سرديات مغلوطة خبيثة في خدمة الصهاينة والغرب(حسن عماشا)
كتب حسن عماشا – الحوار نيوز
يسوّق قسم كبير من الصحفيين والمحللين السياسيين وبشكل انتقائي مدعم بقراءات،تحليلات منها ما هو سرديات صهيونية ومنها ما هو صادر عن مؤسسات دولية هي نفسها تابعة او مملوكة للصهاينة.
تتبنى هذه التحليلات تصور شائعا بأن “الكيان المؤقت” تحكمه جماعة مجنونة ومجرمة، ولا يحصرها البعض بحكومة اليمين ونتنياهو، الا ان الجميع ينطلقون مما يعتبرونه بديهية، وهي ان هذا الكيان والحركة الصهيونية يحكمون العالم وبالاخص الدول العظمى،وهذا اما خبث يرتدي ثوب الحمل ،واما هو سذاجة تخضع للتصوارت الرائجة من دون تبصر او تدقيق بما تخفيه هذه التصورات.
ان مآل هذا التصور لفهم الأمور يؤدي حكما إلى خلاصة تعتبر أن الوقوف بوجه هذه الحركة هو غير ممكن حكما، وأنه ضرب من الجنون، وغالبا ما يتم استحضار شواهد من الهزائم العربية منذ نشأة الكيان، بل وتعتبر ان ايا من الانتصارات التي تتحقق بمواجهته هي مجرد مؤامرة تم حبكها مع الكيان لغايات أخرى.
تبعا لما سبق تكون الخلاصة ان حركة المقاومة حركة مجنونة وانتحارية، ولا بد أن تهزم ،وفي حال انتصرت فهي تكون قد نفذت خطة العدو بحسب ما رسمه لها. خلف كل هذا تقبع قناعة راسخة و”بديهية” تشكل انطلاقة هذا المنطق ان “الصهيونية تحكم العالم” ،وبناء عليه يأتي سرد الحقائق التاريخية في خدمة هذه الانطلاقة.
خلفية هذه المقولة ومطلقها ثيودور هيرتزل، ولاسباب تعبر عن حقد عقائدي (ديني) له بعده الاجتماعي في طبيعة اليهود وما تربو عليه، والتي شرح ماركس طبيعة هذه العقيدة في كتابه “المسألة اليهودية”.
نعم يملك اليهود الصهاينة مالا وفيرا ويستثمرونه في العالم وله تأثير واضح. الا ان صيرورات التاريخ الاجتماعي لا تحكمها ارادة صاحب المال بل مصالح الأمم وتطلعاتها، ولو كان للمال تأثير معين .والمصالح وتطلعات الأمم لا تنحصر في المال او في الذهب لانه بالنهاية وسيلة وليس هدفا بذاته ،وهو ان كان ذهبا او مال نقد ففي نهاية المطاف هو سلعة تبادل لقيم استعمالية وخامات ومنتجات هي أساس حاجات الناس.
وهنا بعيدا عن الشيطنة والايديولوجيا ،كانت الحاجة الاجتماعية ما بعد الثورة الصناعية الى مصادر الخامات والايدي العاملة المستعبدة وخطوط المواصلات، ما استدعى الأمم الصناعية الى غزو البلدان المتخلفة والسيطرة على مواردها ونهبها، سواء كانت خامات او قوة عمل حية. كما عملت على إعادة تشكيل المكونات الاجتماعية في الأمم التي سيطرت عليها ورسمت لها حدودا ودولا نصّبت عليها من نسيجها موظفين يخدمون وينفذون ما يرسم لهم من إدارة وسياسات. وهو ما عرف بالاستعمار الجديد.
في هذا السياق لعبت منظمات عديدة ومنها المنظمة الصهيونية ادوارا مختلفة في خدمة قوى الاستعمار، وكانت هذه الأدوار تشكل الخط الخفي والايادي السود التي تنفذ أعمالا لا تتناسب مع الدعاية التي تروجها القوى المستعمرة عن نفسها وقيمها “الحضارية”. فهي تنهب الأمم والشعوب وتستغلها تحت يافطة مساعدتها والارتقاء بها. وهذا ما شكل اساس تعاظم قوى الاستعمار وانماء مراكزها التاريخية، وليس كما تعاملت غالبية “شيوعيي الموضة” مع نظرية ماركس حول التراكم الرأسمالي باعتبارها عملية ميكانيكية ،والقانون الوحيد لفهم قانون “راس المال”.
من هنا يجب مقاربة الدور الوظيفي للكيان الصهيوني باعتباره ينفذ ارادة مشغليه الذين يحققون من خلال وظيفته تأمين هيمنتهم وسيطرتهم على منطقة يقوم عليها وعلى مواردها رفاههم الاجتماعي وتنامي قدراتهم ،ولو كان هذا الدور يكلف مبالغ كبيرة تصرف للموظف وتحميه من اي مسالة في العالم مهما فعل،لانهم بدونه يخسرون كل ما عملوا عليه منذ قرون.
إنسلسة الحروب التي خاضتها وادارتها الولايات المتحدة كانت لها كلفتها الأعلى من مكتسباتها، ولو ان الولايات المتحدة خرجت رابحة نسبيا مما نهبته بشكل مباشر من ذهب وسلاح وما زالت تنهبه من خامات. وبكونها اعتمدت على أدوات تحت مسمى تحالفات في تنفيذها من دول وكيانات وجماعات، واستنزفتها جميعها الى حدود لم تعد قادرة على خوض حروب كبرى جديدة،ولم يبق لها واقعيا احد من الأدوات حاضرا لتنفيذ سياساتها وحروبها أكثر ولاء وقبولا من الكيان الصهيوني، لانه الوحيد من الأدوات التي لا يملك القدرة على الحياة من دون دوره الوظيفي هذا.
وها نحن هنا الان والصراع المتفجر الذي نعيشه على أرض غزة يحدد مسار المنطقة برمتها ومستقبلها.