إقتصادمصارف

الحروب الاقتصادية وصناعة النقد(عماد عكوش)

 

بقلم الدكتور عماد عكوش – الحوارنيوز

صنع السياسات النقدية الفعالة يعتمد على مجموعة من المتطلبات الأساسية والأهداف التي يجب تحقيقها من خلال هذه السياسات، منها استقلالية البنك المركزي ، تحليل البيانات الاقتصادية ، الشفافية ، التنسيق مع السياسات المالية ، والاستجابة للتغيرات الاقتصادية العالمية .

أما الاهدف التي يمكن تحقیقها عن طریق هذه السیاسات فيمكن ان تشمل استقرار الأسعار ، دعم النمو الاقتصادي ، استقرار العملة ، تحقيق التوظيف الكامل ، والحفاظ على الاستقرار المالي . برأينا فإن صنع السياسات النقدية الفعالة يتطلب مزيجًا من الاستقلالية ، التحليل الدقيق ، الشفافية ، والتنسيق مع سياسات أخرى لتحقيق الاهداف المحددة .

ان اختيار السياسة الصحيحة لاستقرار العملة ، سواء كانت سياسة تثبيت العملة أو تعويم سوق العملات، يعتمد على عدة عوامل اقتصادية وسياسية. ولا يوجد نموذج واحد يناسب جميع الدول ، لذا يتعين على كل دولة أن تقيّم أوضاعها بعناية لتحديد الخيار الأفضل، ويمكن ان يشمل هذا التقييم هيكل الاقتصاد الوطني ، حجم الاقتصاد وتنوعه ، حجم الاحتياطيات النقدية ، والنظر في التاريخ الاقتصادي والسياسي .

أما لناحية تأثير وتدخل البنوك المركزية في سوق العملات فإن هذا التدخل يلعب دورًا حاسمًا في استقرار الاقتصادين المحلي. وهناك عدة أشكال من التدخل ، ولكل منها تأثيراته الخاصة. كما أن عدم التدخل في سوق العملات يحمل مخاطر معينة. هذا ويأخذ التدخل أشكالا عدة، منها عبر السياسات النقدية ولا سيما منها تحديد سعر الفائدة ، عمليات السوق المفتوحة ، وشراء وبيع العملات الأجنبية . كما يمكن ان يكون عبر التنسيق مع بنوك مركزية أخرى .

ان التدخل من قبل البنوك المركزية في سوق العملات مهم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وللحفاظ على ثقة الأسواق ، ومن الممكن أن يؤدي عدم التدخل إلى مخاطر كبيرة ، بما في ذلك تقلبات حادة في سعر الصرف، ارتفاع التضخم، أزمات مالية، وفقدان الثقة في العملة. لذلك، يجب أن يكون التدخل مدروسًا بعناية لتحقيق توازن بين الاستقرار الاقتصادي والسياسات النقدية الفعالة ، ولمنع التأثير السلبي لتقلبات سعر الصرف على سياسة السيطرة على التضخم . ويمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات والسياسات من قبل البنوك المركزية والحكومات . هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل التقلبات في سعر الصرف ، وتعزيز استقرار الاقتصاد ، ومنع التضخم من الخروج عن السيطرة ،ويمكن تحقيق ذلك عبر بعض الإجراءات، منها تعزيز الاحتياطيات النقدية ، اتباع سياسة سعر الصرف الموجه ، التحوط ضد مخاطر سعر الصرف ، التنسيق بين السياسات النقدية والمالية ، استهداف التضخم مباشرة ، تحسين الثقة في العملة ، تبني سياسة نقدية مرنة ، تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات ، ومراقبة الأسواق المالية بانتظام .

ان وجهة النظر التي تدعو إلى خروج البنوك المركزية تمامًا من عملية إدارة سوق العملات وصنع السياسات النقدية، تستند غالبًا إلى مفاهيم الاقتصاد الحر، والاعتقاد بأن الأسواق قادرة على تحقيق التوازن بنفسها دون تدخل حكومي. لكن في الواقع إن ترك ذلك للسوق يعني نقل القدرة على التوجيه الى مجموعة من المضاربين الاقوياء في السوق، وبالتالي فقدان السيطرة من قبل الحكومة والدولة ككل على الاقتصاد والعملة، وبالتالي تعرض البلد لمخاطر التقلبات المفرطة وعدم الاستقرار السياسي والفوضى .

بخصوص محدودية الموارد النقدية من العملات الأجنبية، فعندما تكون هذه الموارد محدودة ، فقد تلجأ بعض البنوك المركزية إلى تحديد حصص من النقد الأجنبي وإنشاء مراكز لإدارة نفقاته . هذا النوع من التدابير غالبًا ما يُعتبر حلاً طارئًا ومؤقتًا للسيطرة على الطلب على العملات الأجنبية وحماية الاقتصاد من نزيف احتياطيات النقد الأجنبي، ولكن لهذه السياسة مزايا وعيوب كثيرة ، من مزاياها الحفاظ على الاحتياطيات الأجنبية ، منع المضاربات ، وإعطاء الأولوية للاحتياجات الأساسية . أما لناحية العيوب فعلى رأس هذه العيوب خلق تشوهات في السوق لجهة خلق سوق سوداء ، قيود على التجارة والاستثمار ، وتعويم البيروقراطية والفساد .

في ما يتعلق بالاتفاقات النقدية التي تبرمها بعض الدول لإدارة العملات، يمكن ان تكون أداة فعّالة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي ، هذه الاتفاقات تتمثل في مجموعة من الترتيبات التي تتفق عليها دولتان أو أكثر لتنسيق سياساتهما النقدية أو لتسهيل التبادل التجاري والمالي بينها، ويمكن أن تشمل ترتيبات حول سعر الصرف ، أو تسهيل الوصول إلى العملات الأجنبية ، أو حتى تأسيس عملة مشتركة. طبعا لهذه الاتفاقات فوائد كثيرة منها انها يمكن ان تحقق استقرارا في سعر الصرف ، تعزيز التجارة والاستثمار ، دعم التعاون الاقتصادي ، توفير الدعم في الأزمات ، وتعزيز الاندماج الاقتصادي الإقليمي . يبقى ان نشير الى ان لهذه الإتفاقات مخاطر أيضا، منها التخلي عن السيادة النقدية ، الاعتماد المتبادل ، مخاطر الاختلافات في الأداء الاقتصادي ، اضافة الى المخاطر السياسية .

يبقى ان نشير الى ان هناك اليوم ما يعرف بحرب العملات والتي تستهدف تحقيق اهداف اقتصادية، او بعض الاحيان سياسية لمصلحة دول معينة ومن أجل تحقيق مزايا اقتصادية على حساب دول أخرى ، مثل تعزيز الصادرات عن طريق جعلها أرخص في الأسواق العالمية.

يمكن القول إن حرب العملات لا تزال واقعًا محتملاً، وإن استخدام العملة كأداة سياسية أصبح أكثر شيوعًا في سياق العلاقات الدولية المتوترة والتنافس الاقتصادي. لهذه الحرب نتائجها ومخاطرها الاقتصادية والسياسية وتؤدي غالبا الى عدم الاستقرار الاقتصادي على المستوى العالمي ، إشعال النزاعات التجارية ، الأضرار على المدى الطويل ، وتآكل الثقة بين الدول .

اليوم يتم استعمال هذه الحرب بشكل متزايد كأداة سياسية لتحقيق أهداف استراتيجية ، سواء من خلال العقوبات الاقتصادية التي تعزل بعض الدول عن النظام المالي الدولي أو من خلال التلاعب بالعملات للتأثير على التوازنات الاقتصادية . هذه الحرب المعاصرة مستمرة اليوم وتزداد ضراوة، لذلك نجد ان الكثير من التكتلات السياسية تحاول ان توجد لها بدائل تقوي بها موقفها لكي تمنع تأثير هذه الحرب عليها .

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى