الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام في اللواء يقول:
التصعيد الإسرائيلي المستمر ضد القرى الجنوبية، والتجاوزات المتكررة لخط الليطاني شمالاً، تثير المزيد من القلق والحذر في الأوساط اللبنانية، الرسمية والسياسية، التي راهنت على وساطة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في التوصل إلى تهدئة ما، بإنتظار وقف النار في غزة.
ولكن لا مساعي التهدئة جنوباً نجحت أميركياً، ولا مفاوضات الهدنة في غزة، التي يتفرغ لها مدير وكالة المخابرات الأميركية وليم بيرنز، قد أفلحت في فرض وقف النار في الحرب الاسرائيلية التي دخلت شهرها السادس.
وفي حال إستمر تعنت حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة في التصعيد العسكري مع لبنان، وفي متابعة الحرب في القطاع، وشن الهجوم المريع على رفح، فإن المنطقة كلها ستواجه مرحلة دقيقة، حافلة بالمخاطر، في خضم التوقعات المتنامية، لإنفجار حرب إقليمية واسعة، قد تؤدي إلى تغيير موازين القوى الراهنة، وتُصيب الكيان الصهيوني بأخطر عطب يتعرض له منذ قيام الدولة العبرية.
ومسألة تجنب الحرب الإقليمية تبقى هي المحور الأساس للسياسة الأميركية، التي تلوّح لتل أبيب بقرار منع إستخدام الأسلحة الأميركية في أي هجوم على رفح، فضلاً عن إتخاذ خطوات لكسر الحصار على غزة، وتسريع دخول المساعدات الإنسانية، عبر إنشاء رصيف بحري على ساحل غزة، لنقل المؤن عبر البحر وإدخالها إلى القطاع المنكوب.
ولا بد من التذكير بأن التباعد الحاصل في المواقف، بين الرئيس الأميركي بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلي نتانياهو، يبقى محكوماً بسقف الدعم الإستراتيجي الأميركي التقليدي للدولة الصهيونية، بغض النظر عن الخلافات الآنية، أو المستجدة بين واشنطن وتل أبيب، والتي تبقى محصورة في دوائر معينة.
وبإنتظار ما ستسفر عنه الجولة الحالية من مفاوضات الهدنة، تستعد السعودية، عبر الإجتماع العربي السداسي في الرياض، لإتخاذ عدة خطوات لتعزيز مساعي وقف النار بدءًا من رمضان، مع تأمين دخول أكبر قدر من المساعدات الفورية إلى القطاع، والضغط لعدم شن الهجوم على رفح، وتعريض حياة أكثر من مليون مدني للخطر، وتهديم ما تبقى من مناطق سكانية في غزة.
*******
أما في لبنان، فمضاعفات الوضع الداخلي المتلاشي، لا تقل خطورة عن الوضع الأمني المتدهور جنوباً مع العدو الإسرائيلي، الذي لا يتجاوب مع المساعي الأميركية لتبريد الجبهة الحدودية الشمالية، ويستمر في سياسة «الأرض المحروقة»، والتدمير المنهجي لأحياء ومساكن القرى الأمامية الحدودية، بحيث لا تعود صالحة للترميم أو السكن السريع، وتخريب المناطق الزراعية بقصفها بمادة الفوسفور المحرّمة دولياً، وجعلها غير صالحة للزراعة قبل إستصلاحها على مدى عشر سنوات على الأقل.
ورغم هذه المخاطر الجاثمة على صدر كل لبناني، مازالت المنظومة السياسية تتلهَّى في خلافاتها العرقوبية، وتُعطّل الإستحقاق الرئاسي، والذهاب إلى حد ربط حزب الله إجراء الإنتخابات الرئاسية بتوقف الحرب على غزة، وعودة الهدوء على الحدود الجنوبية.
قد يكون أولية الحزب في هذه الفترة، إعطاء الأولوية للمواجهة الساخنة مع العدو الإسرائيلي. ولكن هذا الإحتمال لا ينفي أن الإستحقاق اللبناني المعطل منذ سنة ونصف السنة، يُصبح قراره بيد أطراف خارجية تتحكم بمصير الحرب في غزة، وبإدارة مختلف الملفات الكبيرة والحساسة، بما فيها الطرف الإسرائيلي نفسه، الذي يراهن دائماً على الإنقسامات في الداخل اللبناني، وعلى إستمرار دوامة العجز والفشل في إدارة شؤون الدولة، لتحقيق مآربه، والبقاء في الأراضي اللبنانية المحتلة.
هذا الواقع الحافل بشتّى الإحتمالات الصعبة والمعقدة، يفرض على جميع الأطراف الوطنية في لبنان، وفي مقدمتها حزب الله، عدم إقفال الباب أمام مساعي سفراء الخماسية، وما يواكبها من مبادرة كتلة الإعتدال النيابية، لفتح كوّة في جدار الأزمة الرئاسية، وإعطاء هذه المحاولة ما تستحقه من فرصة ووقت كافٍ، عبر خوض تجربة التشاورات النيابية تحت قبة البرلمان، ودون شروط مسبقة، والسعي الجدّي لإنهاء الشغور الرئاسي.
ليس من المنطق بشيء، أن تبقى الجمهورية بلا رأس، والسلطة التنفيذية شبه معطلة، ومكبَّلة بصلاحيات حكومة تصريف الأعمال، فيما البلد يتلوّى في مهاوي الإنهيارات، وفي ظل غياب البرنامج الإنقاذي المنشود، والعدو يطلق تهديداته اليومية في إجتياح لبنان، وتحويل بيروت إلى ركام.
قد لا يؤدي إنتخاب الرئيس إلى تغيير ميزان القوى في الميدان مع العدو الإسرائيلي، ولكنه قطعاً يُعيد إلى لبنان هيبة الدولة المتماسكة والقادرة على الدفاع عن أراضيها، والذهاب إلى المؤسسات الدولية بموقف وطني شامل وقوي لمواجهة العدوان.
الوضع في لبنان والمنطقة على جانب كبير من الخطورة، على إيقاع طبول الحرب الإسرائيلية، وعلى أهل السياسة أن يتحملوا المسؤولية الوطنية، ويكونوا بمستوى التصدي للأخطار المحدقة بالوطن.