لماذا تُكثر إيران من تصريحات التهدئة تجاه أميركا ؟(جواد الهنداوي)
بقلم السفير الدكتور جواد الهنداوي – الحوار نيوز
تصريحات علنيّة ، تَرِدُ وتتكرّر على لسان رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان ، وتستحق وصفاً اكثر من ” تهدئة ” .
هذا في العلن ،أما في السّر ، وعبرَ الوسطاء ، فالأمور تتجاوز التصريحات إلى تفاهمات مُجدية ومُفيدة ،لا اقول مفيدة لأمن واستقرار المنطقة ،لأنه ،و الواقع يشهد ،لا أمن ولا استقرار في المنطقة في ظل حرب ابادة ،تُنذرُ بالتوسّع ،وحكومة صهيونية فاشية مُتمرّدة على العالم والإنسانية ، و متحرّرة من مساءلة و مسؤولية دولية او أُممية ، ولكنها ( واقصد التصريحات ) مُفيدة للحيلولة دون توسّع وانتشار الحرب جغرافياً ،وعلى الاقل في الوقت الراهن .
من بين التصريحات ،ما قاله الرئيس الإيراني مُعقباً على الصاروخ ( فرط صوتي ) ، الباليستي الذي ضربَ تل أبيب ،قادماً من اليمن و قاطعاً مسافة 2049 كيلومترا ، متجاوزاً كل الدفاعات الجوّية ، بتاريخ 2024/9/15 : قال الرئيس الإيراني ،في أول مؤتمر صحفي كبير يوم الاثنين ،الموافق 2024/9/16 ، ان إيران لم تقدم صاروخ فرط صوتي للحوثيين ، هم يصنعونه بأنفسهم . ولكن الرئيس الايراني لم يتردّد في ذكر التنسيق و التعاون بين ايران و الحوثيين ،ولم يتردّدْ في انتقاد سياسة ازدواجية المعايير ،والتي يتبعها الغرب تجاه ما يجري في غزّة ،حيث تمد امريكا كل أنواع الأسلحة المدّمرة لإسرائيل ، وتدعمها في المحافل الدولية والامنية ،وتحميها من المساءلة .
و تجدر الاشارة ،ونحن في صدد صناعة الأسلحة في اليمن ، بأنَّ اليمن استفادت كثيراً من خبرات عسكرية ،نقلها اليها مهندسون و عسكريون عرب ،لجأوا اليها ،هرباً من الأمريكيين والاسرائيليين ، ومن حملات التصفية ،والإرهاب التي عصفت بالمنطقة .
قال ايضاً ” نحن لا نقاتل امريكا في حال احترمت حقوقنا ، ونحن لا نريد ان نقاتل احداً ،نريد التقدم بكل أمان ” . و اضاف :”نحن لا نسعى للحصول على اسلحة نووية ،و احترمنا اطار الاتفاق المبرم عام 2015 ، بين ايران والقوى الكبرى بشأن برنامج طهران النووي ” .
تصريحات الرئيس الإيراني ، غير الاستفزازية ، و الداعية إلى التهدئة تتوافق وتتطابق مع سياسة إيران الدولية وفي المنطقة . لا تناقض او اختلاف بين ما يصّرح به الرئيس والسياسة المتبعة ، ولكن حرصْ الرئيس على تجنب التصريحات الاستفزازية ،وتبني تصريحات تهدئة وغير عدائية تجاه امريكا مرده إلى ثلاثة اعتبارات :
أولاً، لتبيان جديّة ايران نحو اسقاط خيار الحرب في المنطقة ،وهذا ما تريده ايضاً امريكا ،في الوقت الراهن . ولكن هناك فرق كبير بين ما تريده ايران وما لا تريده أمريكا . فما هو ؟
أيران و المقاومة ،بمختلف فصائلها ومراجعها و جغرافياتها مرتاحون لاستنزاف إسرائيل عسكرياً واقتصادياً و اجتماعياً ، كل يوم يأتي وإسرائيل اضعف بكثير من الأمس ، وتتجه إسرائيل بخطوات نحو التفكك السياسي والاجتماعي ،واليوم قد يعلن نتنياهو عن وزير دفاع جديد ،اكثر تطرفاً وإجراماً من السابق . امريكا لا تريد حرب الاستنزاف ،لانها تدرك اثارها المُدّمرة عليها وعلى اسرائيل .
ثانياً ، التهدئة و التصريحات الحيادية و المسؤولة للرئيس الإيراني الجديد ،هي ،على ما يبدو ، صنعة الرئيس الجديد ،او موضة الرئيس الايراني الجديد . يريد الرجل ان تكون فترة رئاسته مميّزة بالانفتاح والتعاون مع الخارج ، والانفتاح و التساهل في الداخل . عدول السيد ظريف ،كبير مستشاري الرئيس الإيراني ،ووزير خارجية إيران الأسبق ،عن استقالته ، وقبول تكليفه والعمل مع الرئيس ،دليل على ان سياسة الانفتاح والتعاون الاقليمي والدولي لايران هو الهدف الرئيسي لايران في هذه المرحلة .
ثالثاً ، مرور ما يقارب عام على طوفان الأقصى ، وبالرغم من المجاز و الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ، والدعم الغربي الذي تلقته ،لكنها لم تحقّق ايَّ انتصار ،و تعيش في حالة تخبط سياسي و عملياتي ،وتفكك . هي في حالة ضياع و ازدراء من شعوب و دول العالم ،و نتنياهو يرتكب حماقات و يطلق تصريحات انفعالية ،وقد بانَ للعالم تهورّه وخطره على المنطقة وعلى العالم . بالمقابل ، ترفدُ ايران العالم ( الخصوم والاعداء و الأصدقاء ) بمواقف وتصريحات هادئة وغير استفزازية ، و توصل رسالة إلى الغرب و دول العالم بانها دولة لا تتميّز فقط بالصبر الاستراتيجي ، وانما بالبرغماتية والحرص على المصلحة الوطنية ، بخلاف نتنياهو ،و الذي أقنع الاسرائيليين و العالم بأنه يريد مصلحته الشخصية .
نجحت إسرائيل في إقناع شعوب العالم وخاصة الغرب بأنها دولة مارقة .ومن ذا الذي ، مِنْ قادة الغرب ، لا يعرف بأن نتنياهو كذّاب ،ويعمل ليس لمصلحة إسرائيل ،و انما لمصلحته الشخصيّة .
تحرصُ إيران ،على ما أظن ، على ان يكون عهد الرئيس الحالي متميزاً بهدفين :
– ترسيخ مقومات السياسة الدولية لايران ،وهي الصبر الاستراتيجي ، والبرغماتية في أقصى مدياتها ، والمصلحة الوطنية .
- تسويق صورة اخرى لشعوب و دول العالم عن إيران : إيران القادرة على التفاهم مع الخصم ( امريكا ) ،بعكس إسرائيل المتمردة على الحليف و الصديق ( امريكا و الغرب ) ،ايران التي تحترم الالتزامات العلنية و السرّية ،بعكس إسرائيل الناكثة للالتزامات والعهود ( احتلالها لمحور صلاح الدين احدث شاهد) ،وقبل ذلك اتفاقيات أوسلو عام 1993 .