العلامة الخطيب في خطبة الجمعة يسأل العرب والمسلمين: بماذا تشعرون عند إفطاركم وسحوركم وأهل غزة يفطرون ويتسحّرون على شهدائهم وجوعهم وعطشهم؟
الحوار نيوز- خاص
إنتقد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب موقف الأمة العربية والإسلامية من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وسأل في خطبة الجمعة من مقر المجلس: بماذا تشعرون عند إفطاركم وسحوركم؟ أفلا يذكركم بأن أهل غزة يفطرون ويتسحّرون على شهدائهم وجوعهم وعطشهم؟ وبماذا سوف تجيبون ربّكم ونبيّكم؟ بل كيف هو موقفكم أمام الأمم والشعوب الأخرى التي بادرت إلى التضامن معهم في شتى أنحاء العالم، وانتم لا حراك فيكم ولا صوت يصدر منكم سوى أصوات التخذيل والتخويف والتجبين من أن يصيبكم ما أصاب غزة من القتل والدمار كما يفعل بعض الإعلام في بلاد العرب وفي لبنان”.
وتناول العلامة الخطيب في كلمته معنى الصوم في شهر رمضان فقال:الصوم إلى جانب انه تعبير عن العبودية لله تعالى فهو أيضاً شكلٌ من أشكال معالجة نقاط الضعف الإنساني وتحريره من سطوة الشهوات بالشكل المتناسب مع قوتها الجامحة، ومن هنا وعند مراجعة الروايات والآيات نرى أنها استخدمت لذلك أسلوبا من الحثّ والتشديد وان ثوابه هو أعلى من أن يرقى إليه الخيال مهما بلغ، عبَّرَ عن ذلك حديث النبي (ص) عن الله تعالى بقوله: “الصوم لي وأنا أجزي به”، وأما التهديد فقد ورد في كتاب الهداية (47) قال الصادق (ع): ” مَن اَفطَرَ يَوماً مِن شَهرِ رَمضان خَرَجَ رُوحُ الايمانِ مِنه”.
وهذا نموذج من الروايات الواردة في هذا الشأن، على أن من فضائل هذا الشهر المبارك أن جعله ميداناً للعمل الاجتماعي والإنساني وأعمال البرّ ولتقوية الأواصر بين الأرحام وبين المؤمنين وتفقّد المحتاجين وخصوصاً أولئك الذين تربّوا على العزّة والأنفة فيموتون جوعاً ولا يمدون أيديهم إلى الناس كما هي تعاليم القرآن (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وكما هي تربية أهل البيت (ع) ووصاياهم للمؤمنين، فما تقدّم من كلام الإمام الحسن المجتبى ع في بيان صفات اتباعهم: “إن شيعتنا يموتون جوعاً ولا يمدون أيديهم إلى الناس” تعبيراً عما يريدون أن يكون عليه أتباعهم من التعفّف عما في أيدي الناس ومن الأنفة والكرامة، فهؤلاء لا يظهرون فقرهم وحاجتهم لما فيها من مظهر الذلة وهم كما عَبَّرَ الله تعالى عنهم (أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) ولما تربّوا عليه وهم يتلون كتاب ربّهم وهو يخاطبهم بقوله (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) إن هؤلاء الكرام يُكرمون بالهدية لا بالتصدّق عليهم، فالصدقة كما ورد في حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: أنه جاء يسأل النبيَّ ﷺ في الإمرة على أعمال الصَّدقة، فقال له ﷺ: إنَّ الصدقة لا تنبغي لمحمدٍ، ولا لآل محمدٍ، إنما هي أوساخ الناس”
فهؤلاء الكرام وإن لم يكونوا من بني هاشم إلا أنهم يستحقّون لتعفّفهم التكريم وهو ما ينبغي أن يكون عليه جميع المؤمنين، ولا اقصد بذلك التقليل من الصدقة فهي أمر ورد الاستحباب فيه ولكن للمتصدّق، أما من يأخذ الصدقة فأراد الله ورسوله وأهل البيت (ع) أن يحثّه على التعفّف والاجتهاد في العمل وعدم الكسل والاعتماد على ما يتصدّق به الناس كما عن الصادق (ع) قال رسول الله (ص): “كل معروف صدقة وأفضل وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من السفلى”،
ونحن في شهر الله تعالى شهر الرحمة وعمل الخير الذي يتضاعف فيه الثواب والقصد في النهاية هو التربية وصناعة الشخصية التي لا ترى لها من وجود إلا بما تصنعه وبما تتركه من أثر في الحياة، فالشخصية الصالحة ليست جمالاً في الشكل ولا غنىً في المال ولا اقتداراً سلطوياً يخضع له الناس خوفاً أو رجاءً أو طمعاً، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
الذين يحوّلون أعمارهم التي ليست إلا عبارة عن الزمن الذي يفوت ويمضي فيكون خسارة العمر إلا أن يستثمره في أمر لا يموت ولا يفنى وهو العمل الصالح تاركاً وراءه في الحياة الأثر الصالح والسمعة الطيبة وفي الآخرة بديلاً لا يقارن بأعظم ما يحلم به من حياة “فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر”، وعن الإمام الصادق (ع) عن أهم حقوق المسلم على المسلم قوله (ع) عن أبي عبد الله (ع) أن النبي (ص) قال: “من أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم”.
