د. عدنان عويّد – الحوار نيوز
في المفهوم:
التّطبيع مصطلح في سياقه سياسيّ يشير إلى جعل العلاقات طبيعيّة بين دولة وأخرى، أو بين دولة وعدة دول كان بينهم عداوة أو خلافات وتوتر لأسباب ما، وهم يسعون بالتطبيع لتجاوزها والعودة إلى خلق علاقات طبيعيّة بينهم .
وهذا يعني أنّ تّطبيع بعض الدول العربيّة مع الكيان الصهيونيّ يهدف إلى جعل علاقات الدول العربيّة معه طبيعيّة، ويأتي في مقدمتها الاعتراف بوجوده، بعد كل المجازر والاعتداءات التي قام بها هذا الكيان ضدّ شعوب دول الجوار العربيّة بشكل عام، و الشعب الفلسطينيّ منها بشكل خاص.
السيرة التاريخيّة للتطبيع:
لمؤازة إقرار “وعد بلفور” من أجل إقامة الدولة اليهوديّة على أرض فلسطين، كانت اتفاقيّة سايكس بيكو الرامية إلى تفتيت سورية الكبرى، والتي جزّأتها فعلاً إلى سورية ولبنان والأردن وفلسطين. وأمام حالة التذرير هذه لسورية الكبرى، جاء انعقاد مؤتمر “سان ريمو” عام 1920 ليفرض حالة التذرير هذه باسم الانتداب ورسالة الرجل الأبيض. ومع تطبيق سياسة الانتداب، أصبحت مسألة تنفيذ المشروع الصهيونيّ وإقامة الدولة الصهيونيّة أمراً حتمياً تحت مظلة السيطرة الاستعماريّة واستحكام قبضتها على مقاليد أمور البلاد. يساعدها في ذلك الحكومات العربيّة المُشكلة في تلك الفترة برغبة استعماريّة، حيث كانت مؤهلة من خلال طبيعتها ومصالحها وارتباطاتها لتنفيذ هذا المشروع الصهيونيّ الامبريالي.
إن التطبيع مع الدولة الصهيونيّة ليس حديثاً كما يبدو لبعضهم، فالكثير من الأنظمة العربيّة منذ حرب 1948 كانت وراء قيام هذه الدولة والتعاون معها في السر. فوراء تدخل الملك عبد الله في حرب 1948، كانت تكمن رغبته في تحقيق مصالحه على حساب القضيّة الفلسطينيّة من خلال سعيه لضم القسم الذي أقرته الأمم المتحدة في قرار التقسيم “181” للفلسطينيين تحت نفوذه، أي تحت نفوذ الأردن. أما تدخل الملك عبد العزيز بن سعود في هذه الحرب، فكانت رغبته في منع الملك عبد الله من تحقيق ضم هذا القسم الذي ترك للفلسطينيين في قرار التقسيم للأردن، حتى لا يقوى نفوذه، وبالتالي امتلاكه القدرة على استرداد ملك أبيه الذي يرى أن آل سعود أخذوه منه في السعوديّة. أما الملك فاروق فكان يطمح بالخلافة الإسلاميّة بعد أن تخلى عنها “كمال أتاتورك”، لذلك تدخل لمنع “عبدالله” من الحصول على القسم الفلسطيني ذاته وضمه إلى الأردن وبرغبة سعوديّة كما سيمر معنا بعد قليل.
تذكر المصادر قبيل قيام حرب 1948، أن الملك عبد العزيز أرسل رسالة إلى الملك فاروق يقول له فيها: ( إن صاحبنا – يقصد الملك عبد الله – في الشرق، ” تأبط شراً” يبغي يفاجئنا بالمحظور، فملكه لا يصير توسيعه على حساب القضية، وهو يلعب مع الإنكليز، والانكليز يلعبون به، فوقفه عند حده لازم، وثوقنا بعد الله في حكمتكم. وإلا المصائب تقع علينا وليس عليهم… ). (1) .
ومثل هذه الرسالة وجهت من قبله إلى قبائل الأردن وحكومة دمشق، وقد أعلن عن دعمه لتقديم الدعم الماديّ للمعركة إذا خرج منها عبد الله. (2).
هذا وقد جاء في مذكرات “بن غوريون” عندما سأل المندوب البريطاني عبد الله عن موقف العرب من الحرب إذا قامت، قال له عبد الله: ( الجامعة ليست جامعة، والقرارات ليست قرارات، لقد طرحوا في الجامعة مشروع قطع العلاقات مع الغرب، كلام فارغ، هل ابن سعود يستطيع قطع العلاقات مع أمريكا؟. كل واحد في العالم العربي يزايد على الآخر… البيان الذي صدر بعد انتهاء اجتماعات الجامعة، كان موجها لتغطية الفشل العربيّ… شرق الأردن لم يوافق على أي قرار…مصر أعلنت صراحة أنها لن تقدم سوى المال والدعاية والعمل السياسيّ، ولكن لا سلاح ولا جيش وربما يُسمح لمتطوعين… لبنان قال إنه لا يستطيع تقديم أكثر من /500/ بندقية. سورية لها حسابات أخرى.. السعوديّة تعطي الدولارات.. اطمئنوا فالفيلق الخامس بقيادة كلوب باشا.). (3)
نتيجة الخيبات العربيّة المحققة عن طريق تآمر الحكام العرب على القضيّة الفلسطينيّة، والحصار الذي فرض على منظمة التحرير الفلسطينيّة، والمواقف الضاغطة من الغرب وأمريكا، ونتائج مشروع روجرز الذي يرمي إلى سيطرة أمريكا على المنطقة وعزل القضيّة الفلسطينيّة عن محيطها العربيّ التضامني، وتثبيت الوجود الاسرائيلي في المنطقة، وبالتالي تحويل مشكلة الصراع بعد حرب سبعة وستين المدمرة بين مصر وسورية مع الدولة الصهيونيّة من مشكلة وجود إلى مشكلة حدود… نقول: أمام كل معطيات هذه الخيبات، بدأت تظهر بعض الأصوات من القادة الفلسطينيين بضرورة حل الصراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، حلاً يقوم على مد الجسور لإقامة مفاوضات سلميّة. ومن هذه الأصوات كان صوت “نايف حواتمة” و”أبو مازن” و”محمود عباس”.
فهذا “أبو مازن” يشير في مذكراته في عام 1970 قائلاً: ( لقد توصلت إلى ضرورة العمل على الاتصال بالقوى الإسرائيليّة لإجراء حوار معها من أجل الوصول إلى سلام.).
وهذ “نايف حواتمة” قبيل حرب تشرين بعدة أشهر في آب 1973، يتقدم بفكرة أوليّة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، تهدف إلى ضرورة إقامة دولة ديمقراطيّة موحدة في فلسطين . أما أول جزء من خطة هذا التوجه فهو إقامة سلطة فلسطينيّة على أي جزء من الأراضي المحتلة في فلسطين، بعد تحريرها أولاً بالسلاح أو بالطريقة السلميّة. (4).
بعد حرب تشرين وتحول مصر عن النهج القومي، راح السادات يمارس ضغطه لحل القضية الفلسطينيّة حلا سلميّا وفق قرار مجلس الأمن 338 ( 22ت1 1973 )، الذي دعا الأطراف المتنازعة جميعاً إلى وقف إطلاق النار وتطبيق القرار242.
وفي مؤتمر القمة العربية السادس (26-28 تشرين الثاني 1973)، أعلن الحكام العرب المتواجدون في مؤتمر قمة الجزائر “التزامهم باستعادة الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ وفق ما تقرره منظمة التحرير”، بعد أن أعطوا المنظمة حق التمثيل الشرعيّ لمصالح الفلسطينيين، في مسألة الصراع العربيّ الصهيونيّ. وهنا تخلى العرب بقرار رسمي عن القضية الفلسطينيّة، وتركوا الفلسطينيين يناضلون دون أرض أو تغطية سياسيّة أو عسكريّة.
بعد هذا التنازل العربيّ عن دعم القضية الفلسطينيّة، تنازلت الدول الإسلاميّة أيضاً في مؤتمر “منظمة المؤتمر الإسلاميّ 1974 المنعقد في “لاهور” عن الفلسطينيين، باتخاذهم قراراً يؤيد استقلاليّة القرار الفلسطينيّ. (5).
في الدورة 39 لهيئة الأمم المتحدة 1974 اتخذت الهيئة العامة للأمم المتحدة قراراً جاء فيه دعوة منظمة التحرير للمشاركة في مناقشات القضيّة الفلسطينيّة من حيث كونها ممثلاً للشعب الفلسطينيّ. (6).
وبعد حوادث لبنان في /12/ آذار/ 1977، بدأ ما يسمى بالتيار الفلسطينيّ المعتدل يفرض قناعاته تجاه تسوية المسألة الفلسطينيّة، حيث أصدر “المجلس الوطنيّ الفلسطيني” بياناً دعا فيه إلى ضرورة إجراء اتصالات مع القوى الصهيونيّة بما يتلاءم ومصلحة الشعب الفلسطيني. (7). بيد أن الرافضين لهذا الاتجاه قاموا بتصفية العديد من المنادين به أمثال: ( رؤوف القبيسي- علي الياسين- سعيد جمامي- عز الدين قلق- ابراهيم عبد العزيز – نعيم خضر- ما جد أبو شرارة). هذا في الوقت الذي كان فيه ملك المغرب الحسن الثاني يشجع ويدفع الفلسطينيين (منظمة التحرير) إلى ضرورة التنسيق مع مصر لتحقيق التسوية السلميّة، الأمر الذي جعل السادات يوافق على وساطة الملك الحسن بعودة المنظمة إلى القاهرة. (8). ترافق ذلك مع إصدار أمريكا توجهات لسفاراتها بعدم استقبال أي من القوى الفلسطينيّة حتى يعترفوا بإسرائيل وبقراري مجلس الأمن 242 و338. وبذلك سُدّتْ كلُ منافذ الحركة والنضال أمام الفلسطينيين وقادتهم. (9)0.
مع قيام الثورة الإسلاميّة في ايران 1979اتجهت منظمة التحرير نحو ايران كحليف وداعم للحق الفلسطيني. غير أن خطأ الحسابات السياسيّة في حرب الخليج الأولى وعودة منظمة التحرير لحضن العراق أفسد العلاقات بين الفلسطينيين وايران.
وعندما قام التغيير في روسيا بفعل “البيروستريكا” ذهب وفد فلسطينيّ رفيع المستوى إلى موسكو يعرض حال الفلسطينيين وتخلي الكل عنهم، طالبين الدعم الروسي لهم كون روسيا أحد الأطراف الأربعة المكلفة بحل قضية الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ. إلا أن غورباتشوف قال لهم عودوا إلى أمريكا فالحل كله عندها.
سارت مصر بمشروع السلام وعقدت اتفاقية كامب ديفيد عام ( 1979). أما الفلسطينيون فقد اتجهوا إلى انتفاضة الحجارة، فكانت النتيجة اتفاقية “أوسلو” (1993) التي أهم نتائجها أمام الحصار الذي فرض على الفلسطينيين من كل الجهات، هو تحقيق أرض يتواجدون عليها ويفاوضون… وبضعة بنادق لشرطتهم… وعلم يرفرف على مقر سلطتهم أمام كل التحديات، وليقولوا للعالم كله نحن باقون وأجيالنا ستعرف أن فلسطين لهم وستعود يوما لا محال. ثم تلتها الأردن باتفاقيّة وادي عربة (1994)
الامارات والبحرين وصفقة القرن
كُتب الكثير في المواقع الإلكترونية والصحف والمجلات العربيّة، وظهر الكثير من التحليلات السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والثقافيّة على القنوات التلفزيونية التي تناولت هذا المسار التطبيعي الذي سمي بصفقة القرن. لذلك سأحاول في هذه العجالة أن أبين أهم الأهداف الرامية إلى هذا المسار التطبيعي بالنسبة لكل الأطراف المعنيّة بهذا التطبيع بشكل مباشر أو غير مباشر.
على العموم لم تكن صفقة القرن الساعية إلى تطبيع العلاقات بين ما تبقى من الدول العربيّة والدولة الصهيونيّة وليدة المصادفة، أو الظروف التاريخيّة الراهنة، وإنما عمليّة التطبيع بين الدول المطبعة أخيراً وخاصة (الإمارات والبحرين)، كانت قائمة منذ سنين طويلة في الظل، حيث كانت كلتا الدولتين بالكاد تخفيان العلاقات مع إسرائيل. والآن تتطلعان إلى التواصل بشكل منفتح، فجاءت صفقة القرن كي تظهرها على السطح، أي كانت تنتظر فقط الرافعة التي تسمح لها بالظهور على السطح، ولتسمح لكل من المغرب والسودان أن يسيرا في هذا الاتجاه أيضاً.
لقد اختار الحاكم الفعلي للإمارات أن يعلن الزواج السياسي بين (أبو ظبي وتل أبيب) بعد خطوبة استمرت عدة سنوات، وقد نال هذا الزواج السياسيّ مباركة هيئة الإفتاء الإماراتيّة ببيان صادر عن رئيسها العالم الموريتاني “عبد الله بن بيه” الذي رأى أن مثل هذه العلاقات هي شأن سياديّ للحاكم.
لقد تمّ الإعلان عن اتّفاقيّة التّطبيع بين اسرائيل والإمارات العربيّة المتّحدة يوم الخميس 13/أغسطس/2020م، ونصّت هذه الاتّفاقيّة على التّطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين تحت ذريعة تعزيز السّلام في منطقة الشّرق الأوسط، كما أنّها نصّت على توقيع الاتّفاقات الثّنائيّة في مختلف المجالات، ومنها: الأمن والاتّصالات والتّكنولوجيا بالإضافة إلى السّياحة والثّقافة.
وقد تمّ الإعلان عن قيام “مملكة البحرين” أيضاً بإبرام اتّفاقيّة التطبيع مع دولة إسرائيل يوم الجمعة 11/سبتمبر/2020م، وأعلنت وكالة الأنباء الرّسميّة البحرانيّة “أنّ توقيع هذه الاتّفاقيّة يعدُّ أحد الجهود الدّوليّة للبحرين في نشر ثقافة السّلام والتّعايش في مختلف أنحاء العالم”، كما قالت وكالة الأنباء الرّسميّة “أنّ إعلان السّلام البحرينيّ الإسرائيليّ يخلق للشعب الفلسطينيّ فرصاً أفضل في إقامة دولة مستقلّة ومستقرّة ومزدهرة أيضًا”.
الأسباب الداعية للتطبيع الأخير وفق صفقة القرن:
أولاً: تحقيق فرص تجاريّة وعسكريّة لدول الخليج:
تنظر الدول المطبعة إلى أن هذه الاتفاقيّة ستساعدهم على كسب التكنولوجيا الاسرائيليّة، وخاصة بالنسبة للإماراتيين الطموحين، الذين جعلوا من أنفسهم قوة عسكريّة ومركزاً تجاريّاً ومقصداً للسياحة، و ذلك على اعتبار أن إسرائيل تمتلك أحد أهم قطاعات التكنولوجيا في العالم.
ويبدو أن الأمريكيين مهدوا لإبرام الصفقة عبر تقديم وعود بأسلحة متطورة كانت الإمارات العربيّة المتحدة بالكاد قادرة على التفرج عليها في الماضي. وهي تشمل مقاتلة اف 35 وطائرة الحرب الإلكترونيّة “إي ايه-18جي غرولر”.
وكان أيضاً تشارك المخاوف نفسها من إيران، لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات والبحرين. فحتى عام 1969، كانت إيران تدعي أن البحرين جزء من أراضيها. ويعتبر حكام البحرين السنّة أيضاً أنّ بعض الشيعة في المملكة بمثابة طابور خامس محتمل لإيران. أما قضية الجزر بين إيران والإمارات فهي غير خافية على أحد. ويعد تعزيز التحالف ضد إيران ميزة كبيرة أخرى، حيث يرى نتنياهو ودولتا الامارات والبحرين أنّ إيران هي العدو الأول لكل منهم.
ثانيا: تخفيف عزلة إسرائيل.
يعتبر تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين اليوم إنجازاً حقيقيّاً للإسرائيليين. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤمن بالاستراتيجيّة التي وُصفت لأول مرة في عشرينيات القرن الماضي بـ”الجدار الحديديّ”. وتركز الفكرة على أن القوة الإسرائيليّة ستجعل العرب في النهاية يدركون أن خيارهم الوحيد هو الاعتراف بوجودها، لا سيما وأن الإسرائيليين لا يحبون العزلة في الشرق الأوسط، ولم يكن السلام مع مصر والأردن دافئاً أبداً بالنسبة لهم، وربما لديهم تفاؤل أكبر بشأن العلاقات المستقبليّة مع دول الخليج.
ثالثاً: إن نتنياهو كان محاصراً أيضاً، ويواجه محاكمة بتهمة الفساد التي قد تؤدي به إلى السجن آنذاك، إضافة لسوء تعامله مع جائحة كورونا التي دفعت المعارضين إلى تنظيم مسيرات أسبوعية خارج مقر إقامته في القدس. ولذا، لا يمكن أن يأتي وقت لتوقيع حفل الاتفاق في البيت الأبيض أفضل من هذا التوقيت.
رابعاً ً: انقلاب في السياسة الخارجيّة لأمريكا
هذه الصفقة، تفيد رئيس الولايات المتحدة على مستويات عدة: فهي تقدم دفعة كبيرة لاستراتيجيته الرامية إلى ممارسة “أقصى ضغط” على إيران. وهي أيضاً ذخيرة مفيدة، خاصة في الأيام الأخيرة من الانتخابات، لدعم تفاخره بأنه أفضل صانع صفقات سلام لإسرائيل في العالم. وهذا ما جعل “ترامب” يعلن عن الاتفاق من البيت الأبيض. إضافة لذلك، فأي شيء يفعله لصالح إسرائيل، أو بالأحرى لحكومة بنيامين نتنياهو، يتماشى جيداً مع الناخبين الإنجيليين المسيحيين الأمريكيين، وهم جزء مهم من قاعدته الانتخابيّة. وبالتالي يجب على تحالف “أصدقاء أمريكا” ضد إيران أن يعمل بشكل أكثر سلاسة عندما يكون عرب الخليج منفتحين بشأن علاقاتهم مع إسرائيل.
لقد كان هناك الكثير من الجدل لدى الإعلان عن “صفقة القرن” التي أطلقها “ترامب” لصنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. لكنّ الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي البحراني يمثل تحولاً مهماً في ميزان القوى في الشرق الأوسط، ويتم تقديمه من قبل ترامب على أنه انقلاب كبير في السياسة الخارجيّة الأمريكيّة.
خامساً: الموقف الفلسطينيّ من الاتفاق:
لقد أدان الفلسطينيون ما يعرف بـاتفاق “ابراهام” باعتباره خيانة. لذلك جاء الاتفاق بين الإمارات والبحرين وإسرائيل ليكسر شبه الإجماع العربيّ الطويل، على أن ثمن العلاقات الطبيعيّة مع إسرائيل هو استقلال الفلسطينيين. وبالرغم من أن إسرائيل تعمل الآن على ترسيخ علاقات عامة جديدة مع الدول العربيّة، وقد قال ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد آل نهيان” : إنّ ثمن الصفقة هو موافقة إسرائيل على وقف ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربيّة. إلا أن الفلسطينين ما زالوا تحت الاحتلال في القدس الشرقيّة والضفة الغربيّة، وفي ما يرقى إلى مستوى سجن مفتوح في غزة. ولكن يبدو أن رئيس الوزراء نتنياهو قد تراجع عن فكرة ضم أجزاء من الضفة الغربيّة إلى كيان الدولة الصهيونيّة في الوقت الحالي على الأقل، بسبب الضغط الدوليّ الساحق، وليقدم له الإماراتيون والبحرانيون في تطبيعهم مخرجاً من الحرج.
إن توقيع الاتفاق هذا، لم يكن ليحدث من دون موافقة السعوديّة التي طرحت خطة السلام العربيّة المتضمنة إقامة الدولة الفلسطينيّة. إنّ مكانة الملك سلمان بصفته خادم الحرمين الشريفين تمنحه سلطة هائلة، ومن غير المحتمل أن يعترف بإسرائيل فجأة، لكن قد يكون ابنه ووريثه، “محمد بن سلمان”، أقل تردداً، الأمر الذي جعل البيت الأبيض الأمريكي يرحب به كداعم للسلام مع الدولة الصهيونيّة إضافة لحاكميّ الإمارات والبحرين.
