هل نحن قادرون على تحمل حالة الطوارئ وتبعاتها؟
تسارعت الدعوات من بعض القوى السياسية اللبنانية الى اعلان حالة الطوارئ في البلاد لمواجهة وباء كورونا والحدّ من انتشاره،فهل نحن قادرون على تحمل تبعات هذه الحالة في مفهومها القانوني العام؟
بداية اذا افترضنا حسن النية في هذه الدعوات ،فعلينا أولا أن نفهم ماذا تعني حالة الطوارئ:
أولا في الدستور :يُتخذ قرار حالة الطوارئ في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين .
ثانيا في الأسباب الموجبة:تُفرض حالة الطوارئ أثناء الكوارث، أو حالات العصيان المدني، أو الصراعات والنزاعات المسلّحة بحيث تنبه المواطنين إلى تغيير سلوكهم الطبيعي.ولأن وباء الكورونا يعد في خانة الكوارث فإن اعلان حالة الطوارئ تصبح مبررة قانونيا.
ثالثا في الآلية : يكلف الجيش والقوى العسكرية إدارة شؤون البلد وتوضع كل الإدارات في تصرفه.
رابعا في التنفيذ: يمنع التجول منعا باتا مع بعض الاستثناءات للضرورة وبموجب تصاريح من القوى العسكرية التي يحق له التصرف في كل ما تراه مخلا بحالة الطوارئ ،أمنيا وسياسيا وإقتصاديا وإعلاميا.
أمام ما تقدم ،وعود على بدء،يطرح الواقع اللبناني في هذه المرحلة مجموعة من الأسئلة المشروعة ،تفرض الإجابة عليها خلاصة منطقية لا تحتمل الجدل مؤداها :هلى نحن قادرون على تحمل تبعات إعلان حالة الطوارئ؟
1- إن منع التجول الكامل الى مهل طويلة يستتبع تزويد المواطنين بكل احتياجاتهم التموينية والطبية على الأقل ،فمن سيقوم بهذه المهمة ،وهل القوى العسكرية قادرة على ذلك؟
2- إن تعطيل أعمال الناس يفترض مدهم بالأموال والمساعدات اللازمة.فهل لبنان شبه المفلس قادر على التصرف بمليارات الدولارات في هذه المرحلة من أجل تحقيق هذا الغرض ؟
3- إن تعطيل الاقتصاد بالكامل يحتم القيام بخطوات كبيرة كالتي تقوم بها دول الغرب التي خصصت مئات المليارات من العملات الصعبة لإنقاذ المؤسسات والشركات التي توقفت أعمالها وانتاجها بالكامل.فما هي المبالغ التي يستطيع لبنان تخصيصها للقطاعات الإنتاجية في حالته المالية الراهنة؟
4- إن حاجات الناس اذا لم تتم تلبيتها بالكامل، تعكس حالة من التفلت والفوضى لن تكون القوى العسكرية قادرة على ضبطها ،خاصة في الأطراف والثغور المختلفة،برا وبحرا وجوا.ولمثال الحي على ذلك إقدام أحد السائقين في بيروت اليوم على إحراق سيارته بعد تسجيل محضر ضبط به لمنعه من العمل.
طبعا هذا غيض من فيض التبعات الملقاة على الدولة والبلد في حال إعلان حالة الطوارئ بكامل عدتها ،فضلا عن أعباء القوى العسكرية (التدبير رقم 3 الذي يفرض مضاعفة رواتب القوى العسكرية والأمنية).ولا شك أن الحكومة تعرف ذلك جيدا ،وعليه فهي اكتفت بحالة التعبئة العامة أملا في التخفيف من انتشار الوباء كما هو حاصل في الكثير من دول العالم.
وبصراحة مطلقة ،وعلى الرغم من الاحتياطات التي تفرضها الدولة ،ما يزال الوضع الناجم عن هذا الوباء قيد الإحاطة القصوى،إذ أن عدد المصابين في لبنان نسبة الى دول أوروبا وأميركا ،ما يزال مقبولا.فالحكومة تقوم بواجباتها ،والناس تلتزم بنسبة تسعين بالمائة،والفريق الطبي والصحي يقوم بواجباته مشكورا على أكمل وجه،وألأمل كبير بالانتصار على هذا الوباء،والحاجة الى حالة الطوارئ بتبعاتها السالفة الذكر تنطبق عليها القاعدة الشرعية "العين بصيرة واليد قصيرة".
بناء على ما تقدم يُطرح السؤال للمرة الثالثة في هذا المقام :هل نحن قادرون على تحمل حالة الطوارئ وتبعاتها؟