة أو الغاضبة، أي ان أكون الفلسطيني الحقيقي، وأن أكون اللبناني الحقيقي، لا الغراب الذي بأجنحة الملائكة، ولا الساجد بعباءة أبي لهب. هذه أمة، وبما تعنيه الكلمة، حمّالة الحطب. يا لعارنا حين يسأل صديقنا جيل كيبل “حقاً كيف بقيتم أربعة قرون تلهثون وراء أحصنة السلطان العثماني”؟
الآن قرن من اللهاث وراء حصان الكاوبوي، لأسأل أباطرة القرن وآلهة القرن، هل تمكنتم بآلاف القاذفات القضاء على الفيتكونغ في فيتنام، وعلى طالبان في أفغانستان؟ أم خرجتم زحفاً على ظهوركم؟
بالرغم من تلك الكمية من اليأس ـ وعلى الطريقة الأندلسية ـ ومن الضياع ومن الخيبة، أجمل ما فينا وأجلّ ما فينا، أمام من يعمل لإزالة لبنان ولإزالة اللبنانيين، اننا مقاومة!!