العلامة الخطيب في خطبة الجمعة يستذكر 25 أيار: الصراع في حقيقته صراع بين أمة السلطة وسلطة الأمة
الحوار نيوز
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب “أن الصراع القائم اليوم هو في حقيقته صراع عودة الأمة للإمساك بزمام أمورها، وحقيقته صراع بين أمة السلطة وبين سلطة الأمة”.
أدى العلامة الخطيب الصلاة في مقر المجلس الشيعي بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي استذكر في مستهلها “مناسبةٍ تاريخيةٍ عظيمة هي يوم الخامس والعشرين من شهر أيّار عام 2000، التي شكَّلت محطة من محطات صراعنا الوجودي والحضاري كأمة مع أعدائها الذين ظنّوا أنه في لحظة من لحظات ضعفها أن بأمكانهم أن يُحقّقوا انتصارهم النهائي عليها، وأن يُخرجوها من التاريخ اعتماداً على عامل التغلّب العسكري الذي سيفسح لهم المجال واسعاً لإحداث التغيير البنيوي ثقافياً وفكرياً، وبالتالي قطعها عن جذورها الاصيلة والمتجذّرة عميقاً في تربتها وبيئتها قياساً مع تجارب تاريخية مع الكثير من الأمم في مراحل تاريخية غابرة، ولكن اعتماد قياس تجارب تاريخية ناجحة واتخاذها كقاعدة يمكن الاعتماد عليها للحصول على نتائج مشابهة دائماً غير منهجي وغير علمي، والحصول على نتائج متشابهة يحتاج إلى توفّر نفس العناصر والارضية في الموضوعات التي خضعت للتجارب السابقة، وإحداث التحوّلات الثقافية والفكرية في البيئة المستهدفة لا يتوقّف على العنصر المادي والتفوّق العسكري فقط، فقد حدثت في التاريخ تحوّلات كبرى كان العامل الفكري والثقافي فيها هو العامل الحصري، بل ان كل التحوّلات الحضارية التاريخية إنّما حصلت بفعل العامل الفكري والثقافي، وبمقدار ما يختزن هذا العامل من قوة بمقدار ما يكون التحوّل ثابتاً وقادراً على الصمود والبقاء”.
أضاف: وفي فهمي أن الصراع في حقيقته هو صراع ثقافات وصراع أفكار وليس بالضرورة أن يتحوّل الى صراع مسلح، باستخدام الحوار للوصول إلى نتائج تنهي الاختلاف أو حصره في هذه الحدود كما حدّدها القرآن الكريم على قاعدة (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). وقد اعتمد الإسلام هذا المبدأ مع المخالِفين له ولم يحصل على الإطلاق أن اعتمد الإسلام مبدأ الصراع المسلح مع أحد، وإنما بادر الرسول (ص) والمسلمون إلى مبدأ الدعوة بالحسنى واتخذ دائماً الحوار منهجاً له في تعاطيه مع مخالفيه ومنطق حرية الاعتقاد والرأي والدفاع وردّ العدوان حين يُواجَه بالعنف، ونكاد نقول إن المهمة الرسالية الأهم للاسلام هي مهمة الدفاع عن حرية الرأي والمعتقد ومواجهة القوى التي تعمل على قمعها وتعطيلها أو فرضها بالقوة والقهر وإيجاد الفضاء الحرّ للحركة الفكرية والثقافية النشطة التي تعتمد المنطق وتتوسّل الحقيقة.
وأعتقد أن هذا هو أهم عوامل الثبات والبقاء للاستمرار والنجاح لأيّ أمة من الأمم تعتمده كمبدأ من مبادئها وقاعدة تنطلق منها كأساسٍ تبني عليه مسيرتها ورسالتها الحضارية في الحياة.فالبقاء والاستمرار حاجة كانت وما تزال وستبقى إنسانية فطرية ثابتة تحتاج الى قواعد ثابتة تُلبّي هذه الحاجة لا تتغيّر بتغيّر الأزمان والأحوال والتقلّبات، وهذا هو جوهر وظيفة الدين الذي يختصر على البشرية التجارب المرة وآلامها، ولذلك حين تتخلّى الأمة عن هذا المبدأ وتتحوّل إلى فرض الرأي الواحد بالقوة وتعمل على تعطيل الحرية الفكرية والثقافية وتتخلى عن أسلوب الحوار كمنهج حياة، فهي تعمل على إنهاء دورها في الحياة وتأخذ بأسباب زوالها، لأنها حينئذ تفقد أهم عوامل بقائها.
وبهذا أيها الاخوة يمكننا تفسير ما وصلت إليه أمتنا من الضعف والوهن حين تحوّلت عن هذا المبدأ لتكون أمة السلطة التي يضيرها أن تملك الأمة حريتها الفكرية والثقافية، حين تحوّلت وظيفة الحكم الى سلطة ومن أداة تحمي هذا المبدأ إلى هدفٍ توظّف لحمايته الأفكار والمبادىء، فانقلبت بذلك الموازيين وافتقدت الأمة أهم عوامل قوتها وثباتها وخسرت معاركها التي خاضتها مع اعدائها لأنها سيقت لخوض معارك السلطة وليس لخوض معاركها الحقيقية لاستعادة الحكم من السلطة ليقوم بدوره في حماية حركتها الفكرية والثقافية وتنزع عنها عبودية السلطة التي سلبتها القدرة على المبادرة.
واذ نستعيد اليوم ذكرى صنعتها المقاومة وهي ذكرى الخامس والعشرين من أيار الذي يُشكّل يوماً مجيداً في تاريخنا المعاصر تَمَكّن فيه شعبنا من انتزاعِ نصرٍ تاريخيّ استحق بجدارة أن يُتخذ عيداً، ليس وطنياً لبنانيا فحسب، بل عيداً قومياً وإسلامياً يفتخرون به، فهو يُشكّل مخاضاً للأمة لتستعيد سلطتها وتفرض وجودها وتستعيد دورها في الوقت الذي تخوض فيه معركتها مع الصهيونية العالمية، فهذا الصراع في حقيقته صراع عودتها للإمساك بزمام أمورها حقيقته صراع بين أمة السلطة وبين سلطة الأمة، بين أمة السلطة التي تتخذ من المذهبية سلاحاً لها بدأ بانحسار مفاعيله لصالح الامة مع طوفان الاقصى ومساندة قوى المقاومة التي توحَّدت في المواجهة لتتجاوز المذهبية كعامل يعيق مسار عودتها لتلعب دورها باستخدام المذاهب بما يتجاوزه بل ويتناقض معه في أن تلعب دور الموحّد بين طاقات الأمة وتوظيفها في خدمة أهدافها، وهو ما تؤديه المقاومة اليوم فتُعيد المذاهب لتلعب دورها الحقيقي.
إنّ المشكلة أيها الأخوة ليس في تعدّد المذاهب، فهي مدارس متعددة في تفسير الإيمان وشروطه، وهي مسألة فردية للعلاقة بين الإنسان وربه، أما الإسلام فهو الذي عليه التعامل والتعاطي بين المؤمنين جميعاً، فالمسلم أخو المسلم إن احب أو كره، والاختلاف في تفسير الإيمان لا يجيز التكفير ولا يُبرّر إخراج أحد عن الإسلام.
وهذا أحد أهم إنجازات المقاومة، وهو أكثر ما يغيظ أعداءنا الذين يقفون وراء إثارة النعرات المذهبية على وسائل التواصل الاجتماعي أو يستفيدون ممن يُثيرها ويَنجرّ إليها بحجة الدفاع عن مذهبه أو عن أحقيته.
إنّ الواجب اليوم هو الإقلاع عن هذه المهاترات التي توجب الفتنة ولا يستفيد منها الا الأعداء، والا فلماذا أُثيرت بعد انتصار المقاومة في الخامس والعشرين من أيار والى الآن ؟ أليس ذلك إلا للحؤول دون التداعيات التي سيرتبها على هذا الانتصار، ونصل الى هذا اليوم الذي تُذيق فيه غزة والضفة الغربية والشعب الفلسطيني وقوى المقاومة العدو الذلّ والهوان لقوى العدوان ممن يقف خلف العدو الاسرائيلي، وينكشف زيف الشعارات التي رفعها الغرب وتصبح إسرائيل معزولة دولياً ويُتهم قادتها الجزارين أمام المحاكم الدولية بارتكاب الجرائم لأول مرة ؟!!!.
فمن كان يجرؤ في العالم قبل طوفان الاقصى على التحدث بسوء عن هذا الكيان؟ من كان يحلم أن يرى يوماً أن فلسطين ستكون الحدث الاول في اهتمام العالم؟ وأن يُرفع علم فلسطين في أغلب دول أوروبا وجامعاتها ثم يقرر بعضهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهل تحقّقت هذه الانجازات بفعل القرارات الدولية ام بتضحيات الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة؟.
لقد كان الأحرى باللبنانيين أن يكونوا أول من يعتزّ ويحتفل بأنه كان المؤسس لهذا الإنجاز، ولكن البعض للأسف اختار أن يستعدي المقاومة وأن يعمل على تخريب البلد ويستدعي أعداء لبنان والمنطقة لحصار لبنان وعمل على شيطنة المقاومة وإثارة المخاوف الطائفية وتسبّب بالأذى للبنانيين والمشاكل الاقتصادية وأعان على سوريا وشتّتَ أبناءها وتسبّب بنزوحهم إلى لبنان، ولكن هل تحقق ما أردتم؟.لقد كنتم يداً للغرب الصهيوني في العمل على توسيع شقّ الخلاف بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية الايرانية وحاولتم إثارة المخاوف منها ولكن بئتم بالفشل الذريع، فالعلاقات العربية الايرانية اليوم في تحسّن وتقدم مستمر وخصوصاً بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا).
ولقد أثبتت الجمهورية الاسلامية الايرانية صدقها وإخلاصها لقضايانا سواءً للقضية الفلسطينية أو للبنان بدعمها السخيّ واستعداداتها اللامحدودة لتقديم العون في كل المجالات للبنان، مع ما كلفها ذلك من أثمان سياسية واقتصادية وعسكرية دون أن تتراجع أو تتوانى وأثبتت بعد ان راهن البعض على أنها لن ترد على الاعتداء الصهيوني على قنصليتها في دمشق انها لا تستخدم قوى المقاومة للدفاع عنها، وأن مواقفها مبدئية وصادقة مع نفسها وثابتة على السياسات التي أعلنتها في أوائل الثورة وحوَّلت سفارة العدو الصهيوني إلى سفارة لفلسطين، وأقلّ الوفاء لها أن نكون إلى جانبها في الكارثة التي تسبّبت باستشهاد فخامة رئيس الجمهورية آية الله السيد ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية السيد حسين أمير عبد اللهيان ورفاقهم، نسأل الله تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته.
هذه الجمهورية الثابتة القوية بدستورها ومؤسساتها التي رغم تعرّضها للكثير من المشكلات التي سبّبها لها اعداؤنا جميعاً وفي كثير من الأحيان بسبب وقوفها إلى جانبنا والتزام قضايانا، ولكنها أثبتت انها دولة مؤسسات لم تتخلَّ عن أي استحقاق دستوري في أحلك الظروف تستحق الاحترام، وعلى اللبنانيين أن يتعلّموا كيف يحترمون أنفسهم متضامنين في الازمات، وعندما يتعرض وطنهم للأخطار بدل الامعان في إظهار الخلافات، وكيف يبنون وطناً لا مزارع طائفية، يصنعون الانقسامات والازمات التي لا يستفيد منها الا العدو.
تحية إلى الشعب الفلسطيني وشهدائه والى قوى المقاومة وشهدائها والى شعبنا الصادق والصامد والمضحي في سبيل كرامته وقضيته ووطنه.