الرئيس دياب وحتمية المواجهة
مع مرور الأيام العصيبة الحافلة التي يشهدها اللبنانيون تتبدل وتيرة الأجواء وتتشنج الأوضاع التي تطغى عليها الأمور المعيشية الملحّة قبل الصحية والوباء، لأن الأساس في الحياة هي اللقمة التي يناضل المواطن اللبناني ليؤمنها لأسرته بعد بلوغ الأزمة حداً لا طاقة له على مواجهتها.
والمشهد الذي رسمه الرئيس حسان دياب في تصريحه الناري الذي خرج فيه على المألوف السياسي واجتاز الخطوط الحمر في اتهامه حاكم مصرف لبنان والطغمة السياسية الفاسدة، يماشي تلك الأوضاع ولا يمكن له إلا أن يسير في ركابها، وفي ذلك تحدٍ صارخ ومواجهة فدائية لمنظومة سياسية اقتصادية تلقى الدعم الأميركي الواضح ومن يدور في فلكه في الداخل المحلي المعروف برموزه القديمة الجديدة التي تنبري للدفاع عن تلك المنظومة بأساليب رخيصة وقحة، لا تراعي فيها آلام الناس وجوعهم والوباء الذي يفتك بحياتهم وأمنهم وأمانهم.
وقد لمحنا منذ تسلّم الرئيس لحكومته انتقادات وتهجمات واتهامات، وإن لم ترْقَ في حدّة نبرتها لما نسمعه اليوم، أي بعد شهرين ونصف من عمر هذه الحكومة، ما يشي بأن الرجل مستهدف ليس كشخص، بل كنهج جديد يحاول رسم معالم جديدة لم تعهدها السياسات اللبنانية والزعامات التقليدية والعائلات الارستقراطية منذ مائة سنة، خصوصاً وأن نجاحه سوف يكون فضيحة مدوّية للممارسات المشبوهة التي دأبوا عليها وطالت في عتوّها ثروات اللبنانيين وأرزاقهم وتحكّمت في مصائرهم.
لقد حاسبوا الرئيس دياب منذ البداية على آثام سياسية اقتصادية رسمت طريقها أياديهم السوداء، وأسست لأعراف يُمنع الميل عنها من أجل أن يصبّ كل شيء ضمن مصالحهم، ولذلك فأي حركة تغييرية تنحرف عن هذا المسار سوف يكون مصيرها التخوين والرجم الطائفي والاتهام بضرب المصلحة الوطنية والقضاء على الاقتصادر الحر و… ولا شك أن زج اسم حزب الله في تلك الحركة التغييرية وما شابهها سيكون له الوقع الأكبر على الوجدان العام المنتمي للمحور الأميركي لكي يشيطنها ويدعو للقضاء عليها.
إن هذه المنظومة تسلك طريقاً أسود للتخريب والتدمير، ولن يوقف فجورها تدهور الاقتصاد المتسارع المريب، ولا فقراء لبنان الذين باتوا الأغلبية، ولا وباء كورونا الذي ضاعف الأعباء على كواهلهم، فعرّابها في منهج ثابت في مبدئه واستراتيجيته في العموم، متبدل في تفاصيله وتكتيكاته حسب تبدّل المراحل، تابع لأجندات خارجية نعرف جميعاً توجهاتها، ونتلمس كل يوم حقيقة غاياتها.
لن تتوانى هذه المنظومة في القضاء على الرئيس دياب ومشروعه، بل ستستمرّ في شيطنته لإفشاله من أجل استعادة زمام الأمور في الحكم والحكومة، لذلك وجد الرجل أن لا حلّ عملياً في الوضع القائم إلا الهجوم، وهو خير سبيل للدفاع، وتسمية الأمور بأسمائها، فلم يعد للتورية ولا للتقيّة مكان، خصوصاً وأن الانهيار الاقتصادي يزداد في كل يوم بشكل مدبّر، والجوع بدأت ملامحه تظهر في الآفاق القريبة، ولن يسكت الكبار عندما يجوع صغارهم ،بل ستُشهر السيوف من كل حدب وصوب ولن يكون لانطلاقتها في الغالب وعي أو إدراك أو تمايز بين الصحيح والخطأ أو بين الصالح والطالح.
دولة الرئيس لا سبيل إلا في المواجهة.