حماس ما بعد نتنياهو..(محمد صادق الحسيني)
الحوار نيوز – صحافة
تحت ها العنوان كتب محمد صادق الحسيني في صحيفة البناء:
في استعراض ميداني للنصر الآتي لا يقبل التردد ولا التشكيك، حصل ليلة الاحد ١٧ مارس ٢٠٢٤ عندما دخلت قافلة من المساعدات الانسانية الى شمال غزة مكونة من ١٢ شاحنة يرافقها مسلحون ملثمون ، ٦ منها وصلت الى جباليا ، دون ان يتجرأ المحتل الاسرائيلي على اعتراضها…
اكد ذلك بيان رسمي صادر باسم الجبهة الداخلية يشكر فيها تعاون الاهالي في رفح وخان يونس مع المقاومة لايصال هذه المساعدات من الجنوب الى الشمال.
المواكبون لما جرى و يجري يقولون ان هذا الامر لم يكن ليحصل لولا حصول ثلاثة امور هامة على ارض الواقع :
الاول — حتى الآن ما زالت منظومة القيادة والسيطرة ، وقدرات مجاهدي القسام متماسكة، وتستطيع ادارة حرب استنزاف لشهور إن لم يكن لسنوات، وسبب تقلص خسائر العدو مؤخرًا مرتبط بانسحابه من معظم المناطق، وتركيز قواته في مناطق محددة.
والثاني— هو ان المقاومة تمكنت عملياً من تدمير ٤٠ ٪ من القدرات العسكرية الاسرائيلية ، التسليحية والبشرية ، الامر الذي دفع حكومة الحرب من الاقتراب من قبول مقترحات حماس ….. ولو بشكل غير مباشر وأسلوب مُوارب .
والثالث — بسبب رفض معظم قادة الجيش خيار البقاء في غزة ، ويصرون على ضرورة طرح حل سياسي بالتعاون مع جهات محلية أو اقليمية وربما السلطة، فهذا هو الحل الكفيل بنظرهم الذي قد يؤدي الى القضاء على المقاومة من خلال تطبيق عقيدة “الضفة الغربية” على قطاع غزة (اي من خلال نشر قوات محلية عميلة) بعد فشل الخيار العسكري ، وغرق الجيش الفعلي في مستنقع قطاع غزة.
وهو ما جعل الهوة بين حكومة تل ابيب وواشنطن تصل الى نهاياتها المحتومة ، ما جعل صراخ السيد الامريكي وصاحب الكيان ومالكه يصل الى كل ردهات مطبخ صناعة القرار والحرب الاسرائيلية : لقد منحناك كل الفرص يا نتنياهو ففشلت، وبلغ السيل الزبى…!
في هذه الاثناء فان المستويين السياسي والعسكري لدى مجلس الحرب الاسرائيلي نفسه وصل هو الاخر الى ادنى مستوياته:
فهل يعقل ان كلاً من وزير الحرب ور ئيس الاركان يدعوان الى اجتماع مجلس الحرب فيرفض نتنياهو قبول الدعوة بحجة ان يوم السبت يوم عطلة وحرام فيضطر الجيش والاركان والاجهزة ان يجتمعوا من دونه ، لانهم يعتقدون بان الوضع كارثي وان رئيس الحكومة يكذب ويتهرب…
اما السبب الاساس والحقيقي لكل هذا التصدع في مجلس الحرب فهو الصمود الاسطوري للمقاومة في الميدان.
المقاومة التي مع كل محاولة توغل جديدة -تل الهوى أو الزيتون مثلًا- ظلت تواجه العدو خلالها مقاومة ضارية كبدته خسائر بشرية دفعته للانسحاب بعد أيام.
ذلك ان استراتيجية المقاومة التي اتبعتها في هذه المواجهة غير المتكافئة هي الاقتصاد في القدرات البشرية والعسكرية، وليس الزج بكل ما لديها من امكانات، وذلك استعداداً لحرب طويلة الامد.
فالمقاومة لم تخطط قتالها على اساس أي خطة دفاعية على أسلوب “الصد الدفاعي أو الجبهوي الثابتة” والذي تقوم به الجيوش عادة، بل على نمط الاغارات والكمائن السريعة تناسبًا مع قدراتها، وبالتالي فان معايرتها بسقوط مناطق أو تمركز قوات مدرعة هائلة التسليح في مدن ومحاور معينة محض هراء.
هذا الاسلوب المرن والحكيم من جهة و الواعي والجسور والاداء المذهل من جهة اخرى ، في مواجهة مغامرات جيش متهور مدجج بكل انواع القتل المتطور ، هو الذي صنع معجزة حرب الستة اشهر الاسطورية حتى الان والتي تنبئ بنصر عظيم قادم باذن الله ، ان بالمفاوضات الجارية في الدوحة ، والتي يقال انها ستجري خلال الساعات القادمة رأساً برأس اي مرة اخرى اشبه بالميدان اي بالمسافة صفر حيث ستجلس حماس في غرفة مستقلة والاسرائيلي في غرفة مجاورة وساعي البريد سيكون القطري بينهما كما تتواتر التقارير والاخبار، وهو الخيار الارجح حتى الان بسبب اضطراب الساحة الامريكية.
او من خلال حرب طويلة الامد قد تستمر حتى نهاية العام لتسقط نتنياهو وبايدن معاً.
الصوت العالي الذي صدر من زعيم الاغلبية اليهودي الديمقراطي تشاك شومر بوجه نتنياهو قبل ايام ، مطالبا اياه بالرحيل ، يؤشر على وصول الامور الى خواتيمها عند زعيم واشنطن سواء بسبب تداعيات ذلك على حرب الداخل المحتدمة لديه مع غريمه، ترامب الذي يهدد بحمام دم ، او بخصوص الخارج الذي ينبئ بقرب سقوط حلفه عند بوابات كييف ونهاية حلم الناتو بانهاء روسيا ، روسيا التي ستكون على مقربة من حدود النورماندي في نهاية حربها المنتصرة في اوكرانيا .
وهكذا يكون محور المقاومة انطلاقا من ٧ اكتوبر المجيد قد تحول الى لاعب دولي اساس ، بل وبيضة القبان في عالم متعدد الاقطاب.
وتعود القضية الفلسطينية الى بداياتها وتحديدا الى ما قبل نكبة ١٩٤٨ ، بعد ان سقط زيف فكرة” اسرائيل” التي لا تقهر جيشاً ومستوطنات…
واما بعد التفويض الذي منحه سيد المقاومة باسم المحور لحماس ، ثمة من يتوقع ما هو ابعد من ذلك، الا وهو حصول محادثات مباشرة بين حماس والولايات المتحدة على شاكلة محادثات واشنطن مع حركة طالبان التي عقدت في الدوحة، قد تجري في نهاية عملية طوفان الاقصى لتعيد كل امور فلسطين الى نصابها قضية عادلة تستحق كل الاهتمام ، و لا مستقبل للعالم الجديد من دون عودة الحق لاصحابه فيها .