أ.د فرح موسى – الحوارنيوز
حريٌ بنا بعد إحيائنا لذكرى أبي عبد الله الإمام الحسين ع،واستحضارنا لدروس كربلاءوعناوينها الدينية والسياسية والإصلاحية؛أن نسأل عن مرادات الإمام ع من نهضته،فهل كان مراد الإمام الموت وإثارة الأحزان والاحتفاء به،ذكراً وتمجيداً،وعنايةً بكل ما قام به وأداه في طريق الحق،أم أنه أراد منا الاقتداء به،بحيث يكون لنا ما كان لأصحابه من العزة والكرامة؟فهؤلاء الأصحاب أبوا التخلف عنه،وأن يتخذوا الليل جملاً،،واختاروا الشهادة بين يديه،كما عبروا في مقالتهم الشهيرة،فقالوا:”يا بن رسول الله فما يقول لنا الناس؟ وماذا نقول لهم؟ نقول تركنا شيخنا وكبيرنا وابن بنت نبينا لم نرم معه بسهم، ولم نطعن برمح، ولم نضرب بسيف!لا والله يا بن بنت رسول الله لا نفارقك أبداً، ولكن نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك،فقبّح الله العيش بعدك…”.
هذه هي مقالة الأصحاب التي تؤكد لنا معنى وحقيقة ما يجب أن نقوله للناس عن الصحبة الرسالية في كل زمان ومكان،فهي ليست مجرد صحبة تفرضها المصالح والغايات والمغانم الدنيوية، وإنما هي صحبةُ رسالية إيمانية،كما قال تعالى:”محمد رسول الله والذين معه….” فالآية ناظرة إلى حقيقة ما هم عليه الأصحاب من سلامة في الدين، ومن مباشرة لروح اليقين، وهذا ما ينطبق على كل مخلص في دينه، وصادق في نيّته لنصرة الحق. فالصحبة الحقة والواعية والهادفة دفعت بأصحاب الإمام الحسين ع ، ليكونوا قائمين وملتزمين بكل ما يفرضه الواجب الشرعي والمسؤولية الأخلاقية اتجاه من فرض الله طاعته؛ فأن نحتفي بالحسين ع شيء ، وأن نقتدي به ونستضيء بنور علمه شيء آخر.فالإمام الحسين ع هو على مكانته، سواء قام، أم قعد، وقد جعله الله تعالى سبباً قي الهداية والرعاية، وسفينةً لنجاة الأمة في دينها ودنياها .وهنا نسأل، فما معنى أن نردد شعارات وعناوين كربلاء، ولا نكون عند ما تقتضيه هذه العناوين من التزامات وتحققات إيمانية ورسالية ؟فإذا كان معنى الاحتفاء أن نعتني ونمجّد ،أوأن نستحضرالمناقب،أو أن نبدي الأحزان على ما أصاب أهل البيت ع ؛فهذا كله إنما يفيد الاعتبار والتفاعل دون أن يبلغ مستوى الاقتداء بالحسين ع، لأن معنى القدوة أن نكون دائماً حيث كان الحسين، قولاً وفعلاً، وهذا ما ينبغي التدبر فيه ليس في عاشوراء فحسب، وإنما في كل حياتنا،ليكون الإمام الحسين حاضراً في كل قول نقوله، وفي كل فعل نؤديه.
فالإمام ع أسوة لنا كجده رسول الله، كما قال تعالى:”لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة…”،ومؤدى هذا أن نلتزم مع الحسين ونتأسى به؛بحيث لا نتركه لا في صغيرة ولا في كبيرة، في القول والعمل، ولهذا نجد أصحابه قد اختاروا الشهادة بين يديه على أن يتركوه، قائلين له:”قبّح الله العيش بعدك”. فهل نحن في إحيائنا لذكرى أبي عبد الله نستحضره للاقتداء به، أم لاستنكاروإدانة الجريمة، أم للتحسرعلى المصيبة ؟
إن معنى الاقتداء بالحسين ع، أن تكون حياتنا وأعمالنا انعكاساً لكل ما جسّده الإمام في مسيرته العلمية والجهادية، وقد رأينا كيف عبّرأصحاب الإمام عن هذا الالتزام الصادق، إيماناً وجهاداً، حتى الشهادة، فكانوا كما وصفهم الإمام أوفى وأبر وأفضل الأصحاب في ما اختاروه وثبتوا عليه واتخذوه من أسوة حسنة. فالدين هو الحسين والحياة كلها كربلاء بعد الحسين وأصحابه، فلنستحضرهذه المشهدية في الطريق إلى إحياء ذكرى أهل البيت ع وما كان لهم من فضل في الابقاء على الدين والكرامة.
أما أن ندّعي القدوة الحسنة والاقتداء على حر الجمرونحن نأتي بكل منكر في القول والفعل، ونوالي الظالمين، ونتحالف مع المفسدين، ونتخذ آلهةً دون رب العالمين، ثم نبكي الحسين ونتحسرعلى مصابه، فهذا مما يتناقض مع تعاليم الإسلام ومبادئه وأحكامه،هذا فضلاً عن مخالفته لكل ما جسّدته عاشوراء من قيم ومبادىء قرآنية! ذلكم هو معنى القدوة، أن نقتدي بالحسين، وأن نستضيء بنور علمه، وأن لا نتركه كما تركه الكثيرون في الطريق إلى كربلاء، خوفاً وطمعاً،فلم يدركوا الفتح، وكانت بشراهم في الحياة الدنيا أن موتوا في حياتكم مقهورين بدل أن تكونوا قاهرين للموت في حياتكم!!!فكربلاء كانت وستبقى نوراً للقرآن في حياتنا، وبقدر ما نقتدي بها، بقدر ما يكون لنا من الحياة مهما كانت الصعوبات في طريقها، وكما قلنا في مقالتنا السابقة: إن كربلاء لم تعد مجرد ذكرى للتصبر على مكاره الدهر وبلاءاته، وإنما أضحت نموذجاً لصنع الحياة الحرة بكل ما تعنيه هذه من عزة وكرامة. وها هو عالمنا اليوم، كما يرى كل أحرار العالم،يتفاخر بمجد وعزة كربلاء بعد أن استوت أمجادها عند كل مقدّس ترنو إليه أمة القرآن بأخلص وأبر وأوفى شهدائها على طريق القدس وفي سبيل كل مقدّس في حياة المسلمين. والسلام.