العلامة الخطيب:المشكلة الأساسية لأمتنا توظيف القضايا المذهبية في المشاريع الخاصة
الحوار نيوز – خاص
رأى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب في خطبة الجمعة “أنّ المشكلة الأساسية التي نعاني منها في لبنان هي امتداد لنفس معاناة أمتنا وبالأخص في العالم العربي في الفهم المُتخلّف والخاطيء لخصوصية المجموعات المذهبية والطائفية، وتوظيفها في مشاريعها الخاصة الذي يجعل منها مجموعات متخاصمة بل عدوة يعتبر كل منها الآخر عدواً له يجعلها ترتد على الداخل بافتعال صراعات داخلية، وقد يصل الامر ببعضها إلى الاستعانة بالعدو الحقيقي والطامع فيها على الآخر من إخوانه وأبناء أمته ووطنه بدل أن تستغل جهودها في مواجهة الاخطار الخارجية التي تهدّد وجودها فَتُهدر الطاقات وما تملكه الأمة أو أبناء البلد الواحد من قدرات في حروب عبثية داخلية لا يستفيد منها سوى العدو الطامع الذي ينتهز الفرصة للانقضاض على الجميع”.
وقال :لقد شكَّلت هذه القضية المعضلة الدائمة والمانع الأساسي لوحدة الامة، والسبب الأساسي للتخلّف وانعدام التنمية والقدرة على استثمار الطاقات والخبرات المتوفرة والثروات الطبيعية والانسانية لصالح مجتمعاتنا، ولذلك فإن التخلّص من هذا التخلّف وتغيير هذا الواقع غير ممكن ما لم نعد النظر بطريقة التفكير بفهم جديد لمعنى الدين والمذهب والوظيفة التي عليه تأديتها في خدمة الأمة والبشرية ضمن إطار الدين وأهدافه الحقيقية التي هي العبودية الخالصة لله سبحانه وخدمة الإنسان ووحدة الأمة التي حملت هذه المهمة كرسالة عليها تأديتها بإخلاص، فالمذاهب ليست الا تفسيرات للدين ، و لا يجوز أن تصبح بديلاً له لتتحوّل الى مجموعة من الاديان المتناقضة بفعل العصبيات والاهواء والمصالح كما هو عليه واقعها الحالي ومنذ أن أُريد لها ان تكون كذلك فتُهيأ لها أن تكون الوسيلة للاستخدام القذر لمصالح المستفيدين من أرباب السلطة والقرار، فيما المطلوب أن توظف في خدمة مصالح الأمة الواحدة وشعوبها كما هو المبدأ القرآني الذي يجب أن يكون المبدأ الحاكم في المذاهب كلها، وان كل اتجاه يخالف هذا المبدأ فهو اتجاه مخالف للقرآن يُرمى به عرض الحائط، وهو تعصّب مقيت يرفضه الدين الذي أتى لتحرير الإنسان والمجموعات البشرية من التعصّب الاعمى للقبيلة والجماعة والمذهب والطائفة. لذلك، فإن وظيفة المجموعات المتنوعة داخل الأمة سواءً المجموعات العرقية أو الدينية هي أن توظّف طاقاتها وانتماءاتها في خدمة أهداف الامة ومصالح شعوبها، وأن تبقى المذاهب الفقهية والعقائدية في إطارها المدرسي دون توظيف لها في السياسة وتحويلها عن وظيفتها الاساسية الى عصبيات تمزق شمل الأمة ووحدتها”.
أضاف: “من هنا، فإنّني أدعو إلى ترك المجادلات المذهبية التي تدور على نفسها منذ أن اُستخدمت المذهبية في السياسة وفي غير إطارها والتي كادت في المرحلة الراهنة أن تقضي على الجميع، وأثّرت على قضايا الامة بما لا يُحمد عقباه، أليس مما يضحك الثكلى أن نرى حرب غزة تأخذ عند البعض طابعاً مذهبياً فيمتنع البعض عن دعمها وتُتهم المقاومة الفلسطينية وقادتها في غزة بالتشيّع والتبعية لأن إيران الشيعية أو المقاومة في لبنان والعراق واليمن التي تساند المقاومة والشعب الفلسطيني، وأصبح الشيعة متهمين أن قاموا بواجبهم الديني بمساندة إخوانهم السنة في فلسطين، فهل التسنّن والتشيع إلا أمةً مسلمةً واحدةً يقتضي الواجب الديني والاسلامي التعاضد بينها في مواجهة أعدائها. فلنخرج من إشكالية المذاهب والطوائف الممزَّقَة والمُختَرعة إلى رَحابة الأمة، ومن مصالح الانظمة الضيّقة إلى مصلحة الأمة الواسعة، فإن رحابة الأمة أوسع من ضيق التمذهب، وليكن التضامن مع القضية الفلسطينية الذي حقّقه طوفان الاقصى فرصةً للتخلّص من قيود الطائفية والعودة إلى الوحدة، وأدعو إلى اجتماع مشترك لبحث جاد حول المعوقات التي تقف عائقاً دون هذه الوحدة، أفليس من المعيب أن ندعو الآخرين إلى كلمة سواء ثم لا نقوم بتطبيق ذلك على أنفسنا؟”
وتابع: “هذا الحل هو الذي سيسري حتى على مشاكلنا الداخلية بدل الخصومات وإثارة العداوات أن نعود إلى الحوار وألا نستخدم المذهبية السياسية أو الطائفية السياسية في استقواء البعض على البعض الآخر التي هي أسلحة دمار شامل لأوطاننا ومجتمعاتنا وقد جَرّبنا ذلك فماذا كانت النتائج؟ لذلك لا مفرّ لنا إذا أردنا ألا نكون أدوات هدم وتخريب من العودة إلى ذواتنا لنجلس على طاولة الحوار لا كمذاهب وطوائف نستخدم الدين والمذهب لمصالح فئوية، بل كمواطنين وكأمة وشعب لنحدّد مصالحنا ومصالح وطننا وشعبنا، وألا نبقى نُمعِن في ضرب مؤسساتنا كلبنانيين لنخرج بحلول تليق بنا كشعب وبوطننا كمواطنين. إنني أدعو إلى الخروج من العقلية الطائفية إلى العقلية المواطنية، وأن نُفكّر في جميع مواطنينا إلى أي طائفة أو مذهب انتموا، وسيكون الاجتماع والحوار تحت قبة البرلمان برئاسة رئيسه دولة الرئيس نبيه بري أمراً طبيعياً وستخرجون بالحل الذي فيه مصلحة الوطن والمواطنين، وسيكون عندئذ النظر إلى المقاومة مستقيماً وأنها مصلحة لبنانية بعيداً عن الحسابات الطائفية التي أعمت العيون عن رؤية الحق. وأنا اسأل ما يسمى بالمعارضة عن موازينها في محاسبة الأمور، فتارة يتحدثون بدعوى المواطنة وأخرى بدعوى الطائفة وهذان لا يستويان، فاختاروا إما أن تكونوا مواطنين تتحدثون بحقوق المواطن أو طائفيين وإلا فأنتم تناقضون أنفسكم”.
وقال: “أقول لكم انظروا إلى الغرب الذي اتخذتموه نموذجاً تحتذونه كيف انكشفت عورته وبانَ على حقيقته في التعاطي مع طلاب الجامعات لديه، وأين هي الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان ليس في تعاطيه مع قضايانا فحسب بل مع أبنائه في الجامعات التي طالما تشدّق بها وعَيّرتم بها شعوبنا، هل ما زلتم مسحورين بحضارته المزيفة وشعاراته الخادعة؟؟ ألا يدفعكم ما يجري في الغرب من انكشاف حقيقة السحر الذي سحر أعينكم إلى أن تروا الأمور بمنظار الحقيقة وأن تقفوا مع أنفسكم وأن تتعلّموا الرجولة من رجال المقاومة ومن الشعب الفلسطيني إلى موقف حرّ أبي”.
وختم: “أخيراً، من المسؤول عما حصل من تفكك في المؤسسات أودى الى التفلّت الأخلاقي المريع أن تنشأ عصابات لخطف الأطفال واغتصابها أو عما حدث من كارثة في مطعم غير مرخّص نتيجة التراخي في المراقبة وعدم تطبيق القانون أودى بحياة عدد لا يُستهان به من الأبرياءالذين نسأل الله لهم الرحمة وان يلهم اهلهم الصبر، لذلك نحن نطالب أجهزة الدولة بالإسراع في التحقيق والتشدّد في تطبيق القانون وملاحقة المجرمين الذين يعيثون فساداً. وما حدث إنذار للمسؤولين عن أن الوضع وصل الى حد لا يمكن السكوت عليه والمعالجة الحقيقية تبدأ بالسياسة وبانتظام المؤسسات رحمةً بالوطن والمواطنين، استجيبوا لنداء الضمير فالوقت لا يتسع للمزايدات والمكايدة، فلا حلّ إلا بالحوار ثم الحوار ثم الحوار، وإلا فإن الذين يرفضون الحوار ويدعون الى التقسيم والفدرلة ويعلمون أن لبنان لا يتحمّلها فهم في الواقع يدعون الى خراب لبنان، ومن لا يريد العيش معنا فليرحل الى حيث يريد”.