الحوار نيوز – إعلام
تحت هذا العنوان كتب سهيل كيوان* في موقع “عرب 48”:
في الوقت الذي كان الهدف المُعلن من الحرب في بدايتها تحرير الأسرى الإسرائيليين والمحتجزين والقضاء على حركة حماس، ازدادت الدّعوات من قبل وزراء في الائتلاف الحكومي إلى ترحيل أهالي قطاع غزة، ودعوات أخرى بأنها فرصة إلى تجديد الاستيطان في القطاع.
تأتي هذه الدعوات لتنفيذها بقوة النار تارة، وتارة بزعم إقناع الفلسطينيين، كما يقول وزير المالية سموتريتش، وإقناع دول صديقة لاستيعاب من يقتنع بالهجرة منهم، وهناك من يقول بأن يذهبوا إلى دول داعمة مثل إيران وقطر.
من ناحيته، يقول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إن الأمن في قطاع غزة سيبقى في يد إسرائيل لوحدها وهو ما يسميه “اليوم التالي” لحكم حماس.
وبعد حوالي تسعين يومًا من المواجهة وتفريغ مخازن معسكرات إسرائيل والجيش الأمريكي من أدوات قتل وتدمير، ورغم الأعداد غير المسبوقة من الشهداء في صفوف المدنيين وبلا شك أن هناك أعدادا كبيرة من صفوف المقاتلين، إلى جانب الدمار غير المسبوق حتى في الحرب العالمية الثانية، إلا أنّ الشعب في قطاع غزة أبعد ما يكون عن الرغبة في ترك وطنه رغم تحويل الحياة فيه إلى جحيم.
هناك سوء فهم لدى قيادات إسرائيل لما يعنيه الوطن، وهم لا يستطيعون فهم التضحيات التي قدمها ويقدمها هؤلاء الناس تمسكا في حقوقهم وفي وطنهم وحتى في مخيماتهم، فهم يفهمون الوطن على غير ما تفهمه قيادات إسرائيل.
هناك من يعيشون في أوهام الماضي بأنّه ما زال في مقدورهم تحقيق حلم تهجير الشّعب الفلسطيني، الآن في قطاع غزّة، ثم في الضِّفة الغربية، وأخيرًا التفرغ لفلسطينيي الداخل في إسرائيل.
يجب أن لا نقلّل من خطورة هذه المخططات وهذه التصريحات خصوصًا أن حكومة الاحتلال لا تقيم وزنًا لأحد.
في بداية الحرب تحدّثوا عن أسابيع ويجري التخلص من حماس وتحرير الأسرى، إلا أن مجريات العمليات العسكرية قالت وما زالت تقول غير ذلك، فالمقاومة فاجأت الاحتلال في تخطيطها الدفاعي وقد أعدّت العدّة وأجرت حساباتها جيّدا لمواجهة هذه القوة الهائلة لمدة طويلة، بلا شك أنها لم تتخيّل كل هذه الخسائر من المدنيين، ولا تخيّلت الحصار الغذائي وتخريب مقومات الحياة، ربما أنّها أساءت التقديرات في هذا الجانب.
صحيح أن لدى حركة المقاومة أخطاءها في التقديرات، ولها ما لها وعليها ما عليها، إلا أنّ الجرائم والمذابح اليومية التي تجري في كل ساعة، لا تستهدف هذا الفصيل أو ذاك من الفصائل الفلسطينية، إنها تستهدف الشَّعب الفلسطيني كله، حتى أطفاله ونساءه، وهو ما مورس ويمارس في كل ساعة.
وفي الواقع أن أهداف الحرب الحقيقية أكثر من تحرير الأسرى الذي يشدد عليه نتنياهو والناطق باسم الجيش في كل يوم، لأن تحرير الأسرى والمحتجزين كان ممكنا منذ اليوم الأول من الحرب مقابل تبييض السّجون، وما زال ممكنا في كل لحظة.
إلا أن القبول بتبييض السجون يعتبر انتصارًا لحماس، وكان على الحكومة أن تدمّر قطاع غزة كانتقام لما حدث في السّابع من أكتوبر، لاستعادة الاعتبار للجيش، ثم تدمير المقاومة، ثم التدمير وتنفيذ عمليات تهجير واسعة خلال الحرب، ولم تتوقف عنه لحظة من خلال مطاردة النازحين من بيوتهم ثم في مراكز الإيواء والمستشفيات وارتكاب الفظائع لدفعهم إلى الهرب أو الموت.
الهدف هو منع بقاء مليونيّ إنسان في قطاع غزة. الدعوات صريحة للتهجير، مع أمثلة عن ما جرى في بلدان أخرى خلال الحروب مثل سورية وكما حدث وجرى تهجير مئات آلاف من مسلمي ميانمار وفي السودان وليبيا وغيرها، ونزوح ملايين من أبناء البشر من أمكنة سكنهم خلال الحروب. الفرق هو أن التّهجير الذي يقصدونه لشعب فلسطين هو بنظرهم الحل للقضية الفلسطينية كي يبقى بين النهر والبحر لليهود وقلة قليلة من الأقليات لخدمتهم، وهذه من زاوية رؤية توراتية دينية.
إسرائيل تمارس هذا وتصرح به، وما زال فيها من يظن أن هذا ممكن في ظل دعم أميركي وتفهُّم بريطاني.
التهجير ليس جديدًا، فقد حدث مرات في تاريخ الصراع منذ النكبة ثم عام 1967 وفي العام 1982 وما زال مستمرًا بصور وأعداد مختلفة في الضفة الغربية والقدس والآن في قطاع غزة.
لكنه في الواقع زاد القضية تعقيدًا ووضع المنطقة كلها في حالة من التحولات غير المتوقعة، كما جرى في لبنان بعد حرب 1982 ونشوء حزب الله، وتدخل الحوثيين غير المتوقع من اليمن!
ولا أحد يستطيع أن يتنبأ إلى أين يمكن أن تصل التطورات بسبب التعنت والغطرسة، فهي لا تعني سوى استمرار الحرب بمستويات مختلفة من المواجهة، لسنين طويلة وعقود وليس لأشهر قليلة فقط.
*سهيل كيوان كاتب صحافي وروائي فلسطيني من قرية مجد الكروم في الجليل الغربي