الغرق في لبنان… الغرق في جهنم (نبيه البرجي)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
هذا منطق السحرة لا منطق رجال الدولة، أيضاً منطق قطاع الطرق. الشعوذة السياسية والشعوذة العسكرية والشعوذة الاعلامية. لاحظنا أي نوع من النصوص التوراتية يلجأ اليها لتبرير سياسات ادارة الدم. أقرب ما تكون الى تعاويذ الكهنة في المعابد الوثنية.
منذ بداية القرن، رأى فيه السياسي اليساري يوسي ساريد كل مواصفات حفاري القبور، ليسأل اذا كان سيقود نفسه أم سيقود الدولة ذات يوم الى المقبرة، بشخصية البهلوان أو بأدائه ابان خدمته العسكرية، أو بعشقه للشاشات كأي راقصة من الدرجة الثالثة، وهو الذي انتقل من حزب العمل الى الليكود بكراهية ساحقة الى كل من اسحق رابين وشمعون بيريز.
المعلقون “الاسرائيليون” هم من يقولون أنه بإدارته الحرب (الحرب المجنونة) ضد غزة، كمن يطلق الرصاصة على الرأس، بإضاءتها كل نقاط الضعف السياسية والعسكرية في الدولة العبرية. احدى اللافتات التي رفعت في تظاهرات “تل أبيب” أظهرته على شكل هيكل عظمي.
ولكن من خلال المقالات، ان في الصحف “الاسرائيلية” أو في الصحف الغربية، أو من خلال التصريحات الكثيفة التي تصدر عن ساسة وعسكريين من شتى الاتجاهات، نستخلص كيفية رؤيته للتطورات وللاحتمالات.
تجاهل كلي لحالة الانهاك، وحتى الاستنزاف للمؤسسة العسكرية، التي لم يكن لها أن تبقى في الميدان لولا الامدادات الأميركية اليومية، ولولا الاحداثيات الأميركية. كذلك اغفال مطبق لنزاعاته مع أركان المؤسسات الأمنية، وحيث للجان التحقيق أن تكشف حقائق مروعة ان حول عملية طوفان الأقصى، أو حول التطورات التي أعقبت ذلك.
على جبهة الشمال، التهويل اليومي بالحرب عبر مظاهر الخراب في المراكز العسكرية والصناعية في الجليل. بطبيعة الحال للتهويل خلفياته التكتيكية والاستراتيجية. أمام فريق عمله المصاب مثله بالعمى، ان حرب الاشهر الـ 11 المنصرمة، أظهرت الثُغر القاتلة في وضع المقاومة. وهذا ما اتضح من الاغتيالات التي استهدفت وبمنتهى الدقة، قيادات نوعية وفاعلة على الأرض.
في رهاناته أيضاً، أن تفجير الجبهة من قبل المقاومة أدى الى تعميق التصدعات السياسية والطائفية في لبنان الى حدود الانفجار، الذي لا بد أن يفضي الى تفكك الدولة، بجهوزية بعض ملوك الطوائف الى انتهاز ظروف الحرب، واعلان قيام دويلاتهم، لا كانتوناتهم الخاصة. بعبارة أخرى، ان هشاشة المشهد اللبناني (شيء ما يشبه الركام) هي احدى الأوراق الاساسية في التوجه الى الحرب.
نتنياهو واثق من أن ادارة جو بايدن التي يرى فيها المراقبون أكثر من أن تكون البطة العرجاء، الذبابة العرجاء، لا تستطيع البتة الا أن تكون الى جانبه في الميدان، خصوصاً إذا تدخلت إيران، أو إذا ما أدت صواريخ حزب الله الى احداث حالات كارثية، قد تهدد وجود “اسرائيل” التي طالما توجست من الهجرة المضادة. ايهود أولمرت الذي رأى أن “اسرائيل” على وشك أن تخطو الخطوة الأخيرة نحو الحرب الأهلية، اعتبر أن خروج حقيبة واحدة من مطار بن غوريون لا بد أن يستتبع تكدس حقائب “الاسرائيليين” على أرصفة المرافئ.
اللافت هنا تشكيكه في المشاركة الايرانية في الحرب. في نظره أن آيات الله الذين يولون بقاء نظامهم الأولوية المطلقة، يدركون أن الائتلاف الراهن لن يتردد لحظة في اللجوء الى “القوة القصوى”، أي الى الخيار النووي، وهذا ما تعكسه تعليقات الصحافيين الناطقين باسم ذلك النوع النازي من اليمين.
هؤلاء يرون أن قادة الجمهورية الاسلامية على بيّنة كاملة من المدى الذي بلغه الاحتقان الاقتصادي، واستطراداً الاحتقان الاجتماعي في بلادهم. في هذه الحال، ما من أحد يمكنه احتواء التظاهرات التي يمكن أن تفعل ما فعلته تظاهرات عام 1979، والتي أدت الى ازاحة الشاه محمد رضا بهلوي عن العرش.
هذه رؤية نتنياهو. لكن الجنرالات يعتبرون أن الأولوية الآن لاستيعاب التطورات في الضفة الغربية. هم يتساءلون ماذا يمكن أن يحدث إذا شننّا الحرب ضد لبنان، لنفاجأ بالنيران تندلع في ظهورنا، بانتفاضة “يهودا” و”السامرة”، وحيث يمكن بسهولة رصد التفاعلات الزلزالية هناك، مع ما لذلك من تداعيات على المنطقة بأسرها، ومع اعتبار أن الضفة هي عربياً ودولياً غير القطاع.
المشعوذ ماض في سياساته العمياء. لا يعنيه تحذير ريتشارد هاس من “يقظة الدم”، ولا تحذير البنتاغون من أن الغرق في لبنان هو الغرق في… جهنم!!