دولياتسياسة

حلف شمال الأطلسي: 75 عاما من العدوان(ماري ناصيف الدبس)

 

ماري ناصيف الدبس* – الحوارنيوز

انتهت أول من أمس قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الخامسة والسبعين بعد التأسيس، والتي تأتي على وقع طبول الحروب العدوانية المنتشرة في كل مكان من الكرة الأرضية، وبالتحديد من فلسطين ولبنان إلى السودان حيث تتركز الثروات بحرا وبرا وحيث تقع قناة السويس التي تشكّل نقطة التقاء الطرق الملاحية الرئيسة لنقل الغاز والبترول إلى العالم…

واجتماع هذه القمة مصيري بالنسبة للقوى الامبريالية، بل والرأسمالية عموما. فهي تأتي في ظل أزمة خانقة انطلقت منذ العام 2008 ولم تنته فصولها بعد، على الرغم من كل المحاولات التي بذلت للتخفيف من وطأتها بعد أن بدأت تؤدي إلى تغيرات في المزاج الشعبي داخل دول المركز الرأسمالي نفسها، وبالتحديد في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان…كما تأتي، أيضا، في وقت استطاعت فيه دول مجموعة “البريكس” أن تخفف من انعكاسات الأزمة الرأسمالية في التأثير على الوضعين الاقتصادي والمالي داخل بلدانها، وصولا إلى استطاعة بعضها تسجيل معدلات نمو مقبولة. ولا ننسى، بالطبع، أن الحرب الأميركية على روسيا، انطلاقا من أوكرانيا، وتلك التي يشنها الكيان الصهيوني في غزة ولبنان، بدعم من الحلف االأطلسي وبتوجيهات من واشنطن، فد باءتا بالفشل حتى الآن، ولم تستطع واشنطن عبرهما تنفيذ مشروع محاصرة روسيا أو إخلاء غزة من سكانها تمهيدا لتنفيذ مشروع القناة البديلة لقناة السويس.

لذا، وانطلاقا من فشل المشاريع الامبريالية، الأميركية بالتحديد، في شرق أوروبا والحوض الشرقي للبحر المتوسط، وحتى في شمال السودان، حيث العامل الصهيوني واضح وصريح في الاحاطة بما تنفذه “قوات الدعم السريع”، تحاول قيادة الحلف الأطلسي، اليوم، إضفاء طابع خاص على قمة واشنطن، إن من حيث الشعار الموضوع لها، أم من حيث نوعية الحضور واتساعه، أم خاصة من حيث البرنامج الموضوع للنقاش والاقرار ومن ثم التنفيذ؛ وهو برنامج سيضع العالم كله على فوهة بركان…

أولا، في الشعار

أعلن رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، في لقاء له، يوم الاثنين الماضي (8 تموز 2024)، مع شبكة MSBNC بخصوص قمة الحلف أن “ما ينتظره أصدقاؤنا منا هو قيادة أميركية حكيمة؛ وأنا من يمكنه ذلك، كوني استطعت توسيع نطاق الحلف وجعلته أكثر قوّة من ذي قبل”.

وبغضّ النظر عن التساؤلات المتعلقة ببقاء الحلف  وعن ارتباط مسألة “القيادة الحكيمة” بالانتخابات الرئاسية الأميركية وبتراجع بايدن أمام دونالد ترامب، خاصة بعد المناظرة بينهما، فإن الشق الثاني من التصريح يفسر بوضوح التحركات الميدانية للحلف الأطلسي في السنوات القليلة الماضية، إن في أوروبا، حيث ضم إلى صفوفه فنلندا والسويد، ويطمح في ضم جورجيا والبوسنة، ام في زيادة قواعده المحيطة بروسيا، ومنها على وجه الخصوص القاعدة الضخمة التي بدأ الحلف بإنشائها في منطقة البحر الأسود الرومانية القريبة شبه جزيرة القرم وروسيا.

كذلك، لا بد من الاشارة إلى أن تصريح بايدن الأخير يلقي الضوء على ما سبق وأعلنه الأمين العام للحلف، ينس ستولتمبرغ، من أن “الأمن ليس له طابعا إقليميا بل عالمي”، من أجل تبرير سياسة التوسع غير المحدود لحلف ارتبط اسمه بمنطقة شمال المحيط الأطلسي وكان من المفترض إلغاؤه منذ نهاية القرن العشرين الماضي، بعد زوال حلف وارصو.

ثانيا، في نوعية الحضور

وشعار “عولمة” الأمن، الذي كان، خلال السنوات الماضية، في أساس مخطط الحلف والولايات المتحدة الهادف إلى زيادة انتشار القواعد العسكرية العدوانية في كل مكان في العالم، انتقل اليوم بشكل خاص إلى جنوب الكرة الأرضية. فالدعوة التي وجهتها واشنطن إلى “بعض البلدان الحليفة”، وبالتحديد اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، لحضور القمة الخامسة والسبعين إنما تهدف إلى إشراك هذه الدول في المخطط العدواني الجديد الهادف إلى إحاطة جمهورية الصين الشعبية، بعد روسيا، بشبكة قواعد، من جهة، وربط المحيط الهندي بالمحيط الهاديء وإقامة منطقة نارية تحتل كل محيط الأرض ومحيطاتها، من جهة أخرى. وهذا ما عبّر عنه بكل وضوح البيان الصادر، الأربعاء 10 تموز، عن اليوم الأول للقمة والقائل بان”منطقة المحيطين الهندي والهادئ مهمة بالنسبة لحلف شمال الأطلسي، نظرا لأن التطورات هناك تؤثر على الأمن الأوروبي الأطلسي.. نحن نعمل على تعميق الحوار لمعالجة التحديات الإقليمية وتعزيز تعاوننا العملي، بما في ذلك من خلال المشاريع الرئيسية في مجالات دعم أوكرانيا”، خاصة وأن إدارة بايدن لم تستطع، حتى الآن، تأمين الاجماع المطلوب لكي تصبح أوكرانيا دولة “أطلسية”، وأن ترجيح وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة لن يساعد في ذلك…

ثالثا، في توسيع الحربين الباردة والساخنة

أما بالنسبة للتهديدات “الحربية” الموجهة ضد جمهورية الصين الشعبية، التي بدأتها الولايات المتحدة مع ترامب والجمهوريين، فقد تفاقمت في الآونة الأخيرة، خاصة على لسان ستولتمبرغ الذي أعلن في مراحل عدة، كان آخرها قبل يومين على قمة واشنطن، أن “إيران وكوريا الشمالية والصين تدعم روسيا ضد أوكرانيا وتسهّل لها حربها العدوانية غير الشرعية” وأن “دعم الصين لروسيا يشكّل خطرا على أمن الناتو”.

غير أن العامل “الروسي – الأوكراني” ليس السبب الوحيد. ذلك أن الصين تشكّل، اليوم، المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة، وأن تجاح المراحل الأولى من “مشروع طريق الحرير” ومن المبادرة المسماة “الحزام والطريق” ستؤدي تدريجيا إلى فقدان الهيمنة الأميركية على قسم مهم من أسيا إضافة إلى افريقيا حيث تلتقي المصالح الصينية والروسية مع مصالح العديد من دول القارة السوداء. من هنا، كان تشديد إدارة بايدن على أن استعادة الهيمنة الأحادية على العالم، التي تمت خلال السنوات العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومنع ترسيخ الثنائية القطبية يمرّان عبر توجيه ضربة أولى لروسيا ومن ثم إلى الصين. ولذلك تحوّل شعار الحلف الأطلسي، الذراع العسكري لواشنطن، باتجاه توسيع سياسة العدوان والحروب المحلية والاقليمية في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، وصولا إلى استعادة الحرب الباردة والعقوبات وافتعال الخضّات الداخلية ضد كل الدول والجبهات التي تعارض هذا التوجه، وأولها اليوم الصين التي اعتبر بيان الأمس الصادر في واشنطن أنها تشكّل  “تهديدا أمنيا، بما في ذلك بسبب علاقتها الوثيقة مع روسيا”. أي أن العلاقة الوثيقة مع روسيا ليست السبب الأول ولا الوحيد.

لكل ما تقدّم، نرى أهمية، بل ضرورة وضع حد نهائي لسياسة التوسع والعدوان التي ينتهجها حلف شمال الأطلسي، تنفيذا لتوجهات الامبريالية الأميركية والرأسمالية العاليمة. وهذا يتطلب تحركا عالميا جامعا على المستويين السياسي والشعبي يعيد للأمم المتحدة دورها المبدئي ومهمتها المركزية التي تأسست من أجلها، وهي صون السلام والأمن الدوليين، ومنع الحروب والعدوان والاحتلال، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق التعاون الدولي الهادف إلى حل المشاكل ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والانساني، ويعزز احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية للجميع بدون أي تمييز، ويساهم في إعادة نوزيع الخيرات التي تختزنها  الأرض من منطلق العدالة والمساواة.

 

* اكاديمية – قيادية في الحزب الشيوعي اللبناني

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى