رأي

قراءة مستقلة في مشهد الصراع في المنطقة: هل يؤدي الصاروخُ اليمنيُّ إلى وقفِ الحرب؟(غازي قانصو)

 

بقلم  د.غَازِي قَانْصُو*- الحوارنيوز

 

 

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعدًا غير مسبوق في حدة الصراعات العسكرية الدامية، التي يخوضها العدو ضد شعوب المنطقة، قتلًا ودمارًا وتهجيرًا وما الى ذلك، لتتحول المنطقةُ إلى مسرحٍ دمويٍ تعصفُ به النزاعاتُ والحروبُ والتّهديدات.

 ومن بين أشكالِ العُدوان يبرز العدوانُ الحالي ضِدّ غزة والضفة ولبنان وسوريا واليمن والعراق، ما يؤدّي الى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، بل الى محاولة تغيير خرائطها الطبيعية والسياسية والبشرية.

 هذا، وتُقدَّر خسائرُ الأرواحِ في غزة وحدَها بخمسين ألف شهيد، فيما قتل حوالي ألف مواطن في لبنان، بالإضافة إلى دمار هائل في البنى التحتية والممتلكات. وعلى الجانب الآخر، وإن كانت الخسائر البشرية والمادية أقل نسبيًا، إلا أنها مؤثرة جدا، لا يستطيع العدوُّ أن يخفيها، مهما حاول، وبالتالي فإنّ أثمان الحروب لا تُحسب فقط بعدد القتلى، بل بالدمار الشامل الذي يلحق بالأرواح البشرية والمجتمعات والبنى التحتية والاقتصادات والتركيب الاجتماعي، وربما على كل أصعِدةِ الحياة البشرية.

 

وسط هذا المشهد المعقّد، جاء إطلاق صاروخ باليستي من اليمن العزيز منذ يومين باتجاه المنطقة، ليحمل في طياته رسالة متعددة الأبعاد لمن يهمه الأمر. الصاروخ، الذي قد يبدو في ظاهره تصعيدًا عسكريًا، يمكن اعتباره جزءًا من لغة التهديد المتبادلة بين أطراف النزاع. إلا أن قراءته في السياق الأوسع تحمل دلالات أكبر تتجاوز مجرد المواجهة العسكرية. فهو، بشكل أو بآخر، دعوة للتفكير العميق في مدى خطورة توسع دائرة الحرب.

 

إطلاق الصاروخ من اليمنِ العزيز لم يكن حدثًا معزولًا، بلا شك، بل هو جزء من سلسلة من الرسائل المتبادلة بين أطراف متعددة في المنطقة، وهو ايضا جزءٌ من الحربِ نفسِها. وكأن الصاروخُ يقولُ بصوتٍ عالٍ: “الحرب لا تعرف حدودًا، وإن استمرت، فإنها ستحرق الجميع دون استثناء، لا سيما الذين يظنون ان الحرب هي على غيرهم ولن يصلهم نارُها”..

هذا الصاروخ، بمدى وصوله وقدرته التدميرية، يقول: النارُ ايضا عليكم، والخوف ايضًا سيشمَلُكُم، وستعيشون تحت الارض في مساحة محدودة، او ستهاجرون إن تمكنتم من ذلك. انه يرمز إلى توسع دائرة الحرب من ساحات تقليدية إلى ساحات جديدة، قد تشمل مناطق ودولًا لم تكن في السابق ضمن نطاق النزاعات المباشرة، ومَن يستطيع ان يتحمل ذلك؟.. المسألة تحتاجُ تفكيرا بسيطا للتوصل الى إجابةٍ عُقَلائِيةٍ.

 

من وجهة نظر تحليلية، يمكن اعتبار هذه الحدث مؤشرًا على أن أطراف النزاع في المنطقة باتوا يدركون أن تكلفة توسيع الحرب ستكون باهظة للجميع. فالرسالة الواضحة من هذا الصاروخ هي أن دائرة الدمار لن تقتصر على منطقة معينة أو فئة معينة، بل ستمتد إلى الجميع، بما فيهم المناطق التي قد ترى نفسها في مأمن.

 

في ظل هذا التصعيد المستمر، والتهديد المستمر بتوسيع الحرب على جبهات اخرى، وكأنّ الحرب باتجاه واحدٍ، فالحقيقة انها ، اذا حصلت، ستكون بكل اتجاه، فالمسألةُ لا تحتاجُ إلى إلى شيءٍ كافٍ ووافٍ من استعمال العقل، وما بعدَهُ يأتي.

 

ومِن هنا تُطرَحُ تساؤلاتٌ حول المسؤولية الإنسانية والسياسية في إنهاء هذا النزيف المستمر للدم البريء بفعلِ الحروب الدامية على شعوب المنطقة السّاعين الى العيش الكريم في ارضهم وبين اهليهم وفاقا لحقوقهم بغير مِنّةٍ عليهم باتفاقيات المذلةٍ والدّونية، واتباع سياسة القتل والتدمير  والتسفير “ترانسفير”. ومن المعلوم انّ استمرار الوضع وتفاقمه يعود بشكل رئيسي إلى غياب إرادة سياسية لدى الدول الكبرى المتحكمة في هذا العالم بالقرارات الأولية وبالقوة العسكرية والمالية والاقتصادية والمخابراتية، في وضع حلول واضحة لحل النزاعات عبر مبادئ الحق ومعاييرِه، وليس غير ذلك.

 

إن أي دعوة إلى السلام، لا تكون جِدِّيَةً  وذاتَ قيمةٍ اذا لم يتوقف العدوان، ويتحمل اهلُ العدوان مسؤوليتَهم عن هذه المجازر الكبرى، التي يندى لها جبين الانسانية، وبالتالي يتطلب الامرُ إرادة دولية لتحرك سريع فوري، لوضع حدٍ لسفكِ الدماء.

كما أن الحديث عن وقف إطلاق النارمن دون النظر إلى الأسباب الجذرية التي تقود إلى هذه الحروب هو أمر غير مجدٍ. الحل الحقيقي يجب أن يقوم على معالجة الأسباب التي أدت إلى هذه النزاعات في المقام الأول، سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو اجتماعية.

 

يمكن أن يكون الصاروخُ اليمني نقطةَ تحولٍ في إدراك الأطراف المتنازعة لحجم الكارثة التي يجرّون المنطقة نحوها. هذه الحادثة قد تدفع الجميع للتفكير في العواقب الوخيمة لتوسيع الحرب، ومن المعلوم من يهدد كل يومٍ بتوسيع الحرب. وبالتالي قد تفتح الباب أمام تحركات دبلوماسية عالمية، يجب أن تتحرك، يجب أن يتكلم هذا العالم الصامت، يجب أن يتوقف عن غيّهِ هذا العالم المُشاركُ بالجريمة، يجب أن يعمل، وبسرعة، للإمساكِ بالأوضاع قبل أن تتفاقم أكثر.

 

رسالةُ الصاروخ كثيرة المعاني، لذلك سأكتفي بمعنًى واحدٍ، موجود في هذه المقالة. إنّ هذه الحروب الدامية المدمرة لن تؤدي إلى مستقبل آمن “للذين يحلمون بالأمن والأمان والسيطرةِ على المنطقة”، بل إلى مزيدٍ من الدم والموت والدمار والقلق والتهجير والهجرة، بكل الاتجاهات، ولا يحسبنّ العدوُّ انه بقوتِه، سيفلتُ من هذا، وهو يرى.

 

إن المجازر التي يقوم بها العدو، وتقتل أجيالاً بأكملها، وعائِلاتٍ بأكملِها، لن تصنع حفلاتُ الدّمِ هذه، إلا مزيدا من العداء والبغضاء، وبعد هذا يفكر هؤلاء أنهم سيتشاركون مع أهل المنطقة الأمن والسلام، وهم لم يزرعوا مُذ زُرِعوا الا العدوان والاغتيال والمجازر والتهجير والقمع بالسجون وبغيرها، وما الى ذلك. لا، لا، ما هكذا، تُبنى الحياةُ الانسانية، ولا هكذا تُرسَم خطوات التاريخ، فالذين فعلوا ذلك، انظروا ماذا حلّ بهم، هل داموا، هل استمروا، هل تمكنوا من مواجهة المتغيرات الكُبرى؟ هل يمكن لهم أن يواجهوا إرادة الله العظيم الأعظم،  العلي الحي، الذي هو الإله ولا إله سواه، أيتحدونَهُ في أرضِه،  وفي مُلكِهِ، وفي عيالِه؟! أنّى لهُم ذلك!

 

قد يُشَكِّلُ الصاروخُ اليمني رسالةً قويةً، فهل يُساهِم في تقريبِ اجتراحِ الحلول ووقف المجازر بحق الناس؟ الحل يكمن في وعي القيادات الدولية والمحلية بأن الحروب لا تخلق سوى المزيد من المآسي. إيقاف القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وبناء حلول دائمة ومستدامة، هي وحدها التي ستعيد المنطقة إلى مسارها الطبيعي، مسار الأمان والازدهار الذي طالما تطلع إليه شعوبها.

 

من هنا، قد يصحُّ السؤال: هل يؤدي هذا الصاروخ إلى تغييرٍ في المسار، أو يكون بدايةً لإدراك حقيقةٍ أعمق؟ أنَّ كل سلاح يُطلق في هذه الحرب، لن يُبقي أحداً بعيدًا عن لهيبِها؟

 

لن يتحقق الأمل إلا إذا أدرك الجميع أن السلام هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل إنساني مزدهر، لأجيال قادمة تستحق أن تعيش في أمان وعدل، بعيداً عن أهوال الحروب ودمارها.

 

خِتامًا، العالمُ اليوم يقف على مفترق طرقٍ خطير. إما أن يواصل السير نحو المجهول المظلم الذي رسمته الحروب المدمرة الظالمة الدامية من قِبل العدو وحلفائه العالميين من القوى الغربية، أو أن يختار الطريق الأكثر إنسانية، نحو السلام على أساسِ الحق، وحدَه الحق، فالحق لا يُعلى عليه، ولا شيء غير الحق، الحقُّ هو المقدّس، هو الذي ينبغي ان يسود، ولا شيء غيره، وهو معلومٌ غير مجهول، فغيره إن هو إلا باطلٌ، وكان الباطلُ زَهُوقا.

 

 

*أستاذ جامِعي، حِوارِي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى