كتب حلمي موسى من غزة:
على الرغم من التشكيك الواسع في نوايا نتنياهو تجاه الهدنة وصفقة التبادل، إلا أن معلقين إسرائيليين يعتقدون أنه بإرساله الوفد إلى باريس منح هذه المرة فرصة للمفاوضات: “سنرى ما إذا كان هناك أي شيء للحديث عنه”. وربما أن هذا ما قاد إلى مسارعة كثيرين لإبداء قدر كبير من التفاؤل الحذر، خصوصا وأن الضغط الأمريكي من أجل تمرير المرحلة الأولى من مقترح باريس كان واضحا.
وبحسب موقع “والا” فإن نتنياهو أخبر المجلس الوزاري المصغر أن قرار إرسال الوفد إلى باريس يهدف إلى إعطاء فرصة للمفاوضات بشأن إطلاق سراح الأسرى. وقد جاء ذلك بعد أن أبدى الوزير بن جفير خلال الاجتماع معارضته إرسال الوفد لإجراء محادثات في باريس. كما أن الوزير سموترتش أعلن أنه يخشى أن تكون النتيجة إبرام صفقة تقود إلى إنهاء الحرب والحيلولة دون القضاء على حماس.
وكان كابينت الحرب قد وافق على مغادرة وفد التفاوض الإسرائيلي الذي يضم رئيس الموساد ديدي بارنيع، ورئيس الشاباك رونان بار، والجنرال نيتسان ألون، لإجراء محادثات في باريس بشأن إطلاق سراح الأسرى. وكان بريت ماكغورك، كبير مستشاري الرئيس بايدن، خلال محادثاته في إسرائيل، قد أعلن إنه تم إحراز تقدم في المفاوضات بين الوسطاء القطريين والمصريين وحماس بشأن صفقة رهائن محتملة، وبالتالي ينبغي أن ترسل إسرائيل وفدها إلى المحادثات في باريس.
وأشار موقع “والا” إلى أن كابينت الحرب اتخذ قرار إرسال الوفد تحت ضغط أمريكي شديد، وكذلك ضغط داخلي من الوزراء غالانت وغانتس وآيزنكوت الذين اعتقدوا أنه يجب إرسال فريق التفاوض إلى المحادثات، بل ومنحه تفويضًا لإجراء مفاوضات جادة وليس لمجرد الاستماع.
ومن جهة أخرى ذكرت “يديعوت” أن الوفد الإسرائيلي بدأ محادثاته في باريس ، وأن أهالي الأسرى ينتظرون الأخبار. وقالت إن الاجتماع في باريس جرى في محاولة لدفع صفقة إطلاق سراح الأسرى. وأوضحت أن في إسرائيل أحاديث عن «تفاؤل حذر» بنجاح المفاوضات هذه المرة، إذ وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذه المرة على توسيع تفويض الوفد، بحيث يمكنه مناقشة تفاصيل صفقة إطلاق سراح الأسرى، وفق مقترح باريس الأصلي.
وأشارت يديعوت إلى أنه في إطار القمة، التقى رئيس الموساد ديدي بارنيع، بشكل منفصل، رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس وزراء قطر محمد ال ثاني، ورئيس المخابرات المصرية عباس كمال. إضافة إلى ذلك، هناك لقاءات موسعة بمشاركة أعضاء الوفد الإسرائيلي الذي يضم رئيس الشاباك رونان بار والفريق نيتسان ألون، مع ممثلي الدول الثلاث الوسيطة التي تعمل مع حماس. ومن المقرر أن يتفق اللقاء الموسع على الخطوط العريضة التي يمكن أن تجري المفاوضات على أساسها، ومن المفترض أن تلخص قمة باريس القاعدة، ومعها سيتم توجيه نداء إلى حماس لاستئناف المفاوضات بين الطرفين.
وقال مصدر مطلع على التفاصيل لوكالة رويترز للأنباء: “هناك مؤشرات أولية على التفاؤل بشأن القدرة على المضي قدما نحو بدء مفاوضات جادة”. ولكن وفقاً لتقارير مختلفة، فإن حماس في غزة لم تتراجع عن مطلبها بأن يتضمن الاتفاق انسحاب القوات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل. وهناك بصيص من الأمل في التوصل إلى اتفاق في وقت قريب جداً.
ومن غير الواضح حاليًا إلى متى ستستمر المفاوضات، والتي من المتوقع أن تدوم ما بين بضعة أيام وأسبوعين. ولدى الأميركيين رغبة في التوصل إلى اتفاق قبل عطلة رمضان التي تبدأ بعد أسبوعين. ويضغط الوسطاء من أجل التوصل إلى اتفاق لأنهم يدركون أن الاتفاق يمكن أن ينعكس فوراً على التصعيد مع حزب الله في الشمال.
ونقلت “يديعوت” عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه رغم التفاؤل، فإن العائلات التي ظل أحباؤها في غزة منذ 140 يوما يجب ألا تنخدع بأن الصفقة ستنفذ صباح الغد. وشدد المسؤولون على أن إسرائيل تدخل في مفاوضات معقدة وصعبة، ويعتمد تقدمها كثيرًا أيضًا على حماس التي يتهمونها بأنها تتمتع بخلق المعاناة والفوضى.
وكان المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، قد كتب أنه “في نهاية الأسبوع سيتم عقد لقاء ثالث في باريس، خلال شهر تقريبا، وسيركز على محاولة بلورة صفقة جديدة لاطلاق سراح الأسرى قبل بداية شهر رمضان في 10 آذار. وقد سبقت جولة المحادثات قمة رباعية شارك فيها سياسيون ورجال مخابرات من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وقطر، في البداية في باريس وبعد ذلك في القاهرة. القمة المخطط لها في هذه المرة مرفقة بتوقعات متفائلة اكثر بقليل. ولكن حتى الآن من غير الواضح كم من هذا التفاؤل جاء من تقدم حقيقي لاغلاق الفجوة بين مواقف الطرفين، وكم من هذا التفاؤل ينبع من الادراك اليائس بأنه بدون تحقيق اختراق فان مصير الأسرى الإسرائيليين سينتهي (ربما أيضا مصير رفح، مع الـ 1.3 مليون فلسطيني الذين تم حشرهم فيها).
واعتبر هارئيل أن الشخصية الرئيسية في المبادرة الجديدة هو رئيس الـمخابرات المركزية وليام بيرنز. الامريكيون يضغطون على مصر، وبشكل خاص على قطر، على أمل أن التحذيرات المتشددة، التي سيتم توجيهها لقيادة حماس في القطاع وفي قطر، ستحقق مرونة ما في مواقف حماس. الوسطاء يجدون صعوبة في هذه المرحلة في التوفيق بين الأصوات التي توجد في قيادة حماس.
ولاحظ هارئيل أنه في هذه الاثناء تتحدث الإدارة الامريكية عن رئيس الحكومة نتنياهو بنبرة لم تُسمع في واشنطن حتى عندما صمم نتنياهو على القاء خطاب في الكونغرس في 2015 ضد الاتفاق النووي مع ايران، رغم انف الرئيس في حينه باراك أوباما. الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، الذي كان في حينه نائب أوباما، اكثر تعاطفا مع إسرائيل من سلفه الديمقراطي في هذا المنصب. ولكن يبدو بوضوح أن واشنطن قد فقدت آخر ما تبقى لها من صبر على مواقف نتنياهو وتصريحاته والاعيبه. يبدو أيضا أن درجة دعمه لإسرائيل التي كان مستعدا لتوفيرها أمام المجتمع الدولي لفترة طويلة، غدت هذه المرة مشكوكا فيها.
وفي نظر هارئيل بمعان كثيرة فإن الخطة التي تتم مناقشتها الآن تشبه ما وافقت عليه إسرائيل (بعد ذلك تراجعت عنه) في باريس في منتصف شهر كانون الثاني الماضي. في المرحلة الأولى الحديث يدور عن اطلاق سراح حوالي 35 مخطوفا لاسباب “إنسانية”، (نساء، مسنين، مرضى وجرحى، وربما أيضا المجندات)، مقابل وقف اطلاق النار لمدة 45 يوما، تضمن الهدوء في شهر رمضان. وفي النبضة الثانية سيتم اطلاق سراح المخطوفين الآخرين، (الجنود والرجال فوق جيل الخمسين وإعادة جثامين المخطوفين).
حتى الآن الجيش الإسرائيلي اعلن أن 32 من بين الـ 134 مخطوفا المحتجزين في القطاع، ماتوا؛ هناك خوف كبير على حياة آخرين، بعضهم بسبب أنه لم تأت منهم أي إشارة تدل على الحياة منذ المذبحة في 7 أكتوبر؛ آخرون إزاء الخوف على وضعهم الصحي. النبضة الثانية يمكن أن تكون مرفقة كما يبدو مع انهاء القتال والانسحاب الكامل لقوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.
الامريكيون يأملون في أن وقف اطلاق النار في غزة سيؤثر أيضا على حزب الله كي يوقف اطلاق النار على الحدود اللبنانية. في سيناريو متفائل فإن هذه الفترة ستمكن من صياغة اتفاق سيبعد رجال قوة الرضوان عن الحدود، ويعيد سكان مستوطنات الشمال الى بيوتهم.
في هذه الاثناء حزب الله يعلن أنه لا يوجد ما يمكن التحدث حوله قبل وقف اطلاق النار في قطاع غزة، وأن إسرائيل لا تثق بالوعود الامريكية بأنه سيكون بالإمكان ابعاد قوة الرضوان بدون استخدام القوة الكبيرة.
إن التوصل الى صفقة تبادل في الفترة القريبة هو احد الإمكانات الثلاثة لنتنياهو، على أمل أن حماس ستوافق على تليين عدد من طلباتها المتطرفة. حتى هذا الاتفاق سيكون مرفقا بتنازلات غير بسيطة بالنسبة لإسرائيل، منها اطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين “الذين لهم وزن ثقيل”، كما يبدو حتى في المرحلة الأولى. القرار يمكن أن يواجه بمعارضة من داخل الحكومة، كما دلت على ذلك الملاحظة المقلقة لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي قال هذا الأسبوع في مقابلة مع إذاعة “كان” إن المخطوفين ليسوا الأولوية (بعد ذلك حاول كالعادة القول بأنه تم اخراج أقواله عن السياق).
سيناريو آخر يتحدث عن احتمالية استمرار القتال في شهر رمضان، الامر الذي يمكن أن يشمل اجتياح الجيش الإسرائيلي لرفح، وبعد ذلك تعود إسرائيل الى طاولة المفاوضات وربما ستناقش أيضا “عقيدة بايدن”، وهي العملية الامريكية الشاملة التي عنوانها “نظام إقليمي جديد”. ولكن هنا الحديث يدور عن مقامرة يجب أن تأخذ في الحسبان التدهور الشديد في الوضع الإقليمي بسبب احتلال رفح، الذي سيؤثر بالأساس على السكان المدنيين في القطاع.
سيناريو ثالث سيرسخ أن ما كان هو ما سيكون: نتنياهو سيستمر في تحدي الإدارة الامريكية واطلاق وعد النصر المطلق وسيتملص من الدفع قدما بصفقة تبادل، وربما حتى يجبر نهائيا قائمة المعسكر الرسمي على الانسحاب من الائتلاف وتبقيه مع الشركاء الحريديين وأحزاب اليمين المتطرف. مع ذلك، مصادر في الحكومة تقترح ألا نستبعد إمكانية أن يقرر نتنياهو أخيرا المفاجأة وأن يقوم بالانحراف يسارا. الولايات المتحدة والسعودية تبذلان جهودا كبيرة للدفاع قدما بصفقة إقليمية، حيث يكون بالإمكان طرحها كدرة التاج للسياسة الخارجية لادارة بايدن قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل.