قمّة ليست كباقي القممْ :ما قرّره العرب فضحَ كذب ومُراوغة أميركا (جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي- الحوار نيوز
اختتمَ القادة العرب أعمال قمتهم الثالثه والثلاثين ،يوم امس ، ٢٠٢٤/٥/١٦ ، في المنامة .
القمّة ،لو تمعّنا وبعمق ، هي ليست كباقي القمّم ،ولأسباب لا تقتصر فقط على انعقادها وحرب الإبادة في غزّة ، فهي قمّة جمعت دولاً مطبّعة مع اسرائيل ، و أخرى تُجرّم التطبيع ، وبعضها يشترط دولة فلسطينية قبل التطبيع ،ولكن الجميع اتفقوا على ادانة اسرائبل واستنكار جرائهما ووصفها بالإبادة ،و اتخذوا قرارات دون امتناع او تحفظ من هذه او من تلك الدولة .
لن أتناول مواضيع و ومقرّرات القمّة ،فقد أُشبِعتْ دراسة وتحليلا وانتقادا وتهويلا .سأتناول ،كما يُشير عنوان المقال ، موقفا تبناه العرب و ترجموه ضمن مقرراتهم ،والذي بيّن مراوغة وكذب أميركا تجاه حرب الإبادة في غزّة . ولكن قبل تبيان الموقف وفضح المراوغة والكذب ، أدوّن بعض الملاحظات عن نتائج القمّة مع مقاربتها بالمعطيات التالية :
-بما كانَ تنتظره الشعوب العربية ؛
– بالتحّول الاستراتيجي في الصراع العربي الاسرائيلي ؛
-بالتحّول الاستراتيجي في الرأي العام الدولي والشعبي تجاه القضيّة الفلسطينيّة .
المنطق و العقل ،و ليس الحكم المتسرّع والعاطفة ،تُملي علينا ان نقيّم نتائج القمة مع المُعطيات المذكورة ، علماً بأنَّ هذه المعطيات هي حقائق ووقائع ،لا يمكن ابداً دحضها او نكرانها .
أولاً ،نتائج القمّة وما كان تنتظره الشعوب العربية :
بالتأكيد لم تأت القمة بما كان يتمناه الشعب العربي ، الذي يقارن بين نتائج القمّة وهول المجازر والتجويع المتعمد والجرائم البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال يومياً . لم يدرك الشعب العربي بعد أنَّ مواقف الدول العربية موحّدة تجاه القضية الفلسطينية وتجاه سياسة اسرائيل الرافضة لحقوق الشعب الفلسطيني ، ومتباينة تجاه وجود اسرائيل .
ماذا يعني هذا ؟
يعني ان جميع الدول العربية تعلنُ ، بالسياسة وليس بالسلاح ، وتطالب بإقامة دولة فلسطينية ،و تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني ، وتعتبر أنَّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وتدين سياسة الاحتلال ورفض اسرائيل حقوق الشعب الفلسطيني ، وهذا الموقف العربي ثابت وراسخ منذ عقود ، ولكن مواقف الدول العربية أصبحت اكثر وضوحاً و صراحة تجاه وجود اسرائيل في المنطقة ، وكما هو معروف أيضاً ، ولا حاجة للتفصيل . أصبحَت مواقف الدول العربية تجاه اسرائيل ، وجوداً ، متباينة وفقاً للمصالح السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة لكل دولة . وهذا الأمر اصبحَ حقيقة وواقعا ،و لم يعدْ سبب خصام وقطيعة بين الدول العربية ، وعندما نتكلم عن وجود اسرائيل ،يعني ،بعبارة أخرى ، “وجود أميركا “، حيث أمن اسرائيل هو جزء من الأمن القومي الأميركي ، وهذا يعني أن الاعتداء على اسرائيل هو اعتداء على الأمن القومي الأميركي . وقد قالها انور السادات في رسالته يوم 20 اكتوبر عام 1973 ، مبرّراً قبوله وقف إطلاق النار بين مصر و اسرائيل: ” أنني ببساطة لا أستطيع ان احارب أميركا او ان أتحمل المسؤولية التاريخية لتدمير قواتنا المسلحة …” وبحسب ماورد في كتاب المرحوم محمد حسنين هيكل ، اكتوبر 1973-السلاح والسياسة .
نحن على بُعد مسافة زمنية بنصف قرن عن تصريح السادات ،فلو كان على قيد الحياة ليشهد ما يحدثُ اليوم ، حيث تغيّرت الموازين السياسيّة و العسكرية في المنطقة وفي العالم ، واصبحت مقاومة فلسطينيّة مُسلّحة في غزّة قادرة على الصمود و محاربة اسرائيل وأميركا ومنذ اكثر من سبعة شهور ، و اصبح الأميركيون والاسرائيليون يصرّحون بضرورة استخدام السلاح النووي للانتصار على غزّة ، وهذا يعني تحّولا استراتيجيا في الصراع العربي الاسرائيلي او في الصراعات في المنطقة .
ثانياً ، نتائج القمّة والتحول الاستراتيجي في الصراع العربي الاسرائيلي :
تغّيرت طبيعة الصراع او الصراعات في المنطقة ؛ صراع سياسي وليس عسكريا بين الدول العربية واسرائيل وموضوعه ليس وجود اسرائيل ،و إنما وجود فلسطين . وصراع عسكري بين حركات المقاومة الفلسطينية و الإسلامية والحركات والقوى المساندة لها واسرائيل ، وصراع ثالث سياسي و عسكري بين إيران من جهة وأميركا واسرائيل من جهة أخرى ، وموضوعه ليس فقط فلسطين ،وإنما مصالح و نفوذ الاطراف المتصارعة .
تواجه اسرائيل اليوم مُتغيّرا جديدا ،لم تألفهُ ولم تتوقعه، ألا وهو الموقف الدولي الرسمي و المحكمة الجنائية الدولية ،و الرأي العام العالمي ،الذي انتفض وبقوة لصالح دولة فلسطين .
ثالثاً، التحوّل الاستراتيجي في الموقف العام الدولي والرأي العام الشعبي تجاه القضية الفلسطينية:
نستطيع القول إننا ،اليوم ،وبفضل هذا التحوّل الاستراتيجي في رأي الشعوب ومواقفها المناهضة لإسرائيل والداعمة لفلسطين ، انتقلنا من مرحلة الحديث عن ” القضية الفلسطينية ” إلى مرحلة المطالبة ب “دولة فلسطينية ” .وهذا معطى جديد وعلينا استثماره وتوظيفه ، والترويج له .
أعودُ الى ماوردَ في العنوان ،للتعريف ماذا في مقررات القمة ما يفضح كذب و مراوغة أميركا .
سعت أميركا ،وقبل انعقاد القمة ،إلى إقناع دول عربية ( الإمارات ومصر و السعودية ) بإرسال قوات عربية إلى غزّة لحفظ السلام بعد وقف الحرب ، وحسب المعلومات ،رفضت الدول الفكرة ، ولكن ،في القمّة ،طالبت الدول العربية بقوات دولية في غزّة شريطة ان يكون وجودها تمهيداً لدولة فلسطينيّة .
لم تستحسن أميركا فكرة قوات دولية ،لاسيما والغرض من وجودها ،وحسب ماوردَ في مقررات القمّة ،ليس فقط للسلام ،و إنما وجود مؤقت وينتهي بأقامة دولة فلسطينية . لماذا لم تستحسن أميركا الفكرة ؟ ( واقول لم تستحسن لأنه لم يصدر جواب رسمي بعد ، وحسب تسريبات تشير بعدم استحسان الفكرة )
أولاً ، لأن أميركا ،وبعد التشاور مع اسرائيل ،ارادت قوات عربية لتوريطها ولإثارة الفتنة ، وربما الاقتتال مع حماس والجهاد في غزّة . و ثانياً لأن جميع الدول ترفض إرسال قوات إلى غزّة و الفصائل الفلسطينية حذّرت و صرّحت بانها ستتعامل مع قوات اجنبية في غزّة كقوات مُحتلة ، وثالثاً ، هو اشتراط القمة بأن يكون وجود هذه القوات مؤقتا و مرهونا بإقامة الدولة الفلسطينية.
مشروع الدولة الفلسطينية فكرة غير مطروحة في اجندة حكومة نتنياهو ،لذلك لا فائدة من الحديث او التوقّع بقبول او رفض الفكرة من قبل اسرائيل والادارة الأميركية ،الفكرة أساساً غير مطروحة على طاولة نقاش الحكومة الاسرائيلية .
ثمن كذب و مراوغة أميركا واسرائيل هو ضياعهما في قطاع غزّة ،و الذي لم يعدْ سلاحا ومقاومة ، وإنما تعبير عن ضمير العالم الحر و رمز للعدل ورفض اسرائيل وممر ليس لإعادة الروح في القضية الفلسطينية ،وإنما لإقامة الدولة الفلسطينية.
*سفير عراقي سابق. رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات
و تعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٤/٥/١٨