“معركة أُم الهزائم”.. وبدء مسار زوال إسرائيل(جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي- الحوار نيوز
تلك معركة غزّة ، أُمْ الهزائم او أمْ الخسائر ، وأُم الجرائم ، وبداية المسار لزوال إسرائيل . يأس قادة صهيون ( امريكا و إسرائيل ) فاستسلموا وركنوا إلى خاتمة السوء و العواقب الوخيمة . لا أستبعد أبداً قيام الكيان الصهيوني بالتوسط لدى دول عربية ،اعتادت بالتواصل بين الكيان وحماس ،من اجل انسحاب اسرائيلي آمن من غزّة ، كما فعلت ، امريكا مع حركة طالبان ، عند انسحاب قواتها من افغانستان . سيتوسل الاسرائيليون بغلاف غزّة آمن ، كما يتوسلون الآن بشمال فلسطين آمن ،كي يعود ألمغتصبون .
أذاً لا تصعيدَ ، و لا حرب شاملة في المنطقة ، أنتفتْ اسباب التصعيد والحرب الشاملة ، لفشل إسرائيل وامريكا في تحقيق الاهداف ، ولعدم قدرتهما بالاستمرار بالقتل وارتكاب الجرائم ،لا لدوافع إنسانية ، وقد تجرّدوا منها ،ولكن اصابتهم المصائب والويلات من كل صوب ،فهم عن مواجهتها و تحمّل تداعياتها عاجزون .
عسكرياً وميدانياً ،لم تشهدْ إسرائيل ، و منذ اغتصابها لارض فلسطين ،مثل حجم الخسائر التي تكبدتها في معركة غزّة و ميادينها ( جنوب لبنان و اليمن ) .
أصبح شمال فلسطين “ارض حرام” على المغتصبين الصهاينة ، وغير صالح للحياة .كذلك جنوب فلسطين . أصبحَ حال المُغتصبين ” كأنهم حُمرٌ مستنفّرة فرّت من قسّورة ” ( سورة المُدّثر آية ٥١ ، قرآن كريم ) .
إسرائيل هي التي تواجه الآن معضلة ادارة شمال فلسطين وجنوبه ،وهذا بفضل وبصمود المقاومة في غزّة و في جنوب لبنان . لذا من العجب الحديث عن ادارة قطاع غزّة بعد الحرب .
أقتصادياً ، تكبّدت إسرائيل خسائر فادحة ،ليس فقط في سوح المعارك والقتال، و انما ايضاً على المستوى التجاري و الصناعي والنقدي والتضخم ،وتعاظم الفجوة الطبقيّة ، ومشاهد قاتمة لمستقبلها الاقتصادي .
سياسياً ،تواجه إسرائيل تداعيات انقسام واضح وخطير بين مجتمع صهيوني متطرف وآخر علماني ، ويفتقرُ هذا التقسيم الطبقي إلى قواسم مشتركة بينهما ، وعلى كافة الصعد ، ويختلفون في رؤيتهم حتى ازاء القضية الفلسطينية. وهذا الانقسام بين الاسرائيليين في الكيان المحتل هو ناصرٌ للقضيّة الفلسطينية و للسلام في المنطقة وهو الفاعل الاول بتسريع زوال الكيان ، وعلى العرب والفلسطينين توظيفه واستخدامه بذكاء .
اصبحت إسرائيل كياناً منبوذاً لدى الرأي العام ، على الصعيد الدولي والاقليمي والعربي ، وادركت شعوب ونخب واحزاب ومنظمات العالم خطورة اسرائيل على امن و استقرار و اقتصاد العالم ، وما ساعدَ شعوب العالم على ادراك خطورة الكيان الصهيوني و معرفة جرائمه هو تولي دولة جنوب افريقيا اقامة شكوى ودعوى قضائيّة، ضّدَ إسرائيل ،امام محكمة العدل الدولية ، لارتكاب إسرائيل جرائم ابادة جماعية ، و تجويع وحصار شعب غزّة ، حيث لدولة جنوب أفريقيا مكانة و رمزية وتاريخ في نضال ضًد الاضطهاد والتمييز العنصري ،الذي عاشهما ولاكثر من قرن شعب جنوب أفريقيا .
تولي جنوب أفريقيا بالذات هذه المهمة ( دعوى ضد إسرائيل لإرتكابها جرائم الابادة ) ساهمَ في انتاج عرضْ للعالم صورة مشتركة لنظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا وإسرائيل . عندما يسمع المواطن الأوروبي اليوم ذكر إسرائيل يتراود إلى ذهنه و ترتسم امامه صورة و تاريخ نظام الفصل العنصري الذي عاشه شعب جنوب أفريقيا .
الرأي العام الأوروبي والعالمي وحتى الأمريكي اصبح مناصراً للقضية الفلسطينية ، و معركة غزّة ، والتي هي ام الهزائم لإسرائيل ، وبدء مسار انهيار المشروع الصهيوني في اسرائيل والمنطقة ، خلقتْ جيلاً يملكُ مشاهد وحقائق ،عن جرائم النظام العنصري الإسرائيلي ،عاشاها لأكثر من ثلاث شهور . وستكون مواقف و آراء هذا الجيل والمناصرة لفلسطين هي جزاء دماء الأبرياء ، وعقوبة أبدية للكيان المحُتل ، ومؤشر حقيقي لبدء مسار زوال الكيان .
اصبح الحديث والنقاشات والاراء تُدلى علناً وفي صحف الكيان ، ومن رؤوس مفكريه و نخبه ، تُبّشرُ بزوال الكيان ، و ربما بذات الطريقة التي انتهى بها النظام العنصري في جنوب أفريقيا عام ١٩٩٢ . لن يجدْ المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه ، حرجاً ، حين تحدّث في ندوة صحفية في حيفا ،يوم ٢٠٢٤/١/١٥ ، تحت عنوان ” مؤشرات زوال المشروع الصهيوني في فلسطين ” ، و قدّمَ لمستمعيه حُزمة من المؤشرات التي تنبئ بزوال المشروع ،داعياً السلطة الفلسطينية بالاستعداد لملء الفراغ الذي سيحصل ( ورد في فضائية RT ,اخبار العالم ، في ٢٠٢٤/١/١٥ .
علينا ،مَنْ يعنيهم امر حياة الكيان ،كعرب ،شعوب ودول ، وأبناء منطقة ، النظر بجدٍ لما يُطرح و يقال و يُثار بشأن زوال الكيان ، وهي متعدّدة صور واشكال الزوال ،وليس فقط بالسلاح .والنظر بجدّية ،يعني الاهتمام و الاستعداد والعمل .
* سفير عراقي سابق. رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات
و تعزيز القدرات /بروكسل / في. ٢٠٢٤/١/١٦ .