الحكم في قضية الحريري: إرتباك في الشكل وفي المضمون
حكمت عبيد – خاص
يلقي الإرتباك بظلّه على دوائر المحكمة الخاصة بلبنان وهيئاتها المقررة، حيال التوقيت النهائي للنطق بالحكم في قضية الرئيس رفيق الحريري من قبل غرفة الدرجة الأولى.
وفقا لبيان سابق ذكرت المحكمة أن غرفة البداية قدمت إشعارا في 5 آذار الماضي قالت فيه إنها ستعلن الحكم في جلسة علنية " منتصف شهر أيار" الجاري.
ثلاثة أيام تفصلنا عن الموعد المحدد ولا تبدو أن الأجواء قد حسمت بعد.
وما يلفت النظر ويعزز فكرة الإرتباك أن المحكمة نشرت على موقعها بيانا ( لم يوزع على وسائل الإعلام) جاء فيه : نظرًا إلى الظروف السائدة بسبب فيروس كوفيد-19، سوف تحدّد غرفة الدرجة الأولى لدى المحكمة الخاصة بلبنان تاريخ النطق العلني بالحكم في قضية عياش وآخرين في أقرب وقت ممكن.
وأضاف البيان "أن الممثلين القانونيين للمتضررين قدموا بتاريخ 22 نيسان الماضي، توضيحًا من غرفة الدرجة الأولى بشأن تاريخ وكيفية النطق العلني بالحكم."
وفي المعلومات أن ممثل المتضررين المحامي بيتر هينز قدم لائحة رسمية بطلبه لمعرفة أسباب التأخير في النطق بالحكم، ولربما جاء بيان المحكمة الأخير ليجيب عن اسئلة هينز الرسمية!
وفي المعلومات أيضا، أن الغرفة الأولى انتهت من صياغة قرارها ومن طباعته، ولا شيء يعيق تحديد جلسة النطق بالحكم سوى تعذر الدعوة إلى جلسة علنية يشارك فيها مختلف الفرقاء في ظل الإجراءات المتخذة والمتصلة بجائحة كورونا.
أما إقتراح جلسة تعتمد نظام المؤتمرات المتلفزة فإنه من حيث المبدأ لا شيء يمنع ذلك، غير أن صعوبات فعلية برزت لجهة أن عددا كبيرا من الفرقاء خارج هولندا وموزع على أكثر من دولة ،وبالتالي قد لا يساعد نظام المؤتمرات المتلفزة على نجاح جلسة النطق بالحكم.
إرتباك إعلان الحكم في الشكل يوازيه إرتباك آخر يتصل بالمضمون، فالمعلومات والسياق العام لمسار المحكمة والمحاكمات تؤشر إلى أن الإستهداف السياسي والتمهيد السياسي للجريمة الذي أسست له الولايات المتحدة بالشراكة مع بعض الدول الأوروبية وجهاز المخابرات البريطانية، وما أعقبها من إستغلال بدا وكأنه معد مسبقا، نجم عن محاولة إنقلاب على نظامه وعلى مقاومته بوجه دولة الإحتلال الإسرائيلي، كل ذلك يؤشر أن الحكم سينطوي حكما على إدانة للمتهمين بالمسؤولية عن الجريمة وإن بنسب مختلفة.
لا شك بأن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها في منظومة المبايعة (نقيض منظمومة الممانعة) تدفع بإتجاه الإسراع في النطق بالحكم لإستغلاله سياسيا داخل لبنان وخارجه وعلى مستوى الدول الأوروبية والمنظمات الدولية، لمزيد من عمليات الحصار وتضييق الخناق على المقاومة وعلى لبنان من أجل تقديم تنازلات حيال ملفات التسوية في المنطقة وإستعادة السلطة في لبنان من قبل مجموعات فريق 14 آذار.
لا يأبه هذا الفريق الدولي –العربي – اللبناني بتداعيات الحكم ولا يعنيه ثغرات المحاكمات وبالتالي لا تعنيه الحقيقة.
إن الحقيقة الوحيدة بالنسبة له: المزيد من الضغوط على حزب الله وحلفائه من أجل أغراض سياسية، أما بالنسبة إلى غرفة الدرجة الأولى التي "حجرت" نفسها منذ بدء المحاكمات عن العديد من المعطيات التي قد تفضي إلى سياقات مختلفة لتصور الإدعاء والتحقيقات التي سبقت قيام المحكمة، وسلمت أمرها لسياق واحد، تكاد تكون شريكة الإدعاء نفسه، لاسيما عندما تهمل خيارات وتقلل من شأن سيناريوهات وأدلة توازي في أهميتها أدلة الإدعاء وسيناريوهاته!
لبنان ينتظر الحكم بعقل بارد، رغم ما بدأ يتحضر في بعض الأزقة من ترتيب لتظاهرات وحملات سيطلقها البعض، علّها تنقذه من تدهور أحواله السياسية، ويكون بذلك كمن يحاول أن يستغل الحكم كما حاول أن يستغل الجريمة، والنتيجة واحدة على الأرجح: المزيد من الفشل!