حلمي موسى – غزة
من الواضح ان قضايا عديدة تشغل بال الاعلام الإسرائيلي، ولكن ابرزها يتصل بالعلاقات الامريكية الاسرائيلية وتطورات الحرب في غزة واحتمالات تاثيرها على العلاقات المصرية الإسرائيلية، وبعدها احتمالات الحرب في لبنان.
ويمكن القول ان جانبا من الخطر بدأ يظهر في الايام الاخيرة من خلال عدم وعي المتطرفين داخل حكومة نتنياهو بأهمية العلاقة مع اميركا واستعدادهم للمخاطرة بها. وهذا ما صار يتبدى من خلال تحطيم البقرة المقدسة التي اسمها المؤسسة الامنية من جيش وشاباك وموساد، كانت لهم الحظوة حتى وقت قريب في كل ما يتصل بالتوصيات السياسية الامنية.
ففي اجتماع الكابينت الاخير عجز نتنياهو عن تمرير قرارات تتعلق بادخال عمال من الضفة للعمل في اسرائيل انقاذا لقطاعي البناء والزراعة المشلولين، وتقديم اموال المقاصة غير منقوصة للسلطة الفلسطينية وفتح معبر كرم ابو سالم. وكل هذه مطالب امريكية متكررة اوصت المؤسسة الامنية بقبولها، ولكن الكابينت رفض هذه التوصية. وقد اجل نتنياهو التصويت حول هذه القضايا لادراكه بصعوبة تمريرها واضطر للتعرض لحملات داخل لجنة الخارجية والامن بسبب النقاشات حول وجوب رفض الاملاءات الامريكية.
لكن كما تسرب من اقوال نتنياهو ان اميركا ليس فوقها احد يجبرها على ان تفعل او لا تفعل شيئا، فيما اسرائيل فوقها امريكا واسرائيل من دون اميركا خاسرة. وتأتي كلمات نتنياهو ردا على مواقف المتطرفين داخل حكومته ،حتى من داخل الليكود ممن يعتقدون ان بوسعهم فعل كل ما يحلو لهم وان لا يأخذوا الموقف الامريكي بعين الاعتبار.
وفي تطورات الحرب في غزة يتركز الحديث على ثلاث مناطق يحتدم فيها القتال الواسع من دون ان يسود هدوء باقي المناطق. وهذه المناطق الثلاث هي خانيونس والشجاعية وجباليا. فالمقاومة شديدة في هذه المواضع وتظهر شدتها في اضطرار الجيش الاسرائيلي الى انزال امداد جوي بالمظلات لقوات الكوماندوز العاملة في منطقة خانيونس. وقد حاولت التقليل من معنى المصاعب اللوجستية عندما فسرت هذا الانزال بانه تدريب على الانزال في مناطق بعيدة قد تضطر اليها اذا ما توسعت الحرب. ومعروف ان هذه هي عملية الانزال الجوي الاولى للامدادات منذ حرب لبنان.
ومع ذلك من المهم الإشارة الى ان المعلقين والناطقين بلسان الجيش صروا يكثرون من الحديث عن الثمن الباهظ المستعدبن لدفعه من اجل استعادة الهدوء الى المناطق الحدودية. وهنا يأتي دور الحديث عن رفح وأثر وصول الحرب اليها على العلاقات المصرية الاسرائيلية. فقد اعلنت مصر انها ترى في دفع النازحين الفلسطينيين الى حدودها امرا قد يؤثر على العلاقات مع إسرائيل، وحذرت من كل خطوات كهذه. ولكن السؤال المركزي الهام في اسرائيل ليس هل سيصلون الى رفح ام لا، وانما متى سيصلون الى رفح؟ وواضح لدى الجيش الاسرائيلي ان عليه انجاز مهمة السيطرة على خانيونس او على الاقل شرق خانيونس قبل ان يتفرغ للسيطرة غلى محور فيلادلفيا بين مصر والقطاع. ويتحدث العسكريون الاسرائيليون عن ان مهمة السيطرة على محور فيلادلفيا وجواره ليست عملية معقدة عسكريا، وانها ابسط من المناطق الاخرى لكن لها تعقيدات سياسية خصوصا مع مصر.
ومعروف ان مصر تبدي تخوفاتها من اضطرار فلسطينيين بالالاف او عشرات الالوف وربما بمئات الالوف ،لاختراق الحدود باتجاه سيناء هربا من البطش الاسرائيلي. ورغم تفهم اميركا الاولي لدوافع اسرائيل في تهجير الفلسطينيين، الا انها عادت عن هذا التفهم وانقلبت لتفهم الشعور المصري بالخطر من التهجير.ولذلك كثر الحديث الامريكي عن رفض التهجير القسري للفلسطينيين والاصرار على بقائهم في غزة.فكيف ترد اسرائيل على الموقف المصري؟
اولا بارسال وفد عسكري الى مصر لمناقشة المصريين في طرق تجنب المخاوف المصرية، سواء كن اثر الحرب على مسألة التهجير او من اثرها على القوات والمدنيين المصريين في الجهة الجنوبية من الحدود. ويبدو ان اسرائيل صارت اكثر اقتناعا بتبديد المخاوف المصرية، سواء بتأجيل غاراتها على رفح من ناحية، واستمرار الاعلان عن ان الطريق مفتوحة للنازحين في رفح للعودة الى المناطق الوسطى بين وادي غزة وخانيونس.
وتتحدث وسائل الاعلام الاسرائيلية عن ان حركة الفلسطينيين حتى الان باتجاه المنطقة الوسطى اقل من المتوقع ،لكنها قد تزداد في الايام المقبلة مع استمرار التأكيد على ذلك. ومن المؤكد ان ازدياد الضغط العسكري على رفح مع استمرار فتح الطريق نحو المنطقة الوسطى، سيدفع باعداد كبيرة من النازحين للعودة الى الوسطى. بل كانت هناك شائعات تتحدث حتى عن امكانية فتح الطريق الى غزة المدمرة وشمالها ولكن تحت المراقبة والتفتيش الاسرائيلي.
في كل حال تشهد هذه المعلومات على اضطرار اسرائيل للتخلي عن فكرة التهجير ولو مؤقتا.وبعد ذلك يتكاثر الحديث عن الضغوط الدولية على لبنان من اجل ابعاد قوات حزب الله عن الحدود مع لبنان بذريعة تنفيذ حقيقي للقرار ١٧٠١.
وفي لجنة الخارجية والامن قال نتنياهو ان اسرائيل لن تعيد سكان المستوطنات الشمالية اليها قبل ابعاد حزب الله عن الحدود سلميا ،اي عبر الاتصالات السياسية او عسكريا عبر الحرب. ومعروف ان خلافا جرى في مستهل الحرب داخل القيادة السياسية والعسكرية حول الاولوية فيها هل ستكون لحزب الله ام لحماس.
واخيرا بسبب ضغوط امريكية تم حصر المواجهة في غزة واتباع سياسة احتواء تجاه حزب الله. ولم تخف اسرائيل يوما رغبتها في ان تنجز اميركا مهمة ضرب ايران، وان تضرب هي ذراعي ايران في لبنان وغزة حسب تعبيرها. وقد نشرت بالامس صحيفة امريكية خبرا قد يدخل في باب التمهيد لتطورات محتملة في الشمال، تفيد بان اسرائيل وجهت انذارا بضرورة ابعاد قوات حزب الله عن الحدود خلال ٤٨ ساعة والا؟.. لكن مراسلا عسكريا لاذاعة الجيش قال انه لم يسمع بمثل هذا الانذار من احد في تل ابيب.
عموما اسرائيل تحاول ان تبني لنفسها تصورا عن اليوم التالي للحرب وفق مصالحها من دون ان تأخذ بالحسبان واقع انها لم تكسر المقاومة حتى الان، وان أمالها بتحقيق السيطرة على غزة خلال وقت قريب غير قابلة للتحقيق.