سادساً: الموقف الإيرانيّ من اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل:
لقد نددت القيادة الإيرانية بالاتفاق بشدة، حيث وضعهم اتفاق ابراهام تحت ضغط جديد. لذلك خرجت تظاهرات في إيران منددة بالتطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، خاصة وأن عقوبات ترامب تسببت في ألم اقتصاديّ حقيقي لإيران، وأصبح لدى إيران الآن صداع استراتيجي إضافي.
لا شك أن القواعد الجويّة الإسرائيليّة بعيدة عن إيران. أما تلك الخاصة بالإمارات، فهي عبر مياه الخليج. وبذلك سيشكل وجود قواعد جويّة أو بحريّة في دولتي الامارات والبحرين تحت تصرف اسرائيل خطورة كبيرة للغاية على إيران، في حال كانت هناك عودة للحديث عن ضربات جويّة ضد المواقع النوويّة الإيرانيّة.
نعم لقد بات لدى إسرائيل والولايات المتحدة والبحرين والإمارات مجموعة من الخيارات الاستراتيجيّة الجديدة. يقابلها تقلص كبير في مساحة خيارات المواجهة العسكريّة الإيرانيّة .
ملاك القول:
لقد خرجت العلاقة بين أبو ظبي والبحرين وتل أبيب إلى العلن، رغم أنها كانت حديث العالم كله وكانت خيوطها المخفيّة ظاهرة للعيان في مستويات متعددة، بدت غالبا ضد القضيّة الفلسطينيّة وأصحابها، وانحيازا للمحتل في محطات ولحظات حاسمة. وما تجلى في حرب غزة الأخيرة (طوفان الأقصى)، يبين لنا إلى أي حد وصلت مساحة التطبيع وعمقه بالنسبة للإمارات والبحرين ومصر والسعوديّة والأردن ومصر مع الكيان الصهيوني.
نعم هذه هي السيرة العربيّة للتطبيع منذ حرب 1948 حتى اليوم مع الكيان الصهيونيّ الذي تتحمل مسؤوليتها الحكومات العربيّة وليس شعوبها. واسرائيل تدرك تماماً أن قضية التطبيع ليست بين شعوب عربيّة والشعب اليهوديّ، وإنما هي علاقات تطبيع ذات توجهات سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة تعقدها الحكومات. وهذا ما جعل أحد المحاورين الصهاينة على إحدى القنوات الخليجية يقول رداً على تعليق لأحد الرافضين للتطبيع “إن الشعوب العربيّة ليست مع التطبيع… نحن لا يهمنا الشعوب العربيّة، نحن تهمنا الحكومات العربيّة صاحبة القرار.. ما يهمنا العلاقات الأمنيّة والاقتصاديّة فقط.
*كاتب وباحث من سورية.
d.owaid333d@gmail.com>
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- معوقات حركة التحرر العربية – عدنان عويّد – دارالمدى- دمشق 2002- ص269 وما بعد.
2- المرجع نفسه. ص270.
3- المرجع نفسه. 270 وما بعد.
4- القضية الفلسطينية العدوان والمقاومة وسبل التسوية – مجموعة من الباحثين السوفييت – اصدار مركز الاستشراق السوفياتي. موسكو 1983 ص 196.
5- القضية الفلسطينية العدوان والمقاومة مرجع سابق ص165
6- القضية الفلسطينية العدوان والمقاومة مرجع سابق ص314.
7- القضية الفلسطينية العدوان والمقاومة مرجع سابق ص318.
8- القضية الفلسطينية العدوان والمقاومة مرجع سابق ص319.
9- القضية الفلسطينية العدوان والمقاومة مرجع سابق. ص330
ملاحظه: للاستزادة في معرفة السيرة التاريخية بشكل أكثر تفصيلا عن القضية الفلسطينية منذ بداية قيام دولة الكيان الصهيوني حتى أوسلو، راجع كتابنا: (معوقات حركة التحرر العربية في القرن العشرين – عدنان عويّد – دارالمدى- دمشق 2002).