وليس هناك اليوم أيها الأخوة من أمور المسلمين ما هو أهم مما يتعرّض إليه الشعب الفلسطيني من إبادة وقتل ومجازر ودمار لا يتوقّف عليه مصيره فقط وإنما مصير الأمة كلها، وهم يناشدون أبناء أمتهم وجلدتهم ودينهم لنجدتهم ودفع الجوع والعطش والقتل عنهم وعن أبنائهم والدفاع عن أعراضهم وكرامتهم وهم مع كل هذا الخذلان والصمت العربي والإسلامي إلا القليل ممن امتلأت قلوبهم إيماناً وشهامةً يقفون بكل شجاعة ينازلون العدو، لم يدعهم الخذلان أن يستسلموا أو يرفعوا الراية البيضاء وهم يدفنون أبناءهم وأعزاءهم وتهدم بيوتهم على رؤوسهم ولا يجدون ملجأ يلجؤون إليه أو رغيفاً يسدون به جوع أبنائهم أو حبة دواء يسكّنون بها أوجاعهم أو مشفى يعالجون به جراحهم سوى الصبر ووعد ربهم بالنصر، وها هم يرون المدد الإلهي فيما ينزلونه بجيش العدو قتلاً وإثخاناً بالجراح ونقصاً في الأعداد وانسداداً لأبواب الخروج من أوحال غزة بانتزاع صورة نصر عزّت عليهم، هذا والقوى الغربية الغاشمة تقاتل معهم وتمدّهم بالسلاح والعتاد، فلتعتبر الشعوب العربية والإسلامية من أهل غزة وهم وحدهم في الساح محاصرين في بقعة جغرافية ضيقة ومحاصرة، فكيف لو أن الأمة وقفت إلى جانبهم ولو بالمساندة بحدها الأدنى، هكذا تعيشون شهر الصيام؟؟ وبماذا تشعرون عند إفطاركم وسحوركم؟ أفلا يذكركم بأن أهل غزة يفطرون ويتسحّرون على شهدائهم وجوعهم وعطشهم؟ وبماذا سوف تجيبون ربّكم ونبيّكم؟ بل كيف هو موقفكم أمام الأمم والشعوب الأخرى التي بادرت إلى التضامن معهم في شتى أنحاء العالم وانتم لا حراك فيكم ولا صوت يصدر منكم سوى أصوات التخذيل والتخويف والتجبين من أن يصيبكم ما أصاب غزة من القتل والدمار كما يفعل بعض الإعلام في بلاد العرب وفي لبنان، أظننتم أن هذا العدو الذي أصابه ما أصابه في حرب غزة من القتل والوهن والفشل يمتلك الجرأة في توسعة الحرب إلى ميادين أخرى كالساحة اللبنانية التي أعدّت له فيها المقاومة عدّتها وأذاقته طعم الهزائم المنكرة والمُرة في الماضي والحاضر !!!!.
فكما فشلت هذه المحاولات أن تخيف شعبنا وتهزم إرادته في مواجهة العدوان واستسلمت لإرادته في الماضي فكذلك اليوم وهي أكثر إيماناً وأشدّ عزيمةً اليوم وتصميماً من أي وقت مضى على المضي في حماية لبنان وجنوبه ومساندة القضية الفلسطينية وشعب غزة وسيخسر المثبّطون الرهان اليوم كما خسروه بالأمس وما قبله الذين يُفشلون أي محاولة داخلية للحل منتظرين ما يعدهم الشيطان وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، الذين لم يعتبروا من المراهنات السابقة الخاسرة (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)، فلا خيار إلا بالحل الداخلي بالتوافق والجلوس إلى طاولة الحوار