فرح عمر وربيع معماري شهِدا بالصوت والصورة و … الدم
الحوار نيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتبت زكية الديراني في صحيفة الأخبار:
«ما زلنا في ساعات الصبح الأولى نتابع التطوّرات في القطاع الغربي للمناطق في جنوب لبنان. المقاومة الإسلامية افتتحت عملياتها اليوم منذ الصباح الباكر، ردّاً على استهداف منازل المدنيّين أمس». بهذه العبارة افتتحت فرح عمر مراسلة قناة «الميادين»، أمس رسالتها الأخيرة من القطاع الغربي لجنوب لبنان، قبل أن يستهدفها العدو الإسرائيلي مع زميلها المصوّر ربيع معماري والشاب المرافق لهما حسين عقيل بصاروخ أثناء تواجدهم في منطقة طيرحرفا (قضاء صور – جنوب لبنان). كان صباح أمس عادياً بالنسبة إلى الشهيدة فرح عمر (1998 ـــ 2023). أطلّت في مداخلة ظهراً مباشرةً على «الميادين»، متحدثةً عن جولتها المعهودة الموكلة إليها منذ اندلاع العدوان على غزة وتصاعد الاشتباكات بين المقاومين والعدو في جنوب لبنان. بعد ساعة تقريباً على رسالتها الأخيرة، صارت فرح عمر هي الخبر بعدما ارتقت شهيدة مع زميليها.
مع انتشار خبر استشهاد عمر وزميليها، استعاد بعض الناشطين تغريدات المراسلة على تطبيق x. قبل أيام، غرّدت فرح قائلة «محاولات إسرائيلية متجدّدة لترهيب الصحافيين، لا تسكتوا وافضحوا جرائم الاحتلال»، في إشارة إلى عملية الترهيب والتخويف التي يتعرّض لها الصحافيون منذ اندلاع العدوان على غزة، ومحاولة إسكاتهم بعد كشفهم جرائم العدو في غزة.
لكن كما في كل حادثة مؤلمة، تسابق بعض المغرّدين على منصة x لنشر صور جثامين الشهداء الثلاثة قبل أن تخرج دعوات لحذف تلك الصور.
هكذا، كانت الصحافة مرة جديدة في مرمى نيران العدو الإسرائيلي منذ اندلاع العدوان على غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. في 13 تشرين الأول الماضي استشهد مصوّر وكالة «رويترز» عصام عبدالله، وأصيبت مراسلة قناة «الجزيرة» ومصوّرها كارمن جوخدار وإيلي براخيا، إلى جانب إصابة المصورة الفوتوغرافية لدى وكالة «فرانس برس» كريستينا عاصي ومصوّر الفيديو لدى «فرانس برس» ديلان كولينز، ناهيك باستشهاد 62 صحافياً ومصوّراً فلسطينياً. كذلك، استهدف العدو عائلات الصحافيين في فلسطين على رأسها عائلة مراسل قناة «الجزيرة» في غزة الصحافي وائل الدحدوح، ما أدى إلى استشهاد عدد منهم.
وكانت فرح عمر قد انضمّت إلى «الميادين» قبل عامين تقريباً كمراسلة من مختلف المناطق، قبل أن توكل إليها أخيراً مهام تغطية أخبار الحرب في الجنوب. أما ربيع معماري، فكان من أوائل المصورين الذين التحقوا بالمحطة التي تأسست عام 2012. وتلفت مصادر لنا إلى أنّ فريق «الميادين» موزّع في ثلاث نقاط في جنوب لبنان. فقد كانت الشهيدة فرح عمر وزميلها ربيع معماري يتوليان تغطية أخبار القطاع الغربي، بينما المراسل علي مرتضى يتولى القطاع الشرقي. أما المراسل حسين السيد وزملاؤه، فكانوا يغطون أخبار القطاع الأوسط. وتشير المصادر إلى أنّه بعد استشهاد عمر ومعماري، لن تغيب «الميادين» عن تغطية القطاع الغربي، بل سيخرج زملاؤها برسائل من المكان الذي استشهد فيه الصحافيون. وتكشف المصادر أن «الميادين» ستعزز فريقها الصحافي في جنوب لبنان، في رسالة واضحة للعدو بأنها مستمرّة في تغطية الحرب مهما كلّف الثمن.
ستعزّز القناة فريقها الصحافي في جنوب لبنان
من جانبه، نعى رئيس مجلس إدارة «الميادين» غسان بن جدو الشهداء الثلاثة، قائلاً في بيان بأنّه «كان استهدافاً مباشراً. أعتقد أن الإعلام العربي الآن، الفلسطيني، واللبناني، والعربي بشكل عام، يُستهدف من جديد من قبل الاحتلال الغادر». وتابع: «أقول للعدو الإسرائيلي إنك لن تستطيع إسكات صوت «الميادين». باقون ومستمرون في تغطيتنا وعملنا الصحافي الشريف الذي تعدّ أولويته تغطية جرائم الاحتلال في غزة و الضفة وفلسطين ولبنان».
ليس استهداف العدو لفريق «الميادين» الأول، ففي الفترة الأخيرة شهدت القناة التي تتخذ من بيروت مقراً لها، تضييقاً بارزاً من قبل العدو بسبب تغطيتها للحرب على غزة. قبل أسبوعين، صادق «الكابينت» الإسرائيلي، على قرار يقضي بإيقاف عمل «الميادين» في فلسطين المحتلّة. وطالب وزير الاتصالات الصهيوني شلومو قرعي بإغلاق مكاتب المحطة ومصادرة معدّات البثّ، ومنع استخدام البنى التحتية للاتصالات المختلفة لهيئة البث وفقاً لـ«أنظمة الطوارئ» لدى العدو وحكومته.
وسبق قرار «الكابينت» تضييق على مراسلي «الميادين» في فلسطين المحتلة. فقد أعلن مدير مكتب المحطة في فلسطين ناصر اللحام أن قوات الاحتلال اعتدت على زوجته وولديه، واقتحمت منزله في بيت لحم جنوب الضفة الغربية. وتبعه لاحقاً كشف مراسلة «الميادين» هناء محاميد في القدس المحتلة، عن تعرّضها لمضايقات من قبل المستوطنين الإسرائيليين (الأخبار 9/11/2023).
استشهاد صحافيتين في غزّة
لا يزال أهل الإعلام في صدارة بنك أهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة التي تشنّها على غزّة. بعدما نشرت فيديوات عدّة تتناول جنون آلة الحرب في منطقة الشمال، استشهدت الصحافية الفلسطينية آيات خضورة مع مجموعة من أفراد أسرتها، أوّل من أمس الإثنين، في قصف إسرائيلي على منزلهم في بيت لاهيا. وفور انتشار الخبر، راح روّاد مواقع التواصل الاجتماعي يتداولون فيديوات خضورة، وخصوصاً المقطع المصوّر الأخير الذي نشرته ورجّحت أن يكون الأخير لها بسبب ضراوة القصف المعادي واستخدام قنابل الفوسفور المحرّم دولياً. ومن بين رسائل خضورة العديدة: «كان عنا أحلام كثير كبيرة، لكن اليوم أحلامنا لو استشهدنا نستشهد جسداً واحداً، عشان الناس تعرفنا وما نكون أشلاء وننحط بكيس… من أحلامنا إنّه بس نستشهد يكون كفن إلنا ونندفن بقبر، من أحلامنا اليوم تتوقف الحرب وما نسمع صوت القصف». علماً أنّ آيات استشهدت مع شقيقتيها وشقيقيها وجدها وجدتها، وفق ما أعلنت شقيقتها غدير على السوشال ميديا. وفي سياق متصل، أعلنت «وكالة الأنباء الفلسطينية» عن استشهاد صحافية أخرى هي آلاء طاهر الحسنات «جرّاء قصف منزل عائلتها في مدينة غزة». وبهذا، يكون إجمال الصحافيين الشهداء منذ بدء العدوان الإسرائيلي الشهر الماضي قد ارتفع إلى 62 حتى كتابة هذه السطور.