وداعا يا أمين.. (زياد حافظ)
بقلم د.زياد الحافظ
عندما هاتفني صديقي العزيز الدكتور رودولف القارح صباح اليوم وصوته يختنق علمت أن شيئا ما قد حصل. وبالفعل كان خبر رحيل الأخ العزيز العميد الركن أمين حطيط بمثابة صاعقة وقعت عليّ. فمن الصعب استيعاب هكذا خبر يمسّ أحد أعزّ الأصدقاء ورفيق الدرب في الكفاح من أجل نهضة امتنا. وما زلت تحت وطأة الصدمة وأنا أحاول ان أعبّر عما يدور في نفسي من شعور بالحزن العميق والحسرة التي لا تختفي.
لست أديبا ولست بليغا في التعبير. ولم تكن هذه صفاتي في الامس واليوم. فماذا يمكن أن أقوله عن امين؟
عرفته من خلال المؤتمر القومي العربي حيث كان من أبرز المتفاعلين مع المؤتمر. تعرّفت إلى عقل مجبول بالانضباط العسكري والسرد المنهجي للموقف السياسي المبني على أيمان مشترك وقناعات مترسّخة ومبادئ وخيارات استراتيجية جمعتني به. وعميدنا الراحل هو مثل المثقف الملتزم وصاحب الرؤية المستقبلية التي تهدف إلى تحقيق نهضة الامة. كما كان يتميّز بأمانة فكرية ومصداقية في المعلومات والتحليل جعلته مرجعا لكثيرين كانوا، وانا منهم، يتابعون مقارباته للأحداث. فكنّا نقرأ من نفس الكتاب بل من نفس الصفحة وحتى الفقرة إن لم تكن من نفس الجملة.
من جملة مواقفه المميّزة دوره في المفاوضات في ترسيم الحدود سنة 2000. كما كان متابعا لكافة التطوّرات في هذا الملف حتى الاتفاق الأخير الذي أنصف الخط المقاوم في لبنان. ولا بد من ذكر موقفه الجريء في مقاربته للحرب الكونية على سورية في مواجهة مناخ معادي لسورية في 2012 في ندوة أقامها مركز دراسات الوحدة العربية في تونس حيث كان مع الصديق العزيز الدكتور عصام نعمان ممن تصدّوا للطروحات المغرضة بحق سورية.
ما كان يشدّني للاستماع إليه، إضافة إلى مواقفه من الأحداث، المنهجية الصارمة في جميع مقارباته حيث الوضوح والكثافة في الأفكار تلازما بشكّل صارم. فكتاباته وإطلالته كانت تهدف إلى تقديم منطق لا يخضع للطعن ويدعم الطرح الذي يعرضه. احتفظت بمعظم كتاباته كي لا أقول جميعها فإنها مواثيق تاريخية ترسم الخط البياني للأحداث ومسار تفكير فقيدنا العزيز. فرحيله عنّا تعوّضه كتاباته الباقية في ذاكرة الأمة.
ولا يمكن اغفال مقارباته المكتوبة في المنتديات والندوات والاطلالات الإعلامية في العديد من وسائل الاعلام اللبنانية والعربية حيث كان في بعض الأحيان يطلّ في يوم واحد على أكثر من عشرة منصّة إعلامية لتوضيح الحدث والتعليق عليه وعلى تداعياته. كان يسعى دائما إلى بثّ روح الأمل ونبذ الشعور بالاكتئاب والهزيمة ولكن بموضوعية تقنع وغير مستندة إلى رغبات أو تمنّيات. فالتفاؤل، ولكن بموضوعية، كان من صفاته رغم قساوة الاحداث وهذا ما كان يميزّه عن الكثيرين. وهذا النشاط الإعلامي كان يرافقه مقاربات خطّية إضافة إلى مهامه كأستاذ جامعي يشرف على أطروحات الدكتورة. فكانت صلته بالجيل الشاب عبر العمل الجامعي.
كانت حركته دائمة ومرهقة فلم يهدّا ولم يبخل في عطائه فدفع ثمنها أخيرا. لم يسقط في الميدان العسكري بل رحل في ميدان معركة الوعي الني نخوضها جميعا لذلك أعتبره شهيد تلك المعركة.
كنّا تعدّ سويا الأيام التي تفصلنا من الذهاب إلى بيت المقدس والصلاة في مسجد الاقصى بعد التحرير. شاء القدر أن يحرمه من ذلك لكن ما زلت متمسّكا بالوعد حيث سيكون حاضرا معي في الروح إذا كُتبت لي تلك النعمة.
رحلت باكرا يا أمين والتحقت بالرفيق الأعلى. وكل الدعاء ليدخلك الباري عزّ وجلّ في رحاب رحمته الواسعة وفسيح جنّته. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
*باحث وكاتب اقتصادي سياسي