عالم ما بعد أميركا والصهيونية وعرب التطبيع : نُذُر الحرب الكبرى وموت الغرب المستعمر(فرح موسى)
كتب د.فرح موسى – الحوار نيوز
يبدو أن سياسة التضليل والتكاذب والمخادعة لم يعد لها فعالية التأثير في الرأي العام العالمي،وخصوصًا لدى النخب المثقفة وطلاب الجامعات بعد أن بلغ الموقف الغربي المتسلط مستوى التعاطف مع الجريمة الصهيونية في فلسطين. فكل سياسات واستراتيجيات العالم اليوم متوافقة على حتمية ما ستؤول إليه الأحداث في الشرق الأوسط بدءًا من طوفان الأقصى وانتهاءً بالردع الوجودي الذي أحاط بكل غرب آسيا،وتوّلدت عنه نتائج معاكسة تماما لما يخطط له في الدول الاستعمارية.
إنه ردع إيراني عبر فضاء أميركا والغرب قبل أن تصل شظاياه بلاد العروبة وفلسطين.وهذا ما أدى إلى أن تكون أحداث العالم متسارعة على نحو لم يسبق له مثيل في التحولات العالمية.فإذا كان العالم اليوم يشهد تحركات شعبية هائلة ضد سياسات النفاق والتضليل التي تمارسها أحزاب الصهيونية ودول الظلام الحضاري،فقد لا يكون ذلك كافيًا لإحداث التحول الإيجابي في مسارات الأحداث؛كونه سبق لهذه الشعوب أن ظهرت بقوة إبان غزو العراق وأفغانستان وليبيا وغيرها من الغزوات الصهيونية من دون أن يكون لها أثر يذكر،بل كان كل موقف معارض يموت أمام أدنى تفاعل صهيوني في العالم.وقد لا يكون من الجدوى التعويل على الرأي العام الأوروبي أو الأمريكي طالما أن الإيديولوجيا الحاكمة هي براغماتية ما توحيه المنافع الصهيونية وديمقراطية الظلام النازي من غرينادا إلى بنما وصولًا إلى فلسطين.
وما بين ذلك كثير وكثير.فلا تعويل على هتاف الحناجر لإحداث صدمات التغيير،أو لمنع وقوع الحرب الكبرى التي تنذر بها مآلات الأحداث،سواء في أوكرانيا،أو في بحر الصين،أو في فلسطين والشرق الأوسط،ذلك أن الأحزاب العالمية ذات البعد الصهيوني هي من تقرر في النهاية ما إذا كانت تريد لسطوة التنافس أن تبلغ حد الانفجار الكبير وحدوث الكارثة النووية تحت بروق المطامح الصهيونية.فالقرآن الكريم كما يعرف أهل الاستراتيجية العربية والإسلامية يوصف لنا حالة الأحزاب الطاغية في المال والسلاح ،فيقول:”بل الذين كفروا في عزة وشقاق..”،وهم قد بلغوا حد الطغيان والاستكبار بما بلغوه من قتل وإجرام ،فتراهم يصعّدون في المواقف،ويفرضون العقوبات لمجرد انبعاث موقف حق من هنا أو هناك،هذا فضلًا عما يحدثونه من أزمات مالية أو اقتصادية،أو يغذونه من حروب بالوكالة لفرض الهيمنة وقتل روح المنافسة كما تفعل أميركا مع الصين الشعبية.
نعم،إنها نذر الحرب الكبرى على أبواب جهنم الصهيونية بعد أن تناقضت المصالح،وتباعدت الرؤى والمواقف في الاقتصاد والمال وسياسات الفجور العالمي.وقد بيّنت لنا التجربة التاريخية أن الدول المتصارعة اليوم على النفوذ والقاهرية لا تختلف في شيء عن تلك الحزبيات الطاغوتية التي عايشتها الشعوب في تاريخها.وقد ظهّر لنا القرآن موقفًا مهمًا عن هذه الحزبيات القاتلة بكل صيغها السياسية والاقتصادية على نحو لا يجعلنا نفارق كثيرًا جاهليات التاريخ التي سبقت الاستعمار الحديث في كثير من تفصيلاته الحضارية المادية؛ وكانت النتيجة الحتمية لذلك،بموجب حاكمية السنن التاريخية،الهزيمة لهذه الحزبيات التي كانت تتولد دائمًا عن عبثية الرؤية اتجاه الإنسان ومصيره في هذا العالم،وهذا ما يعرضه لنا القرآن في قصصه عن نماذج الطغاة أمثال فرعون وهامان وقارون،ونماذج الحزبيات الجاهلية كتلك التي عرض لها عن عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم كثير ممن اندثروا بفعل التظالم والتكاذب والاستكبار.
إن عالمنا اليوم يعيش جاهلية كل القرون…فلم تبق فاحشة أو رذيلة إلا واستحضرت من جاهليات الأحزاب في تاريخها.وليس من عجب،ولا من قلة وعي،أن يُرى لعالمنا اليوم هذا المصير النووي الأسود،ليكون البديل تحققات وجودية أخرى تفرضها إرادة السماء كما جرت العادة وحكمت السنن أن تموت الحضارة وكل العلوم البائسة ليبقى العالم حيًا في مساره التشريعي تمامًا كما هو حيُ في مساره التكويني.إن أحدًا في الدنيا لا يملك قدرة أو إمكانيةً لإعطاء المقادير لهذا العالم،فالله تعالى هو المالك للمقادير،كما قال تعالى:”وقد جعل الله لكل شيء قدرًا…”،فأنى لأهل الزيغ والضلال أن يبلغوا مستوى التحقق الوجودي بعيدًا عن إرادة الله تعالى،فكل شيء قدر تقديرًا،وكما أهلكت عشرات الحضارات،فكذلك حضارة الغرب ستهلك بنار سعّرتها لنفسها في أوج الطغيان والاستكبار،كيف لا وقد قال تعالى:”وكم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادَوا ولات حين مناص..”.
إن عالمنا اليوم يعيش أسوأ تحولاته وقد أصبح أكثر واقعية لتقبل أطروحات الفناء بعد أن يأس من فرط قوته وطغيان سياساته الاستعمارية؛ وهذا ما نرى ملامحه قد بانت في أحداث الشرق الأوسط في ظل العجز عن إيجاد ميزان ردع جديد ،سواء في باب المندب،أو في مضيق هرمز.فالغرب المستعمر عاجز عن تثبيت سياسة الردع،وهو لا يزال يتفاعل مع صدمة الردع الاستراتيجي الذي أخرجته من قوة الموقف إلى حيرة الفعل الحضاري،كونه تلمّس حقيقة أن المستعمرات لم تعد صالحةً لتكون سوقًا أو مجالًا للنفوذ، ولهذا نرى أن أكثر ما يُخشى منه هو استشعار الغرب لأزمته الوجودية في مراكز نفوذه وقوة طغيانه،فيؤول به الأمر إلى مزيد من التهور في مجال تظهير القوة،ولعله هو اليوم ماثل أمام نفسه لتقدير مكامن قوته لإعادة الكرة على مسرح أحداث قد خرج عن طوعه، فتكون الطامة الكبرى،هذا إذا لم تسبقه الأحداث لتأخذ به إلى الفناء في الفضاء الأوكراني ،أو في البحر التايواني،فكل المسارات تغيّرت وتبدّلت،ويمكن لعالمنا في لحظة حرجة أن ينزلق إلى جهنم. فلم يعد أمام أميركا والكيان الصهيوني،وكل من يلحق بهم من أهل التطبيع العربي،لم يعد أمامهم سوى أن يختبروا قوة الردع الجديدة،وهي قوة ردع إلهية بامتياز تحتم على هؤلاء الانزعاج عن مواقعهم ليتلمسوا معنى قاهرية السماء.
ولا شك في أنه سيكون من تداعيات التحولات الكبيرة في الشرق الأوساط استعجال الموت على أبواب أوروبا والغرب.فالتداعيات كبيرة وهي تنذر عما قريب بسقوط كل الهياكل الوهمية في الاقتصاد والسياسة على رؤوس أحزابها، بعد أن تكون الحرب الكبرى قد أكلت كل إمكانات وقدرات القهر الاستعماري،وها هو قد قهر في الشرق الأوسط على أبواب فلسطين واليمن وسائر الدول المقاومة للمشروع الصهيوني في الأقليم. فالتاريخ شاهد على هزيمة الأحزاب، وينضح بتجارب الأمم،وعالمنا ليس بدعًا من العوالم،وإنما هو مرحلة من مراحل التحول البشري والخلق الإلهي،ولا بد أن تكون حضارة الطغيان آيلة إلى السقوط لبقاء العالم،تمامًا كما سقطت كل حضارات التاريخ،وقد أثبت لنا القرآن الكريم والسنن التاريخية الحاكمة أن الله غالب على أمره،فلم يفلح طغيان البشرية في إقصاء السنن،ولا في مواجهة العواقب،فلله الأمر من قبل ومن بعد،وهو القادر على أن يعيد المسارات كلها إلى حيث يجب أن تكون،ليكون العالم أكثر عدالة وأثبت حقًا،ولا بد من تمام الكلمات الإلهية صدقًا وعدلًا…والسلام.