إقتصاددراسة

هل يكون التضخم سببا للركود العالمي ؟(عماد عكوش)

 

بقلم الدكتور عماد عكوش – الحوار نيوز

منذ بداية عام 2024، شهدت الولايات المتحدة تباطؤًا نسبيًا في معدل التضخم مقارنةً بالعام الفائت، وتراوح معدل التضخم السنوي بين 3.0% و3.5% ، في حين كان معدل التضخم في كانون الثاني 3.1% ثم ارتفع تدريجيًا ليصل إلى 3.5% في اذار ،قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى 3.0% في حزيران 2024 . هذا الانخفاض في التضخم يعكس تأثير السياسات النقدية التي تبناها الاحتياطي الفيدرالي للسيطرة على الأسعار وتهدئة الاقتصاد بعد ارتفاع كبير في التضخم في عام 2022 وأوائل 2023.

أما في الاتحاد الاوروبي فقد شهدت منطقة اليورو تغييرات مهمة في معدلات التضخم. فبعد أن بدأت سنة 2024 بمعدل تضخم مرتفع نسبياً، ثم بدأ التضخم يتراجع تدريجياً بسبب تراجع تأثير اسعار الطاقة واستقرار سلاسل التوريد، فوصل المعدل الى 2.4% في نيسان 2024 و 2.6% في تموز من العام 2024 مقارنةً بنسبة 5.2% في آب 2023.

بالنسبة للعوامل المؤثرة في التضخم ،هناك عدة عوامل تساهم في تحركه، ومن بينها  :

زيادة الطلب والانفاق الاستهلاكي : عندما يكون هناك زيادة في الطلب على السلع والخدمات تفوق العرض المتاح ،يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار. وقد كان لعملية ضخ الكثير من الاموال خلال فترة كورونا، وخاصة من قبل الولايات المتحدة الاميركية والتي بلغت حوالي 5 تريليون دولار، وصاحبها ضعف في الانتاج نتيجة الاقفال شبه التام في بعض الأحيان،كان له كبير الاثر في رفع معدل التضخم .

السياسات الحكومية : وخاصة ما يتعلق بسياسة تحفيز الاقتصاد من خلال زيادة الإنفاق الحكومي أو تقديم إعانات او تخفيض الضرائب، هذا الامر قد يؤدي الى زيادة الطلب الكلي ، ما يساهم في رفع الأسعار إذا لم تقابله زيادة في العرض.  

زيادة تكاليف الإنتاج : ان ارتفاع أسعار المواد الخام أو الأجور يمكن أن يدفع الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها، كما ان ارتفاع تكلفة القروض ايضا يمكن ان يسهم في رفع تكلفة المنتجات. وقد شهدت الاسواق العالمية خلال الفترة الماضي ارتفاعا لهذين البندين معا ، سواء في ارتفاع المواد الخام، ولا سيما الطاقة ، كذلك ارتفاع في اسعار الفوائد نتيجة رفعها من قبل المصارف المركزية في العالم . وقد ساهم انخفاض اسعار النفط خلال الشهرين السابقين بشكل كبير في تهدئة جموح التضخم، ولكن هذا غير مضمون مع الاحداث الجيوسياسة التي تحصل اليوم وتهدد سلاسل التوريد .

اضطرابات سلاسل التوريد وتكاليف الشحن : المشاكل في سلاسل التوريد، سواء بسبب الجائحة أو التوترات الجيوسياسية، ساهمت بنسبة كبيرة في زيادة تكاليف الإنتاج ، كما ان ارتفاع تكاليف الشحن وبشكل كبير ساهم في رفع معدلات التضخم حيث ارتفعت تكاليف شحن الحاويات من الصين إلى أعلى مستوياتها منذ العام 2022، وذلك بعد أن تضاعفت أسعار الشحن أكثر من ثلاثة أضعاف منذ بداية العام الجاري 2024. وتبلغ تكلفة شحن حاوية بطول 40 قدماً من شنغهاي إلى نيويورك الآن حوالي 9 آلاف دولار أميركي وحوالي ثمانية آلاف دولار إلى لوس أنجلوس. جاء هذا الارتفاع مدفوعاً بانخفاض حاد في حجم عبور قناة السويس، والاضطرابات في بعض الموانئ في آسيا، وزيادة الطلب بسبب إعادة تخزين المخزون. ومن شأن ارتفاع تكاليف الشحن المتزايدة أن تؤدي إلى تأجيج التضخم، وربما قد يؤثر بدوره بشكل مباشر على السياسات النقدية التي تتبعها البنوك المركزية.

رفع الرسوم الجمركية والعقوبات : هذا ما يحصل اليوم نتيجة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى ، حيث تساهم العقوبات والرسوم الجمركية في ارتفاع تكلفة الاستيراد، وبالتالي يؤدي هذا الارتفاع بطبيعة الحال الى ارتفاع اسعار البيع وبالتالي المساهمة في مزيد من التضخم .

انخفاض الانتاج : ان انخفاض الانتاج لأي سبب، سواء كان سببا طبيعيا كتلف المحاصيل نتيجة الكوارث الطبيعية من فيضانات او حرائق او ثلوج ، او غير طبيعية نتيجة الحروب وقطع العلاقات والعقوبات، ومنها ما حصل لاسعار الحبوب نتيجة الازمة الأوكرانية. كل هذه العوامل يمكن ان تؤدي الى ارتفاع الاسعار نتيجة ارتفاع المواد الاولية او غير الاولية .

لاحظنا في الفترة الاخيرة تراجع معدلات التضخم، ويُعزى الانخفاض الأخير إلى تراجع الضغوط التضخمية مثل أسعار الطاقة ، بالإضافة إلى تأثير السياسات النقدية التقييدية التي اعتمدها الفدرالي عبر رفع أسعار الفائدة . الاحتياطي الفدرالي أبقى على أسعار الفائدة مرتفعة، ما ساعد في تقليص الطلب المحلي وتهدئة النمو الاقتصادي ، وهو ما انعكس بدوره على تراجع معدلات التضخم . مع ذلك ، لا تزال المخاوف قائمة إذا ما تم تخفيف السياسة النقدية وفق بعض الخبراء ، أو في حال حدوث صدمات أخرى في الاقتصاد العالمي مثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية أو حدوث توترات جيوسياسية.

 وهنا نشير الى ان استمرار السياسات النقدية التقييدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي يمكن ان تكون له مفاعيل عكسية يُعد أساسيًا، لان استمرار سياسة التشديد يمكن ان ينعكس سلبا على أداء الشركات، وبالتالي لجوء الكثير منها الى الاقفال او الى خفض الانتاج بالحد الأدنى، وبالتالي انخفاض العرض. وهذا سينعكس حتما على الاسعار وعودة التضخم مجددا الى الارتفاع .

ان عودة التضخم هذه المرة عبر اقفال العديد من الشركات ، او تخفيض عدد الموظفين ، سيؤدي حتما الى بداية ركود اقتصادي يمكن ان يتدحرج ليصل الى كل الاقتصاد العالمي، لذلك في رأينا لا بد من التعجيل بداية في سياسة خفض الفوائد لتخفيف عبء القروض عن الشركات، وبالتالي السماح بمزيد من الاستثمارات، والذي بدوره يعزز العرض،وهو العامل الاساس في خفض الاسعار ومعدلات التضخم .

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى