رأي

جولة بلنكن بين الإنفراج والإنفجار (أكرم بزي)

كتب أكرم بزي – الحوار نيوز

من يفاوض من في الدوحة أو القاهرة؟ ومن يضع الشروط ويعرقلها؟ ولماذا كل جولات التفاوض من بداية حرب الإبادة التي شنها “الكيان الصهيوني” على شعبنا الفلسطيني في غزة؟
نحن الآن في سادس جولة من المفاوضات والتي “بحسب حركة حماس” فشلت بتحقيق وقفاً لإطلاق النار، ومن المعلوم أن حركة حماس لم تشارك في المفاوضات الأخيرة، لأنها كانت تعلم أنها لن تصل الى نتيجة، ولآنها تعلم بأن رئيس الوزاء الصهيوني بنيامين نتنياهو لا يريد وقفاً لإطلاق النار، بل هو يعمل على تأجيج الصراع ليس فقط في داخل فلسطين المحتلة، بل بالذهاب نحو حرب إقليمية كبيرة، كي ينقذ نفسه من الإخفاقات التي حصلت في عهده ومني بها على الصعيد الشخصي وعلى مستوى الجيش الصهيوني الذي لم يحقق أي إنجار يذكر غير الإمعان في قتل الأبرياء وارتكاب المجازر وضرب البنية التحتية في قطاع غزة وجعلها منطقة غير صالحة للحياة.
الواقع، وبحسب ما قرأنا وسمعنا وشاهدنا منذ عملية “7 أكتوبر” ولغاية الآن أن من يقود الحرب في غزة هي الولايات المتحدة الاميركية، إن كان من خلال مشاركة الجنرالات الأميركيين في “الكابينت” الصهيوني، او من خلال مشاركة جنودها وضباطها على الأرض في غزة (قوة دلتا)، أو من خلال الدعم المادي والعسكري الغير مسبوق للكيان الصهيوني منذ تأسيسه في العام 1948 ولغاية هذه الساعة، فكمية الأسلحة الفتّاكة وما تحتويه من قوّة تدميرية (وزن القنبلة 2500 رطل)، لم يسبق لها مثيل في الحروب العربية-الإسرائيلية والجسر الجوي والبحري الذي ما زال يتقاطر الى الكيان الصهيوني والدعم المادي واللوجستي لم يتوقف إن كان من أميركا أو من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى الدول العربية والتي ساهمت بشكل أو بآخر، إن كان من خلال سكوتها عما يجري من مجازر ومذابح أو من خلال الدعم المادي والإمداد اللوجستي من تأمين المواد الغذائية أو المادية لهذا الكيان اللقيط.
بعد قيام الكيان الصهيوني بعمليات الإغتيال للقائدين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في طهران والقائد الجهادي الكبير في حزب الله الشهيد السيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، ارتفعت وتيرة الحرب في المنطقة، نظراً لما يمثله هذان القائدان، وللأسلوب والمكان والزمان، التي تمت فيهما عمليتي الإغتيال، ونظراً لعمليات الثأر والرد التي قرر محور المقاومة القيام بها، والتي لا يُعرف كيفيتها أو نوعيتها وتوقيتها.
الواضح والمؤكد من أكثر من جهة لها علاقة بطهران وحزب الله، بالإضافة إلى خبراء عسكريين ومحللين سياسيين وعسكريين من الطرفين المتناقضين (محور المقاومة والكيان الصهيوني)، أن الرد والثأر من محور المقاومة قادم ولا شك في ذلك، والتكهنات كثُرت وملأت وسائل الإعلام في العالم أجمع، بعد مرور أكثر من أسبوعين على عمليتي الإغتيال والتي يعتبرها البعض أنها طالت (13/7/2024 تاريخ عمليتي الاغتيال)، والبعض الآخر يقول أنها تأخرت بفعل الضغوط الدبلوماسية التي مورست على طهران ولبنان بغية إفساح المجال لمفاوضات وقف اطلاق النار التي ما زالت مساعيها لغاية الآن جارية بين الولايات المتحدة الاميركية والوسطاء والكيان الصهيوني وحركة حماس، كون هذا الرد قد يؤدي إلى حرب واسعة تشمل المنطقة بأسرها؟
بعد عزوف حركة “حماس” عن المشاركة في جلسة المفاوضات الأخيرة التي عقدت في الدوحة، وبعد بيانها الأخير الذي وضع النقاط على حروف ما يجري من مناقشات، لا أرى ضرورة في الخوض فيها الآن، يتبين لنا من أن المفاوضات تجري في الدوحة وفي القاهرة وفي غيرها من الاماكن هي لأجل “المفاوضات” فقط، والهدف منها تمييع الوقت وتبهيت أي عملية رد قد تأتي من المحور في الأيام القادمة (الله أعلم)، والواضح أيضاً (برأيي) أن أميركا تفاوض أميركا، فإذا كان المقترح أساساً قدمه نتنياهو وأعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن، ثم رفضه نتنياهو، ثم أعيد المقترح بعد التعديلات عليه، لبحثها في مفاوضات الدوحة الأخيرة، (دون حركة حماس) وبحضور الوسطاء القطريين والمصريين الذين لا حول لهم ولا قوة (إذا أحسنّا الظن)، يتبين لنا أن الهدف من كل هذه المحادثات هو تقطيع الوقت، وصولاً إلى مرحلة تستطيع من خلالها أميركا والكيان الصهيوني إعادة زمام المبادرة العسكرية إلى يدها، واتهام طهران أو حزب الله فيما لو قاما بتنفيذ تهديداتهما، بتعطيل “المساعي الجارية لوقف اطلاق النار”، وهكذا دواليك وصولاً الى مرحلة الاقتراب من عملية الانتخابات الأميركية، وهذا ما يسعى إليه بنيامين نتنياهو بمراهنته على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية وبالتالي بإمكانه أن يفوز بما يخطط أو يحلم به لمستقبله السياسي من ناحية، وتحقيق إنجازه بقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وإحكام الطوق عسكرياً أكثرعلى القطاع وتصفية ما يمكن تصفيته في الضفة الغربية والسيطرة عليها واتمام عمليات ضم المستوطنات.
ولكن، ماذا لو نفذ محور المقاومة تهديداته وقام بضربة موجعة للكيان الصهيوني، خاصة بعدما أجهضت المقاومة الإسلامية في لبنان مفاعيل أي عملية استباقية قد يقوم بها نتنياهو في لبنان، من خلال الكشف عن الإنجازات التي قام بها “الهدهد 1 و2 و3، والإحداثيات الدقيقة التي حصل عليها وآخرها إنجاز “منشأة عماد 4″، والتي أظهرت مدى كفاءة المقاومة الإسلامية، ومدى جهوزيتها لإطلاق الصواريخ الباليستية المخزنة في “منشآت” حزب الله في لبنان والتي بحسب خبراء عسكريين لا ينقصها سوى الضغط على “زر الإطلاق”، وضرب المنشآت الحيوية والقواعد العسكرية وغيرها مما تتبجح به إسرائيل من قوة تدميرية.
وهنا، السؤال التالي يفرض نفسه أيضاً، ماذا لو قامت إسرائيل بعملية رد موجعة في بيروت أو طهران أو أي مكان موجع، فهل ستنتهي القصة عند هذا الحد أم أنها ستتدحرج إلى حرب إقليمية واسعة أو كبرى؟ وهل أتت أميركا بكل أساطيلها بالإضافة إلى فرنسا وألمانيا وايطاليا، فقط لردع أي ضربة على إسرائيل أو لحماية إسرائيل فقط أم أن هناك شيء ما يحضّر للمنطقة؟
بنيامين نتنياهو في مأزق، والكيان الصهيوني في أسوأ حالاته منذ تأسيسه لغاية الآن، وأميركا تعيش مجموعة مآزق، (حرب روسيا-أوكرانيا، وتايوان في بحر الصين، والانتخابات والتي تعتبر مصيرية لكلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري الخ…)، فهل ستوقف حربها في غزة أم أنها ستضغط زر التفجير أيضاً وتذهب بالمنطقة نحو حرب كبرى لا يُعرف مداها؟
نحن في أيام وساعات مصيرية وحاسمة، بلينكن في المنطقة وفي جيبه الرد، فأما الإنفراج من خلال الضغط لوقف اطلاق النار في غزة أوالذهاب نحو التصعيد وقد يبدأ بما يصطلح عليه بالعلم العسكري بـ “حرب المدن”، والتي قد تطول لانتهاء الانتخابات الأميركية، أو الإنفجار الذي قد يورط المنطقة كلها في حرب كبيرة واسعة لا تحمد عقباها، وقد تغير الخرائط في المنطقة بأسرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى