يساريون في مزاد الألبسة المستعملة!
حكمت عبيد
أرسل لي أحد الأصدقاء مقتطفا من حوار الكتروني نظمه موقع خاص، وبدا فيه أحد القياديين السابقين في الحزب الشيوعي اللبناني ،يتحدث عن مؤامرة تقودها هذه الحكومة لفتح المجال أمام هيمنة حزب الله على الإقتصاد بعد هيمنته على القرار الأمني والسياسي!
في كلامه لم يناقش القيادي المذكور خطة الحكومة الاصلاحية ،ولم يستعرض بعقله الديالكتيكي أسباب ما بلغناه من عقم في نظام عقيم وميت وآخذ في التحلل ليربطها بالنتائج، بل راح يتحدث بالسياسة عازيا كل أزمات لبنان منذ استقلاله ولغاية الآن بالمقاومة.
ربما كان في ذلك كمن يحاول القيام بمراجعة ذاتية لمجمل ما حمله من فكر وما تبناه من خيارات سابقة.
له الحق أن يقوم بإستدارة كاملة، وقد مر في الأحزاب الشيوعية عبر التاريخ لاسيما في زمن الثورات وتبلور الخيارات النهائية لها ،مثل هذه المجموعات التي تركب موجة التحولات و"المقاربات" الجديدة، لكنه لا يحق له الإستخفاف بعقول الناس وبوعيهم الفطري الذي ثار وأخذ بطريقه فشل الأحزاب التغييرية عندما كان صديقي القيادي رمزا من رموز هذه الأحزاب.
بعض اليساريين السابقين، كانوا أشبه بالطحالب السامة طفت على سطح مياه نهر شعبي جارف تجاوز بفطرته تجربتهم الفاشلة.
قدموا أنفسهم كمنظرين للإنتفاضة وهم الذين خرجوا من أحزابهم الشيوعية، ليلتحقوا بمنظمات دولية ويبشروا بإكتشافهم المتأخر للأممية الإنسانية التي تقدم نموذجها الفذ منظمات الأمم المتحدة!
أولى أهداف مشاركتهم الفاعلة كانت للتقليل من أهمية الدور الطليعي الذي قام به الحزب الشيوعي اللبناني ومنظماته الجماهيرية في هذه الإنتفاضة.
وثاني أهدافهم كانت التخفيف من المسار التثويري للإنتفاضة والإستدارة بها نحو الخطاب السياسي الذي لا يرى سببا لأزمة النظام السياسي والإقتصادي سوى ما أجمعوا على توصيفه بالسلاح غير الشرعي وفائض القوة لدى طائفة معينة. بإختصار، انهم يستهدفون المقاومة كمقاومة ولا يستهدفون في خطابهم الموقف السياسي لحزب الله ومدى إنسجامه مع تطلعات شعبنا اللبناني أم مجافاته لذلك.
أسقطوا تاريخهم النضالي بمدارات الإنتهازية الموصوفة وارتدوا لبوس "اللاأدرية" المغلفة بليبرالية يمينية ارتدت بدورها عباءات الطوائف لتحمي مصالحها السياسية والإقتصادية، ورغم ذلك ما زالوا يقدمون أنفسهم كشيوعيين ثوريين وهم يجاهرون بخطاب سقفه أدنى من سقف الإصلاح الذي ينادي به بعض اليمين اللبناني.
يساريون في مزاد الألبسة المستعملة، وما يخيفني أن الأسواق الناشطة هي اليوم لللألبسة المستعملة.