حرب غزةسياسة

“حكم اليمين” ينتج “صورة قاتمة” لإسرائيل في الداخل والخارج (حلمي موسى)

 

كتب حلمي موسى من غزة:

كثيرة هي الشواهد على مدى التخبط الذي تعيشه اسرائيل في العام الاخير. ويشتد هذا التخبط عند مقارنته بما كان فقط قبل ايام من ٧ اكتوبر ولسنوات سابقة.

ومنذ تشكيل حكومة نتنياهو الاخيرة التي ضمت احزاب اليمين الاشد تطرفا بقيادة بن جفير وسموتريتش، بدا واضحا أن العربدة اليمينية سيدة الموقف. فهذان الحزبان توليا، ليس فقط وزارتي المالية والامن الداخلي، وانما ايضا ادارة شؤون الضفة الغربية في وزارة الحرب.

ورغم ان الحكومة كانت مستقرة الا انها كانت تجلس فوق فوهة بركان. وقد ظهر الصراع على أشده في كل ما يعرف بالاصلاح القانوني الذي مزق المجتمع الاسرائيلي ، وأيضا بالصراع على ادارة العلاقة مع الفلسطينيين والمستوطنات. وكان واضحا في النهاية ان يد سموتريتش كانت العليا، ليس بسبب قوة الأخير، وانما اساسا لأن سياسة سموتريتش كانت تمثل ليس فقط نتنياهو، انما ايضا اغلبية الليكود.

وهكذا فإن حكومة نتنياهو التي تفاخرت بأنها حكومة اليمين المطلقة، صاغت سياستها على قاعدة انها محرك العالم والقادرة على فعل كل شيء.

وجاء ٧ اكتوبر ليصدم اليمين واسرائيل عموما، وربما العالم بأسره، وليقول إن النجاح السابق محدود الضمان، وليس هناك من يضمن استمراره. واهم من ذلك انه ابرز حقيقة الازمة التي القى اليمين إسرائيل فيها.

لا يبالغ أحد ان قال إن الازمة شاملة، وهناك كثيرون يعتبرونها وجودية. وبلغ الامر بالرئيس الامريكي السابق ترامب للقول بأن اسرائيل ستزول خلال عامين ان فازت هاريس في انتخابات الرئاسة.

قول ترامب،  وان انطوى على مبالغة، يشهد على الانزياح المرتقب في الموقف الامريكي بعد ان تزعزعت الثقة باسرائيل في اوساط امريكية كثيرة، وبعد ان اصابت هذه الزعزعة بعض اوساط الحكم في امريكا وخصوصا في الحزب الديمقراطي. والعلاقة الاسرائيلية الامريكية احد اهم اعمدة الامن القومي الإسرائيلي، في الداعم والراعي ومصدة حماية اسرائيل سياسيا وعسكريا.

والحال ان مكانة اسرائيل في الامم المتحدة تشهد على انضمام دول غربية الى ما كان يعرف بدول عدم الانحياز، بالتنديد باسرائيل واعتبار سلوكها العام وحشيا وغير انساني.

واضيف الى ذلك موقف المحكمة الدولية والمحكمة الجنائية الدولية الذي عرى مكانة اسرائيل وجعلها في موضع مجرم دولي متهم بالابادة الجماعية والانتهاك المنهجي للقانون الدولي، وهو ما سيترك آثارا واضحة على مكانة اسرائيل خلال وقت قريب.

لكن كل ذلك يحدث خارج “القلعة” ، اما داخلها فالصورة ليست أقل قتامة.

خلافات شديدة حول اقرار ميزانية عامة بسبب التكاليف المبالغ فيها للحرب ،والتي لا تقل حتى الان عن ٧٠ مليار دولار. وهذا ما يتطلب من الحكومة تقليص النفقات وزيادة الضرائب وتوسيع الاستدانة، وبالتالي زيادة عبء خدمة الدين، وهذا يقود الى التخلي عن سياسة الرفاهية. ومن اول آثار ذلك تراجع قدرة اسرائيل على اجتذاب الاستثمارات واجتذاب مهاجرين جدد. وما هو اخطر من ذلك هو هروب الكثير من الاستثمارات والهجرة المعاكسة، وذلك لاعتبارات امنية واقتصادية.

كما ان الخلاف بين وزارتي المالية والدفاع على حصة الجيش من الميزانية بالغ الشدة، حيث ان كعكة الاقتصاد واحدة وكثيرة هي الجهات التي تحاول نهشها. وابرز هذا الخلاف رفض وزارة المالية تمويل صفقات لشراء طائرات واسلحة.

لكن كل ذلك يتقلص امام ما يبدو من خلاف بين الجيش ورئاسة الحكومة حول اليوم التالي وحول صفقة تبادل الاسرى. وتجري حاليا معركة اعلامية بشعة بين الطرفين يستخدم فيها كل طرف كل اسلحته وما يتوفر لديه من ذخائر. وطبعا هذه المعركة تستهدف الرأي العام الاسرائيلي.

ومعروف ان كثيرين في الليكود وبينهم نتنياهو، ارادوا ولا يزالون اقالة وزير الحرب غالانت لأنه متوافق مع موقف الجيش. لكن في نظر الجمهور الاسرائيلي ورغم تزعزع الثقة بالجيش الا انه في مكانة ثقة اعلى بكثير من مكانة نتنياهو والمستوى السياسي. وبحسب التقديرات هناك نوع من القطيعة بين غالانت ونتنياهو، وتقريبا لا يتحدثان مع بعض الا نادرا ومن خلال رسائل مكتوبة او مسجلة. وكذا حال الجيش في اجتماعاته مع الحكومة. والمهم ان غالانت يحمل موقفا بانه لن يستقيل من الحكومة وعلى من يريدون ذلك اقالته بانفسهم وتحمل تبعات ذلك. ومؤخرا تمت اشاعة موعد وتاريخ لاستقالة رئيس الاركان هاليفي وهو ما نفاه الناطق بلسان الجيش.

والكل يعلم ما جرى مؤخرا من نشر وثائق مزورة في صحف عالمية بهدف استغلال ما فيها في الصراع على الرأي العام. وسرعان ما اثبتت الصحافة الاسرائيلية الاغراض من جانب رئاسة الحكومة في تسريب هذه “الوثائق”. كما ان التقارير التي ينشرها الجيش عن انتهاء مهمته في رفح وفي محور فيلادلفي، بل وتقارير عن عدم اهمية محور نيتساريم وانه يثقل على الجيش ويجعله عرضة لضربات قاتلة من جانب المقاومة كلها اوراق ضغط ضد نظرية نتنياهو في استمرار الوضع القائم.

والجيش يخوض حاليا معركة صفقة التبادل على قاعدة وجوب التنازل بعكس نتنياهو واليمين.

كما ان الجيش يلوح طوال الوقت بالحرب مع لبنان، وهو يعلم ان امريكا لا تريد هذه الحرب، وتحاول منعها على قاعدة حصر المعركة في غزة وحظر نشوب حرب اقليمية.

كل هذه الخلافات واكثر منها على صعد سياسية وعسكرية واقتصادية واخلاقية، تضع اسرائيل حاليا في موضع الدولة المأزومة تاريخيا ووجوديا. المشكلة تقريبا أنه ليس في المحيط العربي من هو قادر على استغلال هذه الازمة وتحقيق مكاسب فورية جوهرية لأمتنا.